أثار هذا البحث جدلاً واسعاً عند أتباع المدرسة التقليدية لأنه هدمَ أساساً بُنيت عليه أوهامهم، وأبطلَ الذريعة الشرعية القائلة بجواز الزواج من الفتاة القاصر، إذ استخدم الباحث الأدلة التاريخية والقرآنية واللغوية لإثبات زيف هذه الفتوى وبطلانها المسيئة للطفولة ومقام النبوة ومن ثَمَّ مسيئة للإسلام نفسه من خلال:
- استفحال ظاهرة زواج القاصرات وآثارها الجنائية.
- تحليل النص النبوي المُعْتمد في زواج القاصرات سنداً ومتناً.
- إبطال رواية زواج النبي الكريم من عائشة وهي ما تزال قاصراً بالأدلة العلمية.
- نقد حديث البخاري ومسلم عن زواج عائشة وهي قاصر وإثبات بطلانه.
- الميلاد الحقيقي للسيدة عائشة بالدليل والحدث التاريخي.
- شبهة جواز زواج القاصر من القرآن ووهم الفقهاء فيها.
- النتيجة.
التمهيد
أثير في الآونة الأخيرة مجدداً موضوع زواج القاصرات بعد أن حكمت محكمة في السودان بالإعدام على فتاة قاصر قتلت زوجها الطاعن في السن بعد زواجه منها. هذا الأمر دفعني مرة أخرى إلى إعادة مناقشة الموضوع وإثبات بطلان تلك الفتوى المجيزة لذلك الزواج الذي يعد انتهاكاً لحقوق الطفولة، نتيجة وهم فقهي اعتمد على روايات مغلوطة، استندت إلى أن النبي الكريم تزوج من السيدة عائشة رضي الله عنها وكانت قاصراً.
ولا شك في أن لكل ظاهرة اجتماعية سلبية أسبابها الذاتية والموضوعية، تجعلها تنمو وتنتشر، ولا بد من معالجة تلك الظواهر قبل أن تغدو سلوكاً اجتماعياً مقبولاً، يصعب علينا علاجه.
زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت محل اهتمام الباحثين في المجتمع العربي، ولاتزال موجودة في مجتمعاتنا؛ كما باتت موجودة في سوريا نتيجة الأوضاع التي تمر بها، وطول عمر الأزمة، ومن الطبيعي في علم الاجتماع السلوكي عندما يتعرض المجتمع لأزمة كبيرة وممتدة وقتاً طويلاً، أن تُلاحظ ظواهر اجتماعية سلبية، ولكن ليس من الطبيعي أن تتنامى هذه الظاهرة، حتى تصبح عُرفاً اجتماعياً، وهنا الخطر.
لهذه الظاهرة أسباب عدة وفي مقدمتها السبب الاقتصادي، وكذلك الهرب إلى الأمام، بمعنى تزويج القاصرة من أمير حرب حتى يحميها، ليحتمي به أهلها، وأيضاً انتشار الظاهرة في المخيمات سداً لذريعة انحرافهم أو الشذوذ، التي تكثر في المجتمعات المغلقة.
إسقاط الذريعة الشرعية
كلُّ مَنْ يزوج قاصراً في مجتمعنا يستند إلى الدليل الشرعي لتسويغ فعلته، مختبئاً خلفه، حتى يكون مسوّغاً نفسياً له في تمرير هذا الزواج، وليحصّن نفسه من لوم المجتمع.
الأصل الشرعي القائم والدليل في هذه القضية هو زواج النبي من عائشة إذ روى البخاري عن هشام بن عروة بخمس طرائق عراقية؛ حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة: تزوج النبي عائشة وهي ابنة ست سنوات وبنى بها وهي ابنة تسع ومكث عندها تسعاً. (البخاري: 4863) (مسلم:1422).
وبما أننا مجتمع متدين يستند في سلوكه إلى النص الديني، لا بد من البحث علمياً في هذا النص، هل هو صحيح أم لا؟. فإن كانت تشوبه الشكوك لا بد من التحقق منه لتبين الصحيح في المسألة، فإنْ كان ليس صحيحاً، حينئذ يسهل علينا الطرح الطبي والنفسي والخلقي والاجتماعي، لمنع استفحال هذه الظاهرة.
