انتهت الجولة الاخيرة من مفاوضات سد النهضة، والتي وصفتها القاهرة بـ الفرصة الأخيرة، من دون التوصل لاتفاق، وذلك بسبب تعنت أثيوبيا بحسب الاتهامات التي وجهتها القاهرة والخرطوم لأديس أبابا، فيما ادعت الأخيرة أن البلدين طرحا بنودا خارج الأجندة التفاوضية.
المفاوضات التي عقدت كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، كان قد تم تمديدها يوما إضافيا بناء على مساعي الدولة المضيفة جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، كما أنها وجهت دعوة للوفود من أجل العودة للتفاوض بعد شهر لكن لم يعلن حتى الآن عن موعد لاستئناف التفاوض.
تصعيد مصري
الجانب المصري أوضح ، بحسب بيان الخارجية المصرية أن جولة المحادثات في كينشاسا انتهت بدون تحقيق تقدم، وبدون أن تفضي إلى اتفاق بشأن إعادة إطلاق المفاوضات، في إشارة إلى إخفاق دعوة كينشاسا، حتى حينه، بشأن عودة المفاوضات.
وجاء في البيان المصري أن وفد القاهرة “شارك بنية استئناف المفاوضات؛ لكن إثيوبيا تعنتت ورفضت العودة، مما يثبت غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وسعيها للتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية” مشددا على أن إثيوبيا رفضت كل المقترحات والبدائل التي طرحتها مصر وأيدها السودان لدفع التفاوض، كما رفضت مقترح السودان الذي أيدته القاهرة لتشكيل رباعية للوساطة.
البيان المصري أتبعه اليوم الاربعاء وزير الخارجية المصري، “سامح شكري”، الذي وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، برفقة الوفد السوداني، أتبعه بتصريح أكثر حدة إذ أكد أن “مصر ستتخذ ما تراه ملائما في الفترة المقبلة لحماية الأمن القومي المائي، ولمنع وقوع ضرر على حصة مصر في المياه”.
وكان سامح شكري قد قال في تصريحات أعقبت انتهاء المفاوضات إن “كل ما تم تداوله من أطروحات مختلفة بشأن أزمة سد النهضة، كانت دائما تجد رفضا من الجانب الإثيوبي، وصل إلى درجة التنصل من الإجراءات التي نشأت على أساسها المفاوضات منذ البداية”، كما أكد أن “مصر ستتخذ ما تراه ملائما في الفترة المقبلة لحماية الأمن القومي المائي، ولمنع وقوع ضرر على حصة مصر في المياه”.
الوزير شكري وصف أي حديث عن الملء الثاني لسد النهضة بشكل أحادي أو تشغيل السد بـ “التصرف غير المسؤول”. مشددا على أن “ملء سد النهضة بشكل أحادي ينبأ بتطورات خطيرة تهدد المنطقة والسلم والأمن الدولي، ومصر والسودان لن تسمحا بوقوع أي ضرر عليهما”.
في السياق نفسه أفادت تقارير إعلامية بأن شكري يخطط لإجراء محادثات مع الطرف السوداني في الخرطوم، بعد فشل المفاوضات نتيجة الموقف الإثيوبي المتعنت، ورفضه العديد من المقترحات التي قدمها الجانبان المصري والسوداني خلال المحادثات.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقال خلال مشاركته في اجتماع عبر الفيديو نظمه بنك التنمية الأفريقي إن أزمة الشح المائي تتزايد بشكل يهدد مستقبل الشعوب، لا سيما في ظل “إصرار بعض الأطراف على إقامة مشروعات عملاقة لاستغلال الأنهار الدولية بشكل غير مدروس، ودون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية الدولية”.
يشار أن الرئيس المصري كان قد قال إن أحدا لا يستطيع المساس بحق مصر في مياة النيل، محذرا من أن المساس بها “خط أحمر” وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها.
وأضاف السيسي في تصريحاته على هامش زيارته لقناة السويس: “لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا”.
تحرك سوداني..
من جهتها قالت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، في تصريحات أعقبت المفاوضات “جئنا بحثا عن منهج جديد للتفاوض، والتعبئة الثانية لسد النهضة تشكل تهديدا لنا” مشيرة إلى أن الموقف الإثيوبي بفرض سياسة الأمر الواقع يخرق القانون الدولي وأنه يجب وضع مصلحة 250 مليون نسمة يعيشون في الدول الثلاث في الاعتبار، فيما طالب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بأن يكون لبلاده دور في تشغيل وإدارة سد النهضة، لأنه يؤثر على أمن السودان، حسب وصفه.
