دخلت حرب المياه في منطقة حوض النيل وشمال افريقيا منعطفاً جديداً، في ظل غياب التعاون بشأن المياه ورفض كل خياراتِ الحلول المطروحة، إذ أثار إعلان دولة جنوب السودان عن استعدادها لإنشاء سد كبير على النيل استياء وغضب الكثير من المصريين على مواقع التواصل في إشارة صريحة إلى أن “الهيبة المصرية أصبحت على المحك”.
نائب وزير خارجية دولة جنوب السودان “دينق داو دينق” قال إن “بلاده تسعى إلى بناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير الكهرباء ومنع الفيضانات المدمّرة”. مؤكداً أن “استخدام موارد مياه نهر النيل حق سيادي لبلاده، ووزارة الري أصدرت تعليمات ببدء إجراء دراسات لبناء السد”.
سد جديد..
“دينق” قال “بلادنا تعاني من الفيضانات ونقص الكهرباء وندرة المياه وضعف البنية التحتية، والمشروع جزء من خطة الحكومة، وسيتم تمويله من عائدات النفط”. موضحاً أنه “سنأخذ في الاعتبار، عند بناء السد، الأثر البيئي والعامل الهيدرولوجي الخاص بالمياه الجوفية واستدامة ذلك، والأضرار والمشكلات المتوقعة”.
ويقع المشروع على نهر سيوي، أحد فروع نهر الجور الرئيسي بحوض بحر الغزال، على مسافة 9 كيلومترات جنوب مدينة “واو” في جنوب السودان، ويهدف إلى توليد 10.40 ميغاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لنحو 500 ألف نسمة، والاستفادة من المياه في الري التكميلي لنحو 30 – 40 ألف فدان.
“جنوب السودان” تقع إلى الغرب من إثيوبيا ويحدها من الشمال السودان، ويتدفق النيل الأبيض عبر البلاد، وهو أحد الروافد الرئيسية التي تغذي نهر النيل، الذي يلتقي ويمتزج بالقرب من الخرطوم بالنيل الأزرق الذي يتدفق من المرتفعات الإثيوبية.
وحول تمويل السد، أوضح “دينق” “أنه “من الممكن الحصول على استثمارات أجنبية من الصين، وعائدات النفط تمنح بلادنا المال لبناء السد، ولدينا موارد وطنية هائلة، كالمعادن والغابات والزراعة والثروة الحيوانية والموارد البشرية.. لدينا المال”.
بين السودان ومصر..
وعن إمكانية وقوع صدامات كالتي تسببها “سد النهضة” بين دولتي المصب مصر والسودان، واثيوبيا، أكد نائب وزير الخارجية السوداني أن “استخدام موارد المياه من حقنا السيادي، ولا ينبغي أن تكون مياه النيل لعنة، بل سلعة سلمية وهبها الله للمنطقة، نشجع مصر والسودان وإثيوبيا على المناقشة وإجراء حوار أفضل للوصول إلى حلول مقبولة، واستيعاب مخاوف السودان ومخاوف مصر”. لافتاً إلى أن “أي مصدر للمياه يمكن أن يسبب مشكلة لمعظم البلدان لكننا لا نشجع على الحل العسكري للأزمة – لأنه لا ينبغي أن يكون هذا هو الحل”.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الري السودانية “أسامة أبوشنب”: “هذه أول مرة أسمع فيها عن هذا السد، ولم أتلق أي معلومات عن خطط لبناء سدود في جنوب السودان، وكانوا سيبلغوننا إذا كانت لديهم مثل هذه الخطط”. مؤكداً أن “جنوب السودان لن ينفذ خططًا لبناء سدود على النيل الأبيض دون إخطارنا نحن والمصريين”.
وأعلن رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الموارد المائية والري المصرية “ممدوح عنتر” عن موقف القاهرة من اعتزام دولة جنوب السودان بناء سد على نهر النيل منذ 10 سنوات، مؤكداً أن “الوزارة أجرت مجموعة من الدراسات الفنية المطلوبة للمشروع، بالاستعانة بمتخصصين في هذا الأمر، وهذا الأمر يؤكد أن مصر ليست ضد أي تنمية وعلاقة مصر بجنوب السودان طويلة وتدعم كافة مشروعات التنمية في جنوب السودان”.