وإنْ كان لا، والنص صحيح بعد البحث فيه، فعلينا أن نبحث في مآل الفعل، وفي القاعدة الفقهية: إنْ كان الفعل مباحاً أو جائزاً، ولكن إن كان مآل الفعل يؤدي إلى مضرة يمنع الفعل المباح.
السؤال الفيصل في هذه الظاهرة؛ هل نص حديث زواج عائشة صحيح أم لا؟
ما نقله بعض المؤرخين والمحدثين أن عائشة ولدت قبل الهجرة بأربع سنوات وقيل خمس وقيل ست. وأكثرها أنها ولدت قبل الهجرة بسبع سنوات.
تحليل النص
الراوي الوحيد لهذا الحديث هو هشام بن عروة (ابن أسماء شقيقة عائشة الكبرى) عن أبيه.
في التحقيق: هشام لم يدرك عائشة لأنه ولد عام (65هـ) وتوفي (146هـ). في حين توفيت عائشة (58 هـ وقيل سنة 57 هـ ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة).
عاش هشام (80) سنةً تقريباً، منها (71) في المدينة و(10) في الكوفة، خلال حياته كلها في المدينة المنورة لم يروِ هذا الحديث، إنما رواه في الكوفة، بدليل أن رجال الحديث عراقيون. هذا إنْ صحت الرواية عنه، ولم يعتمد أحاديثه في العراق عالم مدني واحد، سواء أكان مالك بن أنس أم غيره، والأولى أن يروي الحديث في المدينة، ليأتينا عن رواتها، لأنه عاش فيها جلَّ عمره، ولكن رواة الحديث عراقيون ومع هذا خرّجه البخاري في صحيحه.
ذكره الإمام الذهبي في التهذيب وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب، وكما هو معلوم فإن ابن حجر أفضل من شرح البخاري، والكتابان من أهم كتب الجرح والتعديل، وهي قاموس المدرسة السلفية ومرجع علماء الحديث في الجرح والتعديل في هذا الباب، ويعدونها حجة، قال الذهبي: عن يعقوب بن شيبة: إن حديث هشام في العراق يشوبه الخلط (لم يعد دقيقاً وينسى) وتَبَسّطَ (تهاون) في الرواية للعراقيين، ولقد أنكر الإمام مالك مروياته في العراق، ولم يأخذ بها، ويرفض كل رواية لهشام تأتيه عن طريق العراقيين.
وقال خِراش: ردَّ الإمام مالك حديث هشام في العراق. أما أبو حسن القطان: اتهم هشام أنه اختلط في آخر حياته أي المرحلة العمرية التي عاشها في الكوفة.
ويقول يحي بن سعيد: كان مالك يقول: إن حديث هشام في المدينة ثَبْتٌ أما في العراق فلا.
أبو حنيفة ينقد رواة الحديث من العراقيين قائلاً: يدخل الحديثُ العراقَ باعاً، ليخرج منه ذراعاً.
نقـــد المتــن
بعد دراستنا للسند، نحلل المتن ونفككه، جاء في صحيح البخاري نفسه، عن يوسف بن ماهَكَ: إني عند عائشة إذ قالت:
لقد أنزل الله على نبيه {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. سورة القمر:45. وإني لجارية ألعب.
سورة القمر نزلت على الأرجح في السنة الرابعة للبعثة وقيل في السادسة، والجارية هي الصبية كثيرة الحركة في البيت، وقيل إن عمرها يكون ما بين (8 – 12سنةً) والجارية من الجراء كما في لسان العرب.
فكيف يقولون إن عائشة ولدت بعد التاريخ (البعثة) بسبع سنوات؟ وهي برواية البخاري تصف سنَّها، وكانت في سنِّ الجارية عند نزول سورة القمر؟ وهذا يعني أن هناك تناقضاً وخطأً صارخاً في الروايات التي تتحدث عن ولادتها. إلا إذا افترضنا أن هناك وهماً في ولادتها، فبدلاً من قولهم ولدت قبل الهجرة، يكون الصحيح، ولدت قبل البعثة، والفارق كبير جداً.
وبذلك تنسجم رواية البخاري عن عائشة في سورة القمر، وهذا يعني أن النبي عندما هاجر مع أبيها إلى المدينة كان سنُّها على الأقل (19) سنة، ولما دخل بها في المدينة بعد الهجرة بسنتين، والروايات كلها تقول بهذا، يكون عمرها (21) سنة.
