إعداد وحدة الرصد والمتابعة في مرصد مينا
عمدت الفصائل الإسلامية في سوريا منذ ظهورها إلى فرض الأحكام والشرائع في المناطق التي تسيطر عليها، وفقاً لما تتبناه تلك الجماعات من فكر وعقيدة وسياسات شرعيّة، عبر أجهزتها القضائيّة والأمنيّة، وكذلك سيطرة جهاز (الحسبة) على مختلف مسمياته التي تنوّعت من فصيل إلى فصيل آخر، ومن جماعة إلى أخرى، وقدّمت نفسها إلى الأهالي بوصفها رقيباً شرعياً على حياتهم، يرشدهم إلى الطريق (الصحيح)، كانت أبرزها جماعة (سواعد الخير) الذراع الشرعي لـ(هيئة تحرير الشام) في إدلب وريفها.
نشوء الجماعة وبنيتها التنظيميّة
عقب سيطرة فصائل المعارضة على مدينة إدلب آذار 2015، شكّلت غرفة عمليات (جيش الفتح) مكتب الدعوة والإرشاد التابع للهيئة العامة للدعوة والإرشاد المنضوية في غرفة عمليّات جيش الفتح، المشكّل آنذاك من فصائل عدة أبرزها (حركة أحرار الشام) و(جبهة النصرة) وبدأ نشاطها الدّعوي ينتشر في المدينة من خلال رسم العبارات الدعوية على الجدران وتنظيم الملتقيات وتوزيع الكتيّبات على الناس، بحسب ما يشير (أحمد الشامي) أحد ناشطي مدينة إدلب في حديث لـ(مينا)، موضحاً أنّها في بداية عملها ونشاطها لم تكن تتعرض لحياة الأهالي وتتدخل في شؤونهم، ومع توسع القبضة الأمنية للفصائل تطوّر نشاط الجهاز الدعوي وأطلقت شرطة نسائية تلاحق السيّدات في الأسواق والمحال التجاريّة، وتسيّر دوريات تدعو الناس إلى الالتزام بالأحكام الشرعيّة وتتدخل في نشاطهم التجاري وحياتهم الشخصيّة، أحدثت في إثرها خلافات ومشكلات عدّة بين الأهالي وجهاز (الحسبة) أفضت إلى حل الشرطة النسائية وتحجيم نشاطها، وأضاف محدثنا: (بعد تفرد هيئة تحرير الشام في السيطرة على المدينة، وطرد أحرار الشام من المدينة إثر اقتتال الفصيلين الأخير، ظهرت في بداية الأمر منظمة (سواعد الخير) بوصفها منظمة دعويّة خيريّة مستقلة تدعو (الناس إلى الصلاح وتقوم لهم أمور دينهم)، يقتصر نشاطها على الملتقيات الدعويّة وبعض الدروس الدينية في المساجد وبعض المكاتب الدعوية الإرشاديّة)، واستطرد حديثه: (توسّع نشاط الجماعة وانتقل نشاطها إلى الأسواق والأماكن العامة وباتت تحظى بدعم مادّي وبشري من كوادر وشرعيين، إضافة إلى افتتاح مكاتب فرعيّة، وأخرى في مدينتي سرمدا والدانا في ريف إدلب الشمالي).
يقوم نشاط الجماعة، بحسب ما أفادت مصادر محليّة لـ(مينا) على دوريّات متنقّلة نسائيّة وأخرى للرجال أو ما يُطلق عليهم (المحتسبين)، ويحظى كل فرع منهم بمقر أو مركز ليكون منطلقاً لنشاطهم وأعمالهم، ولكل فرع سجن خاص به، يجري فيه توقيف المخالفين للأحكام والقوانين الصادرة عن الجماعة، إضافة إلى مكاتب للقضاء ولتلقي الشكاوى، وتضم في صفوفها شرعيين من مختلف الجنسيّات العربيّة والأجنبيّة.
إطلاق مشروع (إدلب الخير)
مع توسّع عمل الجماعة ونشاطها الدعوي وازدياد سطوة (تحرير الشام) في محافظة إدلب، باتت (سواعد الخير) تحظى بتغطيّة أمنيّة كبيرة من الفصيل، وتعمل بتنسيق عال مع أمنييه، حتى باتت هي من تعلن العمليات الأمنيّة في إدلب، وتقف في كواليس كل عملية أمنيّة كما يُشير (الشامي)، لتجمَع الجماعة بين العملين الأمني والشرعي ما زاد من تسّلطها وتضييقها على الناس، فسارعت في الذكرى الثالثة إلى تحرير مدينة إدلب من سيطرة قوّات النظام، أصدر (مركز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مدينة إدلب التابع لـ (سواعد الخير) بياناً أعلن فيه مشروع ما يُسمّى (إدلب الخير) الذي خطّ بداية مشروع الجماعة التسلّطي على الأهالي وشرعنة بقائها في وضع (نظام وقانون شرعي يُلزم النّاس به) بحسب ما جاء في البيان، رادين ذلك إلى أنّ هذه المفهومات غابت عن المجتمعات بسبب الاستعمار ثم الأنظمة الطاغوتيّة التي حاربت الدّين، بهذا صار مشروع (إدلب الخير) وغرفة عمليّاته المشروع الأساس الذي تقوم عليه الجماعة ومنطلقاً فكريّاً لجل عملياتها وممارساتها على الأهالي.
