هيئة التحرير
أكدت وزارة الري السودانية، في بيان لها أصدرته يوم الأربعاء 15 تموز/ يوليو 2020، انخفاض منسوب النيل عند محطة “الديم” على الحدود السودانية – الإثيوبية، بما يساوي 90 مليون متر مكعب يومياً، لتبلغ جملة انخفاض كميات المياه الواردة نحو ثلاث مليارات متر مكعب شهرياً. موضحة أن مرد ذلك هو انطلاق إثيوبيا في ملئ خزان السد، رافضة أي اتفاق مع دولتيّ المصب حول إجراءات الملء وتمديد فترته لسبع سنوات والاطمئنان إلى سلامة جسم السد.
ويأتي هذا البيان بعد أدلاء وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بقلي، الذي أكد بدء بلاده ملئ سد النهضة. حيث نقل التلفزيون الوطني الإثيوبي، عن بقلي قوله إن “عمليات بناء وملء سد النهضة تسير جنبا إلى جنب”. وقد أثارت هذه التصريحات بلبلة كبرى. مما دفع المتحدث باسم الخارجية المصرية الى القول إن القاهرة طلبت توضيحاً رسمياً عاجلاً من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة بدء ملء خزان سد النهضة. ونقلت وسائل إعلام مصرية أن القاهرة تبحث اللجوء لمجلس الأمن بعد إعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة. وأمام تطور الوضع، سارعت إثيوبيا بالرد على هذه المزاعم مؤكدة عدم انطلاقها في عملية الملء كما أن وزير المياه الأثيوبي تراجع عن بعض تصريحاته ووضح الغامض منها.
اتهامات ودعاية كاذبة
وعموما، فإن تراشق الاتهامات واستخدام الدعاية الكاذبة حول سد النهضة، ما تزال مستمرة بين حكومات أطراف النزاع التي تتمسك بموافقها رغم تقدم الوساطة الأفريقية. فبينما تتفاخر إثيوبيا بطموحاتها المشروعة ومشروعها “العظيم” الذي سينهض بالبلاد، التي عانت من الفقر لوقت طويل، وينعشها اقتصادياً مؤكدة على أن مشروع سد النهضة هدفه الأساسي هو التنمية، ترى مصر في هذا المشروع تهديداً لوجودها وأمنها القومي.
وشهدت جلسة مجلس الأمن بشأن هذه الأزمة، خلافات واتهامات متبادلة بين الجانبين الأثيوبي والمصري، بعد رفض مندوب إثيوبيا لدى الأمم المتحدة، إحالة ملف أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، واتهامه مصر باتخاذ خطوات أحادية الجانب، فيما رفضت مصر هذه الاتهامات وتقدمت بمشروع قرار يطالب بدعوة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان إلى التوصل لاتفاق حول سد النهضة في غضون أسبوعين.
وقال مندوب إثيوبيا في كلمته إن إثيوبيا لن تتسبب بإلحاق الضرر بمصر أو السودان: “لدينا واجب وطني بحماية شعبنا وتحقيق الرفاهية له”. فيما اتهم سامح شكري، وزير الخارجية المصري، الجانب الإثيوبي بشن حملة غير مبررة طوال مسار المفاوضات، تتضمن مزاعم أنها تسعى لإرغام أطراف أخرى على القبول باتفاقات وتفاهمات ترجع لحقبة استعمارية غابرة.
ومن جهة أخرى، كانت إثيوبيا قد تحفظت سابقاً على تدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيما بعد محاولة وساطة قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في شباط/ فبراير إلى الفشل. واتهمت أديس أبابا في حينه واشنطن بالتحيز للقاهرة. لكن أديس أبابا رحبت هذه المرة بمبادرة الاتحاد الأفريقي، مؤكدة أن “القضايا الأفريقية يجب أن تجد حلولا أفريقية”.
توترات حادة
إن أزمة مشروع سد النهضة الأثيوبي، الذي ينتظر أن يصبح أكبر منشأة لتوليد الكهرباء أفريقيا مع قدرة إنتاج بقوة ستة آلاف ميغاواط، تثير جدلا حادا منذ الانطلاق في إنجازه في 2011. حيث يشهد توترات حادة بين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر اللتين تتقاسمان معها مياه النيل من جهة مقابلة. وتخشى مصر والسودان أن يحد السد من كمية المياه التي تصل إليهما.
ويعتبر هذا السد بالنسبة لإثيوبيا، بمثابة روح جديدة لإنعاش هذا البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة يفتقد معظمهم الطاقة الكهربائية. إذ تكمن أهمية هذا المشروع في الكهرباء المتوقع توليدها منه وأهميتها من أجل الدفع بمشاريع تنموية من شأنها إحياء البلاد من جديد. في حين تخشى مصر أن يشكل السد تهديداً على تدفق مياه نهر النيل، الذي يعتبر “شريان الحياة” في البلاد التي تعتمد عليه للحصول على قرابة 90 في المائة من احتياجاتها من المياه. إضافة إلى مخاوف من آثار قد تكون مدمرة على اقتصاد مصر ومواردها المائية والغذائية.
نقاط خلافية أخرى
وتسعى اديس أبابا لملئ السد، رغم مطالبة القاهرة والخرطوم بإبرام اتفاق بشأن عمليات تشغيل السد للحول دون استنزاف النيل. إلى ذلك يقوم الاتحاد الأفريقي بدور قيادي في المحادثات لتسوية المسائل القانونية والفنية العالقة كما ناقش مجلس الأمن المسألة.
وتشير التوقعات إلى أن بحيرة السد ستستوعب نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، وتريد إثيوبيا ملء البحيرة خلال فترة تمتد بين 4-7 سنوات، فيما تريد مصر أن تمتد هذه الفترة إلى 10 سنوات على الأقل، مع الاتفاق على منظومة قانونية تحكم إدارة التدفق المائي خلال سنوات الجفاف.
واكتفى اتفاق إعلان المبادئ -الذي وقعه السيسي عام 2015 مع زعيميّ إثيوبيا والسودان- بالاتفاق على ملء خزان السد على مراحل وبصورة “تعاونية”، وهي صياغة فضفاضة لم يكن ممكنا أن تلزم إثيوبيا بما تراه مصر الآن ضروريا لها بل حقاً مكتسباً منذ عشرات السنين. وعلى الرغم من وجود نقاط خلافية أخرى، فإن نقطة المدة الزمنية لملئ خزان السد كانت محل الخلاف الأبرز.