ابن حجر في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) يقول: أسماء بنت أبي بكر أسنُّ من أختها عائشة بعشر سنوات. وكل أصحاب السير والطبقات والتاريخ يجمعون على أن أسماء ولِدَتْ لسبع وعشرين قبل التاريخ (الهجرة)، أي لأربعة عشر سنة قبل البعثة. هذا يعني أن عائشة ولدت قبل البعثة بأربع سنوات، وليس قبل الهجرة.
واتفق المؤرخون جميعاً على أن أسماء توفيت (73هـ) عن عمر ناهز(100سنة) وهذا يعني أن أسماء عند الهجرة كان عمرها (27 سنة) وعائشة أصغر منها بعشر سنوات ومن ثم فإن عمر عائشة عند الهجرة كان (17سنة).
وبالتحليل والمقارنة تكون عائشة قد ولدت قبل البعثة بـ(4 سنوات) بناءً على عمر أسماء، فإذا قلنا أربعة قبل البعثة + (13المدّة المكية)، يكون قد خطبها وهي ابنة (17 سنةً)، وبعد سنتين من الهجرة دخل بها لتكون قد أصبحت (19سنة) على أقل تقدير.
إذاً: الخطأ الأول بناءً على ما قمنا به: أنهم قالوا قبل الهجرة ولدت، وهذا وهم. إنما الصحيح قبل البعثة، ما أدى إلى هذا الإشكال الذي جعله المستشرقون طعناً بأخلاق النبي بزواجه من طفلة عمرها سبع سنوات، ودخل بها وهي ذات تسع سنوات.
ونحن لدينا أربع روايات عن مولدها، قيل: أربع وخمس وست وسبع سنوات. ومن عادة العرب ألا يؤرخوا للولادة، إنما يؤرخون في الوفاة.
فإذا كانت عائشة ولدت قبل البعثة بأربع سنوات فعمرها عند الهجرة (17سنة).
وإذا كانت عائشة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات فعمرها عند الهجرة (18سنة).
وإذا كانت عائشة ولدت قبل البعثة بست سنوات فعمرها عند الهجرة (19سنة).
وإذا كانت عائشة ولدت قبل البعثة بسبع سنوات فعمرها عند الهجرة (20سنة).
دليـــــــــــل آخر
في رواية مسلم أنّ عائشة كانت حاضرة في غزوة بدر(وقعت في السنة الثانية للهجرة)، والنبي الكريم منع الصبية من الخروج معه في بدر كما هو معروف، فكيف يمنع النبي الذكور من الصبية الخروج معه، ويسمح لعائشة الأنثى؟ ولو أنها كانت بالعمر الذي بُني على ولادتها قبل الهجرة فذلك خطر على الجيش؟ ونحن نعلم أن المرأة كانت تخرج للمداواة والاستشفاء والسقاية؟ ولقد ذكر النووي في شرح مسلم بقوله: إن ظاهر الرواية يؤكد أن عائشة شهدت بدراً، هذا يعني أن عمرها يقيناً أكثر من (15سنة)، وبالتحليل الذي ذهبنا إليه يكون عمرها في تلك الغزوة في أقل تقدير (21) سنةً.
في السيـــــــــــاق ذاته
يروي البخاري عن أنس مؤكداً حضور عائشة غزوة بدر: لقد رأيتُ عائشة وأم سلمة تحملان القُرَب (جمع قربة) أي الماء تسقيان الجرحى.
وكما هو مشهور بلا خلاف عند المحققين أن النبي ردَّ كل ذكر لم يبلغ (15) سنةً عن الذهاب معه إلى بدر، ويروي البخاري ذاته عن ابن عمر: عُرِضتُ على النبي في بدر وأنا ابن (14) سنةً فردني لحداثة سني، وقبلني في الخندق. وغزوة الخندق كانت في السنة الخامسة للهجرة.
فكيف يسمح بوجود أنثى لها منزلتها عنده، تكون أصغر من الذكور؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعني يقيناً أن عمرها كان أكثر من (15) سنة، حتى تتحمل مشاق المشاركة في أهم معركة في تاريخ الإسلام مسعفةً وساقيةً.
