الحرب، والفساد الحكومي، وسوء الإدارة، عوامل تشابكت في تأزيم الحال السوري، ليأتي وباء الكورونا ويضاف إلى المشاكل المتراكمة، أقلّه في الجانب النفسي الذي يعيشه سكّان سوريا، وهو وباء مازالت المؤسسات الحكومية تقلل من حضوره، دون تقديم أيّة دراسات يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بالإصابات، من حيث حجمها ومواطنها، وقد يبقى الحال على هذا المنوال حيث الإنكار هي السياسة المتبعة في مواجهة أي ازمة تواجهها البلاد، لتأتي الإجراءات الحكومية الداعية الى التزام السكان بيوتهم، وتضع المواطن أمام واحد من احتمالين:
ـ إما التعرض للإصابة بالفايروس فيما لو اتسع انتشاره في البلاد.
أو الموت جوعًا، ولابد أن المتابعين للوضع السوري شاهدوا ذاك المشهد بالغ المأساوية ومجموعات كبيرة من الناس يطاردون سيارة محملة بالخبز للحصوبل على الرغيف وسط أزمات طالت الأفران حتى تجاوز سعر ربطة الخبز في سوريا مبلغ 600 ليرة سورية، وهو مبلغ فلكي بالقياس مع المداخيل السورية التي تعتبر واحدة من أدنى المداخيل في العالم، فيما أسعار السلع ترتفع بمتواليات واسعة جعلت الحياة مستحيلة لدى عموم الشعب السوري.
وهو ما يمكن مطالعته من خلال تقديرات مسح الأمن الغذائي، الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الغذاء العالمي عام 2017، والذي ورد فيه أن 31% من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين صُنّف نصف السكان تقريباً، أي ما نسبته 45.6%، ضمن الطبقة الهشّة المعرّض أفرادها لانعدام أمنهم الغذائي. وكان 23.4% فقط من السكان آمنين غذائياً. إلّا أن برنامج الغذاء العالمي أعاد تحديث بياناته في أيلول الماضي، مؤكداً أن نحو 6.5 ملايين سوري غير آمنين غذائياً، لأسباب عدة؛ أبرزها:
ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي شهدت بفعل انخفاض سعر الصرف ارتفاعاً جديداً بين أيلول وكانون الثاني الماضيين بلغت نسبته نحو 60%، وفقاً لدراسة أجراها الباحثان زكي محشي وريم تركماني، ما يعني أن عدد السوريين غير الآمنين غذائياً مستمرّ بالارتفاع وبشكل حاد. وتضيف الدراسة التي اطّلعت «الأخبار» على أبرز نتائجها، أنه منذ نهاية عام 2017 حتى كانون الثاني 2020، ارتفع متوسط أسعار السلع 215%، وتالياً يمكن الاستنتاج أن عدداً أكبر من السوريين دخل دائرة الفقر. أما من كان في هذه الدائرة، فإن الارتفاع الحاد للأسعار عمّق فقره.
والحال كذلك كيف سيتاح للمواطن السوري الالتزام بالحجر الصحي، إذا لم يكن لهذا الالتزام دعمًا حكوميًا ولو بالحدود الدنيا التي تضمن لقمة العيش، فقط لقمة العيش، وهو أمر ربما يعبر عنه السيد “غطفان ي”، السائق على خط مكرو دويلعة ـ باب توما، وهو يقول بأن دخله الشهري لايتجاوز 60 ألف ليرة سورية فيما تتعدى تكاليف معيشته واسرته 250 الف ليرة سورية، وهو الرجل الذي يعمل صباحًا في مؤسسة حكومية، بما يجعله مرغمًا على العمل بدوامين فإذا ما توقف عن العمل في احدهما فسيكون الجوع مؤكدًا له ولعائلته، وهذا أمر سيكون أشدّ صعوبة من مواجهة كورونا حسب مايقول وبالتالي فهو لن يذعن لتعليمات الحكومة في الحجر الصحي، ويعبّر عن موقفه ذاك بالقول:”أكثر من قرد ما مسخ الله”، ولابأس أن يمسخ الى قرد اذا كان سيجد عائلته جائعة.
حال غطفان لايختلف عن احوال معظم السوريين فحجم الخطر الذي تمثّله الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في هذه الفترة، يمكن الاستدلال عليه من مؤشر الحرمان من الغذاء، «حيث بلغت نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً والتي تكررت واقعة عدم وجود أي نوع من الطعام لديها 56% من مجموع الأسر التي عانت من تكرر حرمانها من تناول أي نوع من الطعام. ولم تبتعد نسبة الأسر الهامشية أو المعرضة لفقدان الأمن الغذائي كثيراً عن هذه الحالة من الحرمان التي عانت منها الأسر الفاقدة للأمن الغذائي.
حيث بلغت 40%». وحتى بالنسبة إلى مؤشر تنوع أنماط استهلاك الغذاء، فإن أوضاع العديد من الأسر ليس بخير. ففي وقت كانت فيه مادة الخبز أو الطحين الأكثر استهلاكاً بشكل يومي من جميع الأسر، فإن تناول الألبان ومشتقاتها من قبل بعض الأسر كان مقبولاً ( 5 مرات أسبوعياً)، وانخفض تناولها إلى يومين فقط بين الأسر الحرجة الاستهلاك، أما الأسر الفقيرة أو الضعيفة الاستهلاك، فيندر تناولها لهذه المادة أو مشتقاتها، ويعزى ذلك الى ارتفاع أسعارها بشكل كبير مقارنة بسنوات ما قبل الأزمة. كما سجل تدني تكرار استهلاك الخضروات إلى أربعة أيام بين الأسر المقبولة الاستهلاك الغذائي، وإلى مرة واحدة على الأكثر في الأسبوع لدى الأسر الفقيرة الاستهلاك الغذائي.
اذا كان الحال كذلك والناس يذهبون إلى أعمالهم وفي امثلة أخرى يمارسون عملين بدوامين مختلفين، فكيف سيكون حال الناس فيما لو امتنعوا عن الخروج من منازلهم؟
سيكون الوضع وبالاً بكل المقاييس، فالسوري اليوم يواجه وبائين معًا:
ـ وباء الجوع، ووباء الكورونا.
وفي ذات الوقت مازال الفساد هو السمة العامة لإدارة البلاد
• دمشق: أحمد بطحيش