كما أوضح المسؤول المصري “عنتر” أن “مصر أعدت دراسات خاصة بمشروع سد واو في جنوب السودان، وجرى تسليمها للمسؤولين”، مشيراً إلى أنه “جرى توقيع تعاون فني بين القاهرة وجوبا (عاصمة دولة جنوب السودان) تضمن مشروع إعداد دراسات جدوى إنشاء سد واو متعدد الأغراض، وتم إعداد الدراسات الفنية والاقتصادية المتكاملة للمشروع بالاستعانة بخبراء المركز القومي لبحوث المياه في مصر لإعداد الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية والأعمال المساحية والخرائط الكنتورية لموقع السد وبحيرة التخزين”.
وشدد رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الري على أن سد واو بدولة جنوب السودان لن يؤثر على الحصة المائية التي تخص مصر، كما أنه لم يتم البدء في تنفيذ السد على أرض الواقع حتى الآن”، لافتاً إلى أن “السد سيكون له تأثير على مشروعات التنمية وسيكون سبب رئيسي في الارتقاء بمستوى المعيشة للأشقاء في دولة جنوب السودان”.
مخاطر بناء السد..
تتفاوت التصريحات حول مخاطر إنشاء جنوب السودان سدا كبيرا على المورد الدائم من نهر النيل على دولتي المصب، اذ أكد “عباس شراقي “استاذ الجيولوجيا ومصادر المياه في جامعة القاهرة، أن “مصر لا تمانع التنمية في أي دولة من حوض النيل شرط عدم الضرر والاخطار المسبق ودراسة المشروع للتأكد من الانتفاع وعدم الضرر”، مشيرا إلى أن “هذا ما فعلته أوغندا عام 1953 عند انشاء سد أوين، وبالفعل وقعنا اتفاقية بعد التأكد من عدم الضرر ويوجد مهندسين مصريين حتى اليوم للتنسيق”.
إلى جانب ذلك، أوضح “شراقي” أن “جنوب السودان دولة مطرية ولا تستهلك من مياه النيل، وإلا كانت طلبت حصتها من الـ 18.5 مليار متر مكعب نصيب السودان قبل الانفصال، والزراعة هناك مطرية، والأمطار معظم شهور السنة وكمياتها أكثر من الأمطار التي تسقط على منطقة حوض النيل في اثيوبيا”، مؤكداً أن مصر “لا تستفيد منها في نهر النيل بمتر مكعب واحد بل أن مياه بحيرة فيكتوريا يفقد ثلثها (حوالى 8 الى 10 مليار متر مكعب) فى جنوب السودان بسبب عدم وجود نهر عميق للاحتفاظ بالمياه داخله”.
ولفت إلى أن “المنطقة الوحيدة التي يمكن عمل فيها سد كبير على نهر النيل في جنوب السودان هي جنوب جوبا، واذا تقدمت جنوب السودان باقتراحها لمصر يمكن تحديد الخصائص وتقيم أثر السد ويمكن تنفيذه بعد التأكد من عدم الضرر ومعه نكمل أيضا قناة جونجلى، والسد في هذه المنطقة يمكن أن يوفر جزء من المياه التي تفقد في منطقة المستنقعات تستفيد منه جنوب السودان في توليد الكهرباء ومصر في زيادة الحصة المائية.”
الأستاذ الجامعي “شراقي” أوضح أن “معظم المشروعات المائية فى جنوب السودان يمكن أن تزيد حصة مصر المائية، وهذه الفترة تمتلك مصر العديد من أدوات الحفر والتكريك ومن الممكن إقامة المشروعات المائية في جنوب السودان منها تكملة قناة جونجلى، وباقي المشروعات التي يمكن أن توفر حوالى 20 مليار متر مكعب، ويجب أن ننتهز هذه الامكانات ونبدأ في مشروعات جنوب السودان وتطوير النيل الأبيض والرهد ودندرة فى السودان لحماية إخواننا من الفيضانات وللاستفادة من مياه النيل”.
وتضرب الأمطار الموسمية ولايات جنوب السودان العشر لمدة 7 أشهر على الأقل من العام، وترسل شلالات هائلة من المياه إلى النيل الأبيض، ولكنها تسببت أيضًا في حدوث فيضانات.
يذكر أن إعلان جنوب السودان جاء بعد يوم واحد من نهاية زيارة وزير الري المصري محمد عبد العاطي لجوبا، التي استمرت من 21 وحتى 25 حزيران/ يونيو 2021، التقى خلالها رئيس جنوب السودان سلفا كير، للتباحث حول أزمة مياه النيل، ومشروعات المياه والري والكهرباء بجوبا.
ووقع الوزير المصري مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروعا للحد من مخاطر الفيضان بحوض بحر الجبل، وبحث دعم مصر لتطوير قطاعي الموارد المائية والزراعة، وتوفير إمدادات مياه الشرب للأهالي والثروة الحيوانية.