هيئة التحرير
“لبنان بحاجة للتغيير”، عبارة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون”، يرى فيها الكثير من المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن اللبناني، أنها تختصر المهمة التي جاء من أجلها سيد الإليزيه، الذي حل ضيفاً ثقيلاً وخفيفاً في ذات الوقت، على الحكومة اللبنانية، في زيارة استغرقت ساعات.
وكان الرئيس الفرنسي قد زار العاصمة اللبنانية، بيروت، بعد يومٍ واحد من انفجار المرفأ، الذي تسبب حتى الآن بمقتل 149 شخص وجرح الآلاف، في حين لا يزال المئات في عداد المفقودين، كما عقد “ماكرون” عدة لقاءات مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين.
بلد يحكمه الفاسدون
خلاصة زيارة “ماكرون” للبنان، يلخصها المحلل السياسي، “أحمد عيتاني” بأنها إقرار دولي بأن لبنان يحكم بطغمة فاسدة، لافتاً إلى أن حديث الرئيس الفرنسي عن التغيير، يشير إلى أن العالم لن يتعامل محدداً مع النظام القائم، ويحصر خيارات الحل أمام الطبقة السياسية اللبنانية بتغيير فعلي لشكل الحياة السياسية ونظام الحكم، الذي أفرز الحكومة الحالية.
وكشف الرئيس الفرنسي خلال زيارته عن طرحه تسوية سياسية على الفرق اللبنانية، مؤكداً أنه سيعود لزيارة لبنان مطلع أيلول القادم لمتابعتها، دون الكشف عن تفاصيل أكثر حول تلك التسوية.
إلى جانب ذلك، يعتبر المحلل “عيتاني”، أن “ماكرون” جاء ليحمل رسالة إلى النظام الحاكم بأن المساعدات الدولية القادمة للبنان لا تعني كسر عزلته الدولية ولا تعني أن الحكومة الحالية باتت مقبولةً بالنسبة للمجتمع الدولي تحت غطاء الكارثة، موضحاً: “قالها ماكرون صراحة في الشارع اللبناني بأنه جاء لدعم لبنان وليس لدعم النظام، وأن المساعدات ستقدم للبنانيين ولن تصل لأيدي الفاسدين”.
وتسبب الانفجار بتشريد ما يصل إلى 300 ألف لبناني، قالت الحكومة إنهم باتوا بلا مأوى ولا منزل، كما تسبب أيضاً بدمار كبير في المرفأ، الذي يعتبر شريان حياة رئيسي بالنسبة للبنان.
الطائف بات ماضياً
المؤشر الأهم في تفاصيل زيارة “ماكرون” وتصريحاته بأن لبنان بعد 4 آب لن يكون كما كان قبلها، يحصره الباحث في الشأن اللبناني، “عبد الله فتفت”، بأن المجتمع الدولي وبتمثيل فرنسي، قرر طي صفحة اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، مشيراً إلى أن الاتفاق لا يلائم الظروف الدولية واللإقليمية الراهنة، لا سيما وأن المطلوب دولياً هو ترسيخ حياد لبنان.
وينص اتفاق الطائف، على إنهاء الحرب الأهلية، وتقسيم المناصب الرئيسية على أساس طائفي بحسب التقسيم الديمغرافي، حيث نال السنة منصب رئيس الحكومة، الذي تتمحور بيده أغلب الصلاحيات التنفيذية، وحاز الشيعة على رئاسة البرلمان، فيما نال المسيحيون رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.
في هذا السياق يوضح “فتفت”: “اتفاق الطائف بشكله الطائفي، لا يخدم مطالب المنظومة الدولية بحياد لبنان، خاصة وأن كل واحدة من الطوائف لها ارتباطات بدول خارجية، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله، المرتبط مع إيران، وبقاء الاتفاق سيداً للموقف في لبنان يعني أن البلد لن تعرف الحياد إطلاقاً”، لافتاً إلى أن حديث “ماكرون” عن التغيير لا يقتصر على تغيير الأشخاص بقدر ما يشمل تغيير التركيبة الأساسية للحكم، في بلد مزقته المناحرات الطائفية والسياسية، على حد قوله.
إلى جانب ذلك، يعتبر “فتفت” أن العام 2005 شهد سقوط نصف اتفاق الطائف بخروج الجيش السوري، والعام 2020 قد يشهد سقوط النصف الآخر منه، مشيراً إلى ذلك الاتفاق قام على عاملين أساسيين هما الوصاية السورية، والمحاصصة الطائفية، وهو ما يتفق معه المحلل “حازم قزي”، لافتاً إلى أن تطبيق القرار 1559الدولي، سيكون أولى خطوات التخلص من النظام الحالي واتفاق الطائف.
ونص قرار مجلس الأمن 1559، الصادر في عام 2005، على خروج القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات، في إشارة مباشرة إلى ميليشيات حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران.
تسيس الصراعات وحصرها داخل الحدود
المطلوب من النظام الجديد في لبنان، وبحسب ما يفترضه المحلل “قزي”، يتمحور في عدة نقاط، أبرزها فرض سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية وتحويل الصراعات بين التيارات اللبنانية إلى صراعات سياسية بحته خالية من السلاح، بما يضمن عدم تدخل دول إقليمية عبر دعم هذه الكتلة أو تلك، ويحصر الخلافات داخل الحدود الجغرافية للبنان دون أن يصل مداها إلى ما هو خارجها، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يدرك منذ عام 2005، أن اتفاق الطائف بات غير صالحاً، ولكن الثورة السورية وما تبعها من تدخلات حزب الله وجر لبنان لتكون ساحة صراع، كان العامل الأكبر في ترسيخ تلك القناعة.
وكان حزب الله قد أعلن تورطه في الحرب السورية منذ عام 2012، لصالح نظام “بشار الأسد”، وشهدت على إثرها مدينة طرابلس شمال لبنان، اشتباكات قوية راح ضحيتها العشرات بين مجموعات لبنانية معارضة للنظام السوري تزعمها “أحمد الأسير” وبين حزب الله.
في السياق ذاته، يؤكد “قزي” أن الحديث عن حياد الدول لا يمكن أن يتم في ظل نظام طائفي، فالتطرق لأي حزب أو مسؤول سيشعر أتباعه بأنه تطرق واستهداف للطائفة ولوجودها في لبنان، ما يؤكد ضرورة نهاية اتفاق الطائف، وإيجاد صيغة حكم جديدة تكون قائمة على أسس المناخ والتوجهات السياسية بدلاً من الطائفية، وهو ما يشكل أول خطوة للحل في لبنان، على حد قوله، معتبراً أن اتفاق الطائف والمناخ الطائفي، هو ما أوصل “حسان دياب” ليكون رئيساً لحكومة شكلها حزب الله، وهو ما مكن الحزب من السيطرة على مجلس النواب، من خلال ما كان يسميه الأكثرية النيابية.
وسبق للمجتمع الدولي أن رفض تقديم المساعدات للحكومة اللبنانية، واصفاً إياها بحكومة حزب الله المدرج على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية والعربية.