بدورها، قالت وزارة الري السودانية في بيان إن المباحثات لم تحرز تقدما بسبب التعنت الإثيوبي، معتبرة أن هذا التعنت يحتم التفكير بكل الخيارات الممكنة لحماية حقوق السودان بما يكفله القانون الدولي، حسب تعبيرها.
كما قالت الوزارة “أكدنا خلال الاجتماع على خطورة الإجراءات الأحادية لما ستلحقه من أضرار فادحة بالسودان”، مشيرة إلى أن إثيوبيا رفضت كل الخيارات البديلة بشأن منح دور للوساطة الرباعية لتسهيل التفاوض، وأنها أصرت على التفاوض بنفس النهج القديم الذي اعتمدته منذ يونيو/حزيران 2020 بدون جدوى.
السودان وفي خطوة وصفت بأنها رد على التعنت الاثيوبي بشأن سد النهضة، أعلنت وزيرة الخارجية السودانية عن تقديم حكومة بلادها طلباً للأمم المتحدة بإخراج الجنود الإثيوبيين من البعثة الأممية “الينسفا”، النتشرة في منطقة أبيي السودانية واستبدالهم بجنود من جنسية أخرى، مضيفةً: “ليس من المعقول أن تكون هناك قوات إثيوبية في العمق الاستراتيجي السوداني في وقت تحشد فيه القوات الإثيوبية على حدود السودان الشرقية”.
وتأتي تصريحات الوزيرة السودانية بعد ساعات من فشل مفاوضات كينشاسا الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، الذي ترى فيه كلا من مصر والسودان تهديداً لأمنهما المائي.
كما أشارت إلى أن إثيوبيا تمتلك الكثير من المصالح في السودان والتي لابد أن تعمل على المحافظة عليها، مشددةً في الوقت ذاته على عدم المساس باللاجئين الإثيوبيين في السودان الذين سيجدون الترحاب والمعاملة الكريمة دائما، على حد قولها.
يذكر أن وزيرة الخارجية السودانية، “مريم الصادق”، كشفت في وقتٍ سابق، عن كارثة تسبب بها بدء عمليات ملء سد النهضة الإثيوبية دون اتفاق، لافتةً إلى أن تلك الكارثة تمثلت بما يقارب أسبوع من العطش وقلة المياه للري واحتياجات الثروة الحيوانية والمنازل والصناعة وخاصة في العاصمة الخرطوم، خاصة وأن عملية الملء تزامنت مع الوقت المناسب مع سد الروصيرص السوداني.
الوزيرة السودانية لفتت إلى أن الحكومة الإثيوبية تتجه لتكرار تلك الخطوة مرة ثانية دون الوصول إلى اتفاق مع الدول المعنية، في إشارة إلى كل من السودان ومصر، مشددةً على أن بلادها أطلعت الجانب الإثيوبي على جملة الأضرار الخطيرة لتلك الخطوة.
برود دولي
في سياق متصل دخلت واشنطن على الخط إذ كشفت الخارجية الأمريكية أن وفدا أمريكيا سافر إلى المنطقة للتواصل مع عدد من الشركاء بشأن القضايا المتعلقة بسد النهضة، مضيفة أن الوفد شدد على “نهج واشنطن الحيادي” تجاه الملف.
وقالت الخارجية الأميركية إن واشنطن تواصل دعم الجهود التعاونية والبناءة من جانب إثيوبيا ومصر والسودان للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، مشيرة إلى أن الوفد استمع لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الرئاسة الكونغولية للاتحاد الأفريقي، بشأن أفضل السبل التي يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يدعما بها الجهود لإيجاد سبيل لتحقيق التقدم.
وفي مؤتمر صحفي عقده ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، دعا الأطراف إلى مواصلة التعاون والتوصل لحل وسط لتسوية الملف.
وفي معرض حديثه للصحفيين عن موقف الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، من مفاوضات كينشاسا، تابع المتحدث قائلا “نحن من جانبنا مستمرون في حث الأطراف على مواصلة بذل الجهد لاتخاذ خطوات ملموسة للتوصل إلى اتفاق”.
وأضاف دوجاريك أن مبادرة تشيسيكيدي بعقد المفاوضات أمر مرحب به، مع إعادة تأكيد المنظمة الدولية على جاهزيتها لدعم هذه الجهود بالشكل، الذي ترتضيه الأطراف.