في ظل العزلة الدولية المستمرة منذ بداية الحرب في أوكرانيا قبل عامين، وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين للقاء نظيره الصيني، سعياً للحصول على دعم أكبر لجهوده الحربية في أوكرانيا. تعد هذه أول رحلة خارجية لبوتين منذ إعادة انتخابه رئيساً في مارس، وثاني زيارة له إلى الصين خلال أكثر من ستة أشهر بقليل. يعتبر العملاق الآسيوي شريان حياة اقتصادي حيوي لروسيا التي تعاني من العقوبات الغربية المفروضة بسبب عدوانها العسكري في أوكرانيا.
بعد عودته مؤخراً من جولة إلى فرنسا وصربيا والمجر، دافع شي جين بينغ عن حق بلاده في الحفاظ على علاقات اقتصادية طبيعية مع الجارة روسيا، حيث تستفيد الصين بشكل خاص من واردات الطاقة الروسية الرخيصة. في أوائل عام 2022، وقبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، احتفلت الدولتان بشراكة ثنائية وُصفت بأنها “غير محدودة”.
خلال الاجتماع الثنائي، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن بوتين صور نفسه والقائد الصيني كمدافعين عن الاستقرار العالمي والمساواة بين الأمم ضد الهيمنة الغربية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الزيارة تتيح لبوتين أيضاً إظهار للشعب الروسي أنه لا يزال لديه حلفاء أقوياء، وهو رسالة يكررها الإعلام الحكومي كثيراً. وقال بوتين لشي أمام الصحفيين قبل محادثاتهما: “إن تعاوننا في الشؤون العالمية اليوم هو أحد العوامل الرئيسية للاستقرار على الساحة الدولية. معاً، ندعم مبادئ العدالة والنظام العالمي الديمقراطي الذي يعكس الحقائق المتعددة الأقطاب التي تقوم عليها القوانين الدولية”.
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، يعتبر بوتين شريكاً مفيداً للزعيم الصيني في معارضة النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن العلاقة تشكل أيضاً عبئاً على الصين، حيث يحذر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بكين من مساعدة روسيا في جهودها لإعادة بناء جيشها. اتهمت الولايات المتحدة الصين بمساعدة بوتين في إعادة بناء جيشه من خلال تزويده بشرائح تستخدم في الأسلحة المتقدمة وأجزاء الطائرات ومحركات الطائرات بدون طيار ومحركات المركبات الأرضية. تنفي الصين تزويد روسيا بأي أسلحة وتقول إنها تراقب عن كثب المعدات “ذات الاستخدام المزدوج” التي يمكن أن تكون لها تطبيقات مدنية وعسكرية على حد سواء. وبينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات صينية لتزويدها روسيا بتكنولوجيا عسكرية مثل الشرائح، فإنها لم تفرض حتى الآن عقوبات تعزل البنوك الصينية عن النظام المالي العالمي، وهي خطوة يمكن أن يكون لها آثار اقتصادية واسعة النطاق.
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، تعمقت العلاقات بين البلدين خلال الحرب، حيث زادت التجارة بأكثر من 26% في عام 2023 لتصل إلى أكثر من 240 مليار دولار، بزيادة تزيد عن 60% عن مستويات ما قبل الحرب. تشكل الصين 30% من صادرات روسيا وما يقرب من 40% من وارداتها. وأبرزت الصحيفة النفوذ الصيني على العديد من جوانب الحياة الروسية، مشيرة إلى أنه قبل الحرب، كانت تجارة روسيا مع الاتحاد الأوروبي ضعف تجارتها مع الصين؛ الآن أصبحت أقل من النصف. أصبح اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي أو اليورو العملة الرئيسية المستخدمة في التجارة بين البلدين، مما جعله العملة الأكثر تداولاً في بورصة موسكو وأداة الادخار المفضلة. يتغلغل هذا الاعتماد الاقتصادي في الحياة اليومية، حيث أن المنتجات الصينية أصبحت منتشرة بشكل كبير. تم بيع أكثر من نصف مليون سيارة في روسيا العام الماضي صنعت في الصين. أصبحت العلامات التجارية الستة الأولى للسيارات الأجنبية في روسيا الآن جميعها صينية بعد مغادرة الشركات الغربية التي كانت تهيمن سابقاً. وبالمثل في سوق الهواتف الذكية، تجاوزت الشركات الصينية Xiaomi وTecno شركتي Apple وSamsung، وفي الأجهزة المنزلية والعديد من العناصر اليومية الأخرى.
