أكثر من ثماني سنوات تنقضي على بدء أزمة سد النهضة الإثيوبي، الذي مثلت كل من مصر والسودان وإثيوبيا أطراف الخلاف فيه؛ حول حقوق كل منها من مياه نهر النيل، حيث تصدر خلال السنوات تلك تذبذب المواقف ونقاط التحول في التصريحات، مشهد المفاوضات، التي انطلقت بمبادرات إفريقية تارة ودولية تارةً أخرى، لكن دون ان تحقق أي تقدمٍ على المستوى الواقعي الملموس، تحديداً تلك التي جرت في الولايات المتحدة، والتي رأى فيها مراقبون، مؤشراً على عدم جدية الجانب الإثيوبي للتوصل إلى اتفاق يرضي كافة الأطراف، وإصراره على ملء السد بغض النظر عن ما سيلحقه بجيرانه.
الموقف الإثيوبي المتصلب لم يبق طويلاً حبيس التوقعات والتحليلات، وإنما حملت الأيام القليلة الماضية اعترافاً صريحاً من الحكومة الإثيوبية بنواياها تجاه السد، حيث صرح وزير الدولة الإثيوبي للشؤون المالية “أيوب تيكالين”، الخميس الماضي، ان حكومة بلاده ماضية في استكمال بناء وملء السد، على الرغم من توصل الأطراف المعنية، مصر والسودان وإثيوبيا، برعاية أمريكية، إلى مبادئ اتفاق يمنع إثيوبيا من اتخاذ مثل تلك الإجراءات أحادية الجانب.
الإصرار الإثيوبي حول قضية السد، ورغبة الحكومة بتجاهل ما تم التفاوض عليه في واشنطن، لم تقتصر على التصريحات فحسب، وإنما امتدت إلى إبلاغها نظيرتها السودانية عبر القنوات الدبلوماسية، عن نيتها بدء عمليات ملء سد النهضة في حزيران المقبل قبل الوصول إلى اتفاق ثلاثي بين الدول المتأثرة به، وذلك وفقاً لما كشفته وسائل إعلامية سودانية، في خطوة قد تدفع كل من القاهرة والخرطوم إلى اتخاذ رد فعل على أرض الواقع، ربما يزيد من حالة التوتر في المنطقة، لا سيما وأن مصر كانت قد لوحت قبل سنوات بإمكانية استخدام الحل العسكري لمنع إقامة ذلك السد.
وبالرغم من أن الجانب المصري، لم يبلغ حتى الآن بأي نوايا إثيوبية حول السد، إلا أن وسائل الإعلام السودانية ونقلاً عن مصادر وصفتها بـ “الخاصة”، رجحت أن ترسل حكومة إثيوبيا رسائل إلى كل من مصر ووزراة الخزانة الأمريكية والبنك الدولية، تكشف خلالها خطتها للشروع بالعمل في السد وملئه بالمياه، كآخر الخطوات الدبلوماسية المتعلقة بالأزمة، متوقعةً أن تعلن القاهرة عن موقفها من ذلك، لحظة تسلمها للخطاب.
على الجانب السوادني، كان من الواضح أن الحكومة الانتقالية برئاسة “عبد الله حمدوك” بدأت الاستعداد لمرحل ما بعد الخطوات الإثيوبية، من خلال دراسة الرسالة الإثيوبية الواصلة لها، من خلال عدة اجتماعات عقدتها خلال الأسبوع الماضي، لمناقشة الأمر في طاولة مجلس الوزراء، إلى جانب ما كشفت عنه مصادر سودانية مطلعة عن اجتماع خاص حضره كل من رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” ووزير الري والموارد المائية “ياسر عباس” ومدير جهاز الأمن والمخابرات العامة”جمال عبد المجيد”، في إشارةٍ إلى أن أديس أبابا أكثر جدية هذه المرة في سد الباب أمام استئناف المفاوضات والبحث عن حل سلمي توافقي للأزمة.
أهم ما كان في الموقف السوداني المعلن حتى الآن، تأكيد وزير الدولة بالخارجية السودانية “عمر قمر الدين” رفض بلاده لسياسات الاستقطاب لصالح أياً من طرفي الأزمة الآخرين، سواء إثيوبيا أو مصر، إلا أنه استدرك بعدها، مشيراً إلى أن الخرطوم ستبقى ملتزمة بواجباتها تجاه ضمان حصة مصر من مياه النيل، وأمنها المائي، في أكثر موقف سوادني متقارب مع الموقف المصري منذ إقرار مرجعية مسار واشنطن بشأن آلية بناء سد النهضة.
من جهة أخرى، فإن تصريحات الوزير السوداني اكتسبت أهمية متزايدة من خلال إشارته إلى أن بلاده لن تكون حيادية في تطورات الملف المائي، مؤكداً أن السودان شريك في إدارة السد وموقف بلاده نابع من الأساس من ما توصل إليه المختصون، نافياً أن يكون هناك انقسام في الموقف الرسمي للحكومة من سد النهضة.
في غضون ذلك، أرجع الكاتب “بلال المصري” في مقالٍ له على موقع الراي اليوم، الإخفاق الأمريكي في إيجاد صيغة حل، إلى عدة أسباب مختلفة أهمها أن الأطراف الثلاث المُتفاوضة علاقاتها الثنائية مُؤسسة علي سلسلة سابقة من العدائيات والمواجهات ما أدي إلي تناقص الحدود الدنيا من الثقة المُتبادلة من ما لا يمكن معه التوصل إلي حل لأزماتها المختلفة في ظل تلك العلاقات غير مُتوازنة، على الرغم من تغير الحكومات بشكل كامل في كل منها ووصول قيادات جديدة إلى الحكم.
كما أضاف “المصري”: “إن نجحت إثيوبيا في فرض أرادتها بملأ بحيرة سد النهضة بنحو 74 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق في مدة ما بين 3 إلي 5 سنوات فإنها تكون قد ألغت نظام المُحاصصة المائية بين مصر والسودان الوارد بإتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 وبها نص أشار إلى أن لكل منهما نصيبهما من صافي إيراد النيل بعد تشغيل السد العالي الكامل مقداره 18,5 مليار م م للسودان و55,5 مليار م م لمصر”، لافتاً إلى أنها الاتفاقية التي لا تعترف بها إثيوبيا.
وكانت الكثير من الدول الإقليمية والمنظمات الدولية قد حاولت خلال السنوات الماضية، عرض وساطة بين الدول المتنازعة في قضية السد، من بينها جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب إجراء وزير الخارجية المصري “سامح شكري” جولة مكوكية على عدد من الدول العربية والإفريقية والغربية، خلال الأشهر الماضية، لبحث سبل التوصل إلى حل للأزمة العالقة، إلا أن المفاوضات بقيت مجمدة في مكانها.