خطبـــــــة عائشة في الجاهلية
كانت عائشة قبل أن يخطبها النبي مخطوبةً لجُبير بن المطعم بن عدي، والمطعم من زعماء المشركين، ولما ماتت خديجة، جاءت زوجة عمران بن مسعود خولة بنت الحكم تطلب إليه ألّا يبقى أرملاً:
يروي الإمام أحمد عن عائشة: (لما هلكت خديجة جاءت (خولة بنت حكيم) امرأة عثمان بن مظعون فقالت: (يا رسول الله ألا تتزوج؟) قال: (من) قالت إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً. قال: فمن البكر؟ ومن الثيب؟ قالت: البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبى بكر، وأما الثيب فهي سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك.
قال: فاذهبي فاذكريها. فجاءت خولة، ودخلت بيت أبى بكر فوجدت (أم رومان) فقالت: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة، قالت: وما ذاك؟ قالت خولة: أرسلني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخطب له عائشة. قالت أم رومان: انظري أبا بكر حتى يأتي فجاء أبو بكر؛ فقلت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة. قال وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله –صلى الله عليه وسلم – أخطب له عائشة. قال وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– فذكرت ذلك له.
قال: ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي. فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظريني، وخرج. قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه ووالله ما وعد أبو بكر وعداً قط فأخلفه. فدخل أبو بكر على (مطعم بن عدي) وعنده امرأته أم الصبى فقالت: يا ابن أبى قحافة لعلك مصبئ صاحبنا تدخله في دينك؟. قال أبو بكر: ماذا تقول هذه؟. قال: إنها تقول ذلك؟. فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان في نفسه من وعده الذي وعده، فرجع وقال لخولة: ادعى لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فدعته فزوجها إياه.
إذاً فعائشة عُرضت عليه من جهة، ومن جهة أخرى، لم تكن في باله، ذهب النبي لخطبتها من أبي بكر، وكانت مخطوبة لجبير، فقال أبو بكر: انتظر يا رسول الله حتى أسلَّها منه (أي أخلصها من خطبة جبير). ولما كانت الرسالة قد انتقلت من طور السرية إلى الجهرية، غضبت أم جبير لإسلام أبي بكر وأولاده، وشتمت أبا بكر، وطالبت بفسخة الخطبة قائلة: هل تريد أن يصبأ جبير كما صبأت عائشة؟. هنا تحلل أبو بكر من التزامه معهم، ففسخوا الخطبة، وقبل بخطبة الرسول الكريم لها. وأصبح عرفاً في مكة أنّ كل مشرك خطب أو تزوج ممن أسلمت، يفسخ أو يطلق المسلمة.
خطبة عائشة من جبير فُسخت بسبب إسلامها وإسلام أبيها رضي الله عنهما، وأبو بكر أول من دخل الإسلام من الرجال في مكة، في الأيام الأولى لبعثة النبي، ولم يذكر التاريخ أن أحداً دخل الإسلام قبل البلوغ والتكليف إلا علي بن أبي طالب، وهذا يشير إلى أنها كانت في سن التكليف أو التمييز.
الإمام الطبري في كتابه الشهير (تاريخ الأمم والملوك)، المعروف بتاريخ الطبري قال: أولاد أبي بكر كلهم ولدوا في الجاهلية. وابن اسحق في السيرة حينما رتّب الأسبقية في دخول الإسلام، وضع أبا بكر أولاً، وأسماء في المرتبة الثامنة عشرة، وعائشة في المرتبة التاسعة عشرة. وأغلب المسلمين الأوائل أسلموا في السنة الأولى للبعثة كما هو معروف. فكيف يكون ترتيبها (18) بين أوائل من أسلم، ثم يقولون ولدت في السنة السابعة قبل الهجرة بكذا.
دليــــــــــــل مهم
يروي الإمام مسلم عن عائشة قال: سمعتُ رسول الله يقول: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة.
وكما هو معلوم فإن عمر بن الخطاب أسلم في السنة السادسة للبعثة، وحينما تروي عائشة حديثاً عن إسلام عمر، ويعتمده الإمام مسلم في صحيحه، هذا يعني أولاً هدم الرواية التي تقول وُلِدت قبل الهجرة بأربع أو خمس أو ست سنوات، والأصح أنها وُلِدت قبل البعثة لمجموع الأدلة التي ذكرناها، ويعني أنها أثناء إسلام عمر كانت مميزة وواعية، وتروي الحوادث بدقة، ومن ثم تسقط رواية هشام بن عروة في زواجها من النبي وهي بنت تسع سنوات.