فيما يتعلق بالدعم العسكري، قال مسؤولون أمريكيون كبار لوكالة رويترز إن الصين تدعم جهود روسيا الحربية في أوكرانيا من خلال مساعدة موسكو على زيادة إنتاجها الدفاعي عبر كميات كبيرة من أدوات الآلات والمايكروإلكترونيات وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز. قال المسؤولون إن الرئيس جو بايدن أثار القضية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في مكالمتهم الهاتفية الأخيرة وإنها موضوع نقاش مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وحول العالم. وذكروا أن “المواد الصينية تملأ الفجوات الحرجة في دورة الإنتاج الدفاعي الروسية وتساعد موسكو على القيام بتوسع دفاعي طموح منذ الحقبة السوفيتية بوتيرة أسرع مما كنا نعتقده ممكناً في وقت مبكر من هذا الصراع. وجهة نظرنا هي أن أحد التحركات الأكثر تأثيراً المتاحة لنا الآن لدعم أوكرانيا هو إقناع الصين بوقف مساعدة روسيا في إعادة بناء قاعدتها الصناعية العسكرية. ستكافح موسكو لمواصلة جهودها الحربية بدون بكين”.
أشار المسؤولون إلى أن الروس ربما استخدموا واردات أدوات الآلات من الصين لزيادة إنتاج الصواريخ الباليستية. وذكروا أن مجموعة أدوات الآلات داليان، إحدى الشركات الرائدة في تصنيع أدوات الآلات في الصين، هي مورد لروسيا. وأشاروا إلى أنه في عام 2023، جاء 90% من واردات روسيا من المايكروإلكترونيات من الصين، والتي استخدمتها روسيا في إنتاج الصواريخ والدبابات والطائرات. أفادت صحيفة بوليتيكو الأمريكية بأن الصين أرسلت كمية كافية من المعدات العسكرية إلى روسيا لـ “تجهيز جيش” عبر ثغرة في العقوبات الغربية المفروضة بعد بدء الحرب في أوكرانيا. استندت الصحيفة إلى سجلات الجمارك التي تظهر أن الشركات المصنعة الصينية تقدم كميات كبيرة من المساعدات العسكرية لروسيا بما في ذلك الطائرات بدون طيار ومعدات الحماية والأجهزة البصرية الحرارية لاكتشاف الأهداف في الليل. تستخدم الصين هذه الثغرة لأن هذه العناصر يمكن أن تستخدم لأغراض مدنية وليس عسكرية فقط لتجنب المواجهة مع الغرب.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في أواخر فبراير 2022، أصبحت زيارات بوتين الخارجية نادرة جداً، خاصة بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال دولية بحقه في مارس 2023. أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب بسبب “الترحيل غير القانوني” لآلاف الأطفال الأوكرانيين. قلل بوتين من رحلاته الدولية وغاب عن القمم الأخيرة لمجموعة العشرين وBRICS. ومع ذلك، زار الإمارات والسعودية في أوائل ديسمبر. في أكتوبر، زار الصين على هامش منتدى طريق الحرير الجديد. وقبل أيام قليلة، زار قيرغيزستان، حليف موسكو، في أول رحلة له إلى الخارج منذ إصدار مذكرة الاعتقال الدولية بحقه.
تظهر هذه الزيارة بوضوح رغبة بوتين القوية في تأمين الدعم الصيني اللازم لمواصلة الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة مع الهجوم البري الجديد في عدة مناطق من أوكرانيا، بما في ذلك خاركيف. يسعى إلى تزويد بلاده بالأسلحة والطائرات بدون طيار الضرورية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى بوتين إلى إظهار شعبيته وعلاقاته الدولية بعد انتهاء ماراثون الانتخابات الرئاسية في روسيا.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.