هيئة التحرير
كثيراً ما تطرح العلاقات بين سوريا وإيران، إشارات استفهامٍ، حول طبيعتها وشكلها، خاصةً مع تحولاتها وتبدلاتها بين نظام “الأسد الأب” ونظام وريثه، حيث يشير الباحث في العلاقات السورية-الإيرانية “أسعد الأمين”، إلى أنه من الخطأ الشائع اعتبار علاقات “بشار الأسد” بإيران امتداداً لعلاقات والده فيها، على الرغم من أن كلا النظامين حولا سوريا فعلاً إلى مدخل للإيرانيين إلى المنطقة العربية، لافتاً إلى وجود تبدلات جذرية في طبيعة وتفاصيل تلك العلاقة، وليس في نتيجتها.
ويعود توطد العلاقات بين سوريا وإيران، إلى العام 1979، مع وصول “علي خميني” إلى الحكم في إيران وقيام الثورة الايرانية وبدء المناوشات بين نظام “خميني” ونظام “صدام حسين”، ووقوف نظام “حافظ الأسد” إلى جانب طهران خلال الحرب العراقية الايرانية.
خدمات متبادلة جمعت الكافر بالمتشدد
خلافاً لما يتم تداوله بين العامة، يكشف الباحث “الأمين” إلى أن العلاقات الشخصية بين “الأسد الأب” و”خميني” كانت سيئة، على أساس أن “الأسد” كان يحسب على الجانب اليساري، الذي يرى في حكم “خميني” نظام متشدد ساعي لإنشاء إمبراطورية دينية، في حين ينظر “خميني” إلى “الأسد” على أنه كافر وفكره يتعارض مع مشروعه القائم على اتخاذ الدين وسيلة لإنشاء نظامه السياسي.
أما عن طبيعة العلاقات وكيف جمعت المصالح السياسية بين “الكافر” و”المتشدد”، يقول “الأمين”: “اختلاف الأيديولوجيا بين الشخصين وتعارضها لم يمنع حاجة كل منهما إلى الآخر، فالأسد احتاج عام 1970، فتوى شيعية تعترف بالعلويين كفئة من المسلمين الشيعة لتشريع توليه السلطة في سوريا، على اعتبار أنه القانون السوري يشترط أن يكون الرئيس مسلم، في حين احتاج خميني إلى الأسد في تسويقه دولياً وفي حربه مع العراق”، لافتاً إلى أن العداوة الفكرية بين الرجلين لم تمنع تحالفهما سياسياً.
وسبق “لخميني” أن ارتبط بتحالفات مثيرة للجدل، كان أغربها تحالفه مع “صدام حسين” ضد حكم شاه إيران، “رضا بهلوي”، قبل أن تنقلب العلاقات إلى عداء مع تسلم “خميني” للسلطة عام 1979 واندلاع حرب الخليج الأولى عام 1982 بينهما.
الحديث عن علاقات “خميني” وشبكة تحالفاته، يتناوله الخبير في الشؤون الإيرانية، “محسن الربيعي”، من ناحية أن “خميني” لم يكن لديه مشكلة بعقد تحالفات مع حزب البعث، الذي يصنفه كحزب كافر، مشيراً إلى أن كل من حزب البعث بشقيه العراقي والسوري، وحكم الثورة في إيران، كانوا في بداية حكمهم في تلك الفترة وكانوا بحاجة إلى ترسيخ ذلك الحكم خلال سنواته الأولى من خلال تحالفات حتى وإن جمعتهم مع الأعداء، ما ساهم في تشكيل شبكة العلاات الغريبة بيهم.
استغلهم حافظ فردوا بالسيطرة على وريثه
بالعودة إلى لب العلاقات بين “الأسد الأب” وإيران، يؤكد الخبير “الربيعي” أنها كانت قائمة على استغلال “حافظ الأسد” لسوء الأوضاع الإيرانية، وأزماتها مع المجتمع الدولي، خلافاً لما جرى لاحقاً إبان حكم “بشار الأسد” والذي قلب المعادلة وحول سوريا إلى تابع وساحة تحرك إيرانية اقتصادية وسياسياً ودبلوماسياً، على حد قوله، مشيراً إلى أن “بشار” فهم قاعدة علاقات والده مع إيران بشكل خاطئ تماماً وأساء استخدامها.