قانون (الآداب العامة)
وضعت (سواعد الخير) بعد إعلان مشروعها (إدلب الخير) قانوناً ونظاماً شرعيّاً أطلقت عليه (قانون الآداب العامة) متضمناً ما يقارب 35 تعميماً يتدخل في مختلف شؤون الفرد من لباس وحلاقة الشعر إلى حريّاته الشخصيّة من سماع الأغاني والاحتفال بالأعياد (غير المشروعة) والرقص والاختلاط، وتضمنّ تعميمات خاصة بالسيّدات تمنعهن من التبرج، ويحدد مواصفات مخصصة للباس الشرعيّ، بحيث يكون ساتراً للبدن وفضفاضاً، وخالياً من الزينة ويلزم الطالبات بلبس الخمار الشرعيّ، ويحظر عليهنّ وضع العطر والمكياج، أما المحال التجاريّة والبسطات، فقد ألزم القانون الجديد إغلاق المحال قبل الأذان الثاني لصلاة الجمعة، وتغطية رؤوس المجسمات ومنع الرجال من بيع النساء، إضافة إلى إغلاق المحال المخصصة لبيع الدخان والنراجيل والمجاهرة ببيعها.
لاقى هذا القانون الصادر عن (سواعد الخير) استهجاناً وغضباً من الأهالي، معتبرين أنّ هذا القانون يُعّمم لمجتمع إسلامي ملتزم يضع اعتبارات لهذه الحدود الشرعية والإرشادات حتى من قبل أن تفرضها أي سلطة أو جهة عسكريّة، وراح بعضهم إلى أنّها مثيرة للاستفزاز، إذ قال (أسعد) من سكّان المدينة لـ(مينا): (فرض التديّن بهذه الطريقة ينفّر الناس ويحدث ردة فعل سلبيّة تجاهه، وهذه التعاليم جلها معلومة من الدين بالضرورة وهي مألوفة لدى النّاس ولا داعي لتعميها بهذه الطريقة، ومنها يدخل في إطارات الحريات الشخصيّة وهي ما تتنافى مع ثورتنا في الحرية والكرامة ونبذ التسلّط)، أما (حُسام) تحدّث: (هذه الممارسات تدعو إلى السخرية في الوقت الذي تعيشه فيه المنطقة فوضى أمنيّة، وعمليات خطف وقتل وسرقات، ثم إنّ حياة المدنيين باتت في خطر، وهذه الجماعات تنصرف إلى التدخل في شؤون الأهالي ومقدراتهم ومعيشتهم وتلزمهم بها من دون أن توفر لهم شئياً من الأمان).
إطلاق غرفة عمليات إدلب
اتّجهت (سواعد الخير) بعد إصدار (قانون الآداب العامة) إلى تطبيقه بالتعاون والتنسيق مع المجموعات الأمنيّة في مدينة إدلب مشكلةً غرفة عمليّات إدلب الخير، تعمل هذه الغرفة على الجمع بين النشاط الدعوي والعمل الأمني والتنسيق مع الجهاز القضائي في (تحرير الشام) وقوة تنفيذية تابعة للفصيل أيضاً، إذ حملت اسم (حملة نصرة الشريعة) كانت بدايتها في شهر رمضان الفائت، على الرغم من السخط الشعبي والرفض التّام لهذا النوع من الأحكام.
ممارساتها على الأهالي
بعد البدء بتطبيق قانون الآداب العامة، شهدت الأماكن العامة دوريّات مكثّفة في المقاهي والمطاعم والأسواق وكذلك محال بيع الدخان والتبغ والنراجيل، إذ صودرت كميّات محدودة من الدوريات التابعة لها كما جرى في مدينة (الدانا) في ريف إدلب وفقاً لما أفادت مصادر محليّة من المدينة لـ (مينا)، وجرى الفصل في المطاعم العائلية بين الرجال والنساء والتدقيق على اللباس الشرعي والتبرج، ولم تتوقف عند هذا الحدّ إذ أقدمت مجموعة أمنيّة تابعة لـ(سواعد الخير) على توقيف رئيس جامعة إيبلا الخاصة الواقعة شرق سراقب الدكتور (سامر قبّاع) على خلفية نشر مقطع مصور لحفل تخرج في الجامعة يظهر فيه غناء ورقص من بعض الطلبة، وأغلقت الجامعة، ثم أطلق سراحه بعد يوم كامل.
تضييق الخناق على السيدات
باتت السيدات محط ملاحقة دائمة من قبل من يُعرفن بـ(الدّاعيات) ضمن جماعة سواعد الخير، ونظراً إلى خصوصيتهنّ الاجتماعيّة يعملن بحريّة كاملة، ما زاد الخناق على النساء والفتيات وجعلهنّ عرضة للمضايقة من الدوريّات النسائية، وصارت السيدات يحسبن ألف حساب للتنقل ضمن شوارع المدينة وبخاصة بمفردهنّ، الأمر الذي ترويه (فاطمة) طالبة في جامعة إدلب، وتشير خلال حديث لـ(مينا) إلى أنّ هذه الممارسات باتت مصدراً خوف كثير من الطالبات، في إثر تسجيل تجاوزات عدة من قبل الداعيات أولها حادثة مدرسة (العروبة) في مدينة إدلب، إذ طرد عدد من الطالبات من المدرسة بحجة عدم موافقة لباسهن للرداء الشرعي، وأقدمت إحدى الداعيات على ضرب رئيسة دائرة الامتحانات في كلية الآداب في جامعة إدلب ونقلت في إثرها إلى المستشفى من دون وجود أي قوة رادعة لهذه الأعمال.
فهل سواعد الخير التابعة لهيئة تحرير الشام؛ هي نشاط لترغيب الناس في الإسلام؟ أم لتنفيرهم منه؟.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.