شبهة ورد
يستدل بعضهم على زواج القاصرات بقوله تعالى: (واللائي لم يحضن) على جواز زواج مَن لم تبلغ وهذا ليس بصحيح، وهو مجانب للصَّواب، من حيث السِّياق والحال، ولا حجَّة لمن يستدلُّ بأقوال المفسِّرين، وإجماعهم عليه إن وجد. فقوله تعالى (اللائي لم يحضن) المراد منه المرأة التي بلغت سنَّ الحيض، على اختلافه، ولم يأتِها الحيض، وكبرت ونشأت وبقيت عليه، وهي التي تُسمَّى في العربية (الضَّهياء).
قد يقول قائل: إذا كان عمرها كما تقولون، فلماذا لم يدخل بها النبي في مكة بعد أن عقدَ عليها، أو في المدينة بعد أن هاجر إليها؟.
هذا سؤال مهم ووجيه، أما أنه لم يدخل بها في مكة بعد أن عقد عليها، فكما نعلم أن الخطب اشتد على المسلمين من قريش، وازداد الأذى، ولم يسلم منه حتى النبي الكريم، بل هو أشد من تعرض للأذى، ولا يمكن أمام هذا المفصل التاريخي، وأصحابه يتعرضون للاضطهاد، أن يتزوج.
وأما لماذا لم يدخل بها بعد الهجرة، فقد ذكر ابن سعد في الطبقات أن أبا بكر سأل النبي: لِمَ لا تدخل بعائشة؟. فقال النبي: الصداق؛ أي أنا لا أملك مهرها. فأعطاه أبو بكر (40,5) أوقية كل أوقية تعادل (40) درهماً، فدخل بها النبي.
ومن ثَمّ؛ وفي نتيجة البحث
فإن من يستند في مشروعية زواج القاصر شرعياً إلى واقعة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة على أنّ عمرها كان سبعاً عندما عقد عليها، وتسعاً لما بنى بها، فقد انهدم وبطل هذا الأساس الشرعي، والحقيقة من خلال البحث والاستقصاء أنها كانت ابنة (19) سنة عندما عقد عليها، وابنة (21) لما دخل بها، والله أعلم.
فتوى الأزهر في زواج القاصرات
رأي الدين يوضحه الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق مؤكداً أنه لا وجود في الإسلام لما يسمى زواج القاصرات, والقول إن رسول الله صلي الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وهي في التاسعة من عمرها هو افتراء على رسول الله.
إذ قال العلماء إنها كانت في التاسعة عشرة, ويرى أن الزواج له شروطه وأركانه التي تحددها الدولة وهو سن 18 سنة، ومن حق الحاكم أن يعدل هذه السن إذا ارتأى مصلحة في ذلك، أما الذين ينادون بزواج القاصرات فهذا معناه أننا ننشئ مجتمعاً من الجاهلية، فالأم عماد الأسرة، يجب أن يكون لديها ثقافات متعددة، فكيف للقاصر أن تربي جيلاً وتقوم بأعباء أسرة وأمثالها يلعبون في الشارع، الأسانيد التي يستند إليها المطالبون بزواج القاصرات كلها ليس لها أساس من الصحة، وتعليم الفتاة من شأنه رفع سن الزواج، حتي يتكون لديها الإدراك والوعي بالمسؤولية التي ستلقى علي عاتقها، وتستطيع تربية أبنائها تربية صحيحة.
أما الدكتور محمد فريد عضو لجنة الفتوى في الأزهر، فأشار إلى أن الشرع يجرم زواج القاصرات حتى وإن كانت بالغة، فهناك من تبلغ في سنوات مبكرة ما بين9 و21 سنة، لكنها قطعاً، ما زالت لا تستطيع تحمل مسئوليات الزواج، ويحرص الدين الإسلامي علي أن يكون الزواج شرعياً، وإذا أقر الدستور رفع سن الزواج فيصبح ذلك من مصلحة الفتاة وليس ضدها.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.