وشهدت سوريا خلال الفترة بين عام 2000 وعام 2008، تصاعداً في الوجود الإيراني، مع تزيد أعداد البعثات التبشيرية والمراكز الدينية الإيرانية، بالإضافة إلى التوغل الاقتصادي عبر شركات سايبا الخاصة بصناعة السيارات والتي تولت مهمة تجميع سيارات شام، السورية، بالإضافة إلى وصول العديد من الشخصيات السياسية والأمنية المدعومة من إيران إلى مفاصل القيادة في سوريا، بينهم “بشار الجعفري” و”فيصل المقداد” و”رستم غزالة” و”هشام بختيار” وغيرهم.
وتزامناً مع نظرة “الربيعي”، يوضح “الأمين” إلى أن “الأسد الأب” منح الإيرانيين مساحة تحرك محدودة في سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، كالزيارات الدينية والنشاط التبشيري في بعض المناطق السورية، مقابل توظيف عدائهم “لصدام”، لصالحه، خاصةً وانه كان يعتبر “صدام” كأكبر خطر يهدد نظام البعث في سوريا، لافتاً إلى حركة إيران في سوريا خلال الثمانينيات والتسعينيات، كانت بإشراف مباشر من شقيقه “جميل الأسد”، لضمان عدم خروج النفوذ الإيراني عن سيطرة نظامه.
وكان “جميل الأسد” قد أنشأ عام 1982، جمعية الرضا، والتي تولت عملية نشر التشيع في عدة مناطق سورية، مع سماحها بدخول عدد معين من المبشرين الإيرانيين، تحديداً في حمص ودير الزور وبعض مناطق دمشق.
أما عن نظام “بشار الأسد” فيشير “الأمين” إلى انقلاب كامل في معطيات المعادلة، فباتت إيران تستغل الوضع السوري المتأزم بدءاً من أزمة اغتيال الحريري عام 2005 وما رافقها من ضغوطات أخرجت النظام من لبنان، وصولاً إلى اندلاع الثورة السورية، والتي رمى خلالها “الأسد” سوريا بكاملها في الحضن الإيراني، على حد وصفه، مشيراً إلى أن هذه التفاصيل الدقيقة غيرت مجرى العلاقات ومستقبل سوريا بشكل كلي.
وسبق لعدد من رجال الدين الإيرانيين المتشددين المقربين من المرشد الأعلى للثورة في إيران، “علي خميني”، أن صرحوا عام 2013، بأن سوريا باتت محافظة إيرانية جديدة، مع انتشار أكثر من 70 ألف مقاتل إيراني في عموم البلاد.
مؤشرات ودلالات
حالة السطوة الإيرانية على سوريا، منذ عام 2000، وتمكنها من وراثة حكم لبنان عن النظام السوري، الذي لم يبق له أي نفوذ في حديقته الخلفية منذ 2005، يعتبره المحلل السياسي “حسام يوسف” مؤشراً ليس فقط على تبدل شكل العلاقات بين “الأسد” وإيران، وإنما دليلاً على حالة القصور السياسي في النظام الجديد حينها وعدم أهليته لحكم بلد بمكانة سوريا، معتبراً ان العلاقات التي بناها “بشار الأسد” مع إيران، كانت بمثابة أخطر تطور على الأمن القومي العربي خلال العقد الأول من الألفية الحالية، خاصةً في ظل تزامنها مع سقوط نظام “صدام حسين”، وبدء سيطرة الميليشيات المدعومة من إيران على العراق.
إلى جانب ذلك، يعتبر “يوسف” أن خروج حزب الله عن العباءة السورية ودخوله العلني تحت العباءة الