في سباق جديد بين واشنطن وموسكو لإيجاد موطئ قدم في ساحل “البحر الأحمر”، وتعزيز نفوذهما في افريقيا، وصلت الفرقاطة الروسية “ستويكي 545” أمس الأربعاء إلى ميناء “بورتسودان” السوداني، بينما تحاول واشنطن قطع الطريق على “موسكو”، مستخلصة دروسا مما حدث في سوريا وليبيا.
مصادر في ميناء بورتسودان، شمال شرقي السودان أكدت أن “الفرقاطة الروسية (ستويكي 545) وصلت إلى الميناء، في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين، وفي زيارة هي الثانية من نوعها لفرقاطة روسية في أقل من شهر.
وكانت الفرقاطة الأدميرال “غريغوروفيتش”، التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي دخلت الشهر الماضي، إلى ميناء بورتسودان في إطار التعاون العسكري بين موسكو والخرطوم.
حرب باردة..
وصول الفرقاطة الروسية الأدميرال “جريجوروفيتش” الشهر الفائت، لم تفصله ساعات عن رسو المدمرة الأمريكية “ونستون تشرشل” في ذات الميناء، في مشهد يسلط الضوء على جولات التنافس التي تجمع الطرفين منذ زمن بعيد.
وتعد هذه هي المرة الثانية التي تصل فيها سفينة حربية أمريكية إلى ساحل البحر الأحمر، بعد البارجة “كارسون سيتي” التابعة لقيادة النقل البحري الأمريكي، التي رست في مياه البحر الأحمر في 24 فبراير/شباط الماضي.
وأكدت السفارة الأمريكية في “الخرطوم” حينها أن “القائم بأعمال السفارة وصل إلى ولاية البحر الأحمر للترحيب بسفينة البحرية الأمريكية”. مشيرة إلى أن “زيارة السفينة العسكرية تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، وتعزيز الشراكة معه”.
وتأتي الخطوة بعد زيارة رسمية قام بها قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، “أندرو يونغ”، ومدير المخابرات الأدميرال “هايدي بيرج” إلى الخرطوم في 26 يناير/كانون الثاني، بزيارة للخرطوم، في مسعى لتوسيع نطاق الشراكة بين السودان والولايات المتحدة.
وسائل الاعلام السودانية لفتت إلى أن “الزيارة تعد الأولى للبحرية الأمريكية للموانئ السودانية، استشرافا لعهد جديد يتسم بتعاون عسكري وسياسي بين واشنطن والخرطوم”. مؤكدة أن “هذه الزيارة هي الأولى منذ خمسة وعشرين عاما، وتأتي تعزيزا لعلاقات البلدين في المجالات الأمنية والسياسية”.
ورفعت إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب”، رفعت اسم السودان رسميا من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد 27 عاما من وضعه على قائمتها السوداء، اذ تمثل هذه الخطوة تغيرا أساسيا في العلاقات بين البلدين نحو تعاون أكبر.
ويرى محللون أن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن شهدت تحسنا بعد إزاحة الرئيس “عمر البشير” عن السلطة في أبريل/نيسان 2019، وأنهما تسعيان إلى إقامة شراكة اقتصادية.
الاتفاقيات الروسية..
التحركات الأمريكية جاء بعد نحو شهر من الإعلان عن عزم روسيا تأسيس مركز لوجيستي تابع لبحريتها في بورتسودان، قد يصبح نواة لقاعدة عسكرية يستوعب 300 جندي ومدني و4 سفن من بينها سفن تعمل بالطاقة النووية، وفقا لاتفاق عقد منذ 3 سنوات، مدته 25 عاما، قابل للتجديد لمدة 10 سنوات أخرى.
وفي مقابل هذا الاتفاق تحصل الحكومة السودانية على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا، ويقول محللون إن “هذه الخطوة تأتي في إطار حرص موسكو على تعزير نفوذها في القارة الأفريقية التي تزخر بالثروات الطبيعية وتعد سوقا ضخمة للسلاح الروسي”.
يذكر أن السودان خلال ادراجه في قائمة ما تعتبرها الولايات المتحدة “دولا راعية للإرهاب” (1993 ـ 2020)، اتجهت الخرطوم إلى روسيا والصين لتوطيد العلاقات معهما في مجالات بينها النفط والتعاون العسكري.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2017، وخلال زيارة الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير (1989 ـ 2019) لموسكو، وقّع البلدان اتفاقيات للتعاون العسكري تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، اذ أعلن البشير حينها أنه ناقش مع الرئيس الروسي ووزير دفاعه إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، وطلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية.
أما في مايو/ أيار 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ، وتنص الاتفاقية على “السماح بدخول السفن الحربية بعد الإخطار بذلك في موعد لا يتجاوز 7 أيام عمل قبل تاريخ الدخول”.
ووفقا للاتفاقية، فإن “الغرض منها هو تطوير التعاون العسكري بين البلدين وفقا لقوانينهما ومبادئ وقواعد القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تكون روسيا والسودان طرفين فيها”، وجاء الإعلان الروسي عن الاتفاقية بعد شهر واحد من عزل قيادة الجيش السوداني للبشير، في 4 أبريل/ نيسان 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.
بدوره، أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، دعم بلاده للسودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي، وذلك خلال لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية الإفريقية بمدينة سوتشي.
قابلة للتمديد..
وتسلم السودان، في أكتوبر 2020، سفينة تدريب حربية من روسيا، ضمن التعاون العسكري بين البلدين، وفي 16 نوفمبر 2020، صدّق بوتين على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
الإعلان الروسي جاء بشكل رسمي في 9 ديسمبر/ كانون الأول، اذ نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين روسيا والسودان حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، ولا تستهدف أي طرف آخر، بحسب مقدمة الاتفاقية.
وتضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية، ويحق للجانب السوداني “استخدام منطقة الإرساء، بالاتفاق مع الجهة المختصة من الجانب الروسي”.
الاتفاقية تحدد إمكانية بقاء 4 سفن حربية كحد أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان “أسلحة وذخائر ومعدات” ضرورية لتشغيل تلك القاعدة في ميناء بورتسودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، لمدة 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية، بموافقة الطرفين.
ورغم الإعلان الروسي الرسمي، إلا أن الخرطوم التزمت الصمت، ولا سيما أنه لا يوجد اتفاق كبير حول العلاقات الخارجية بين أطراف السلطة، وهي مجلسا السيادة والوزراء وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، إضافة إلى حركات “الجبهة الثورية” الموقعة على اتفاق السلام في 3 أكتوبر الماضي.
رئيس الأركان السوداني الفريق ركن “محمد عثمان الحسين” أكد أنه “حتى الآن ليس لدينا الاتفاق الكامل مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد”. لافتاً إلى أن “السودان لن يفرط في سيادته، والاتفاق مع روسيا حول القاعدة يخضع للدراسة”.
ويملك السودان ساحل مطل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم، ويقه في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الإفريقي والخليج وشمال إفريقيا، الامر الذي يمثل أهمية لمساعي كل من واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية، في ظل رغبة البلدين في تعزيز نفوذهما بالقارة الإفريقية، التي تمثل مصدرا كبيرا للثروات الطبيعية وسوقا ضخما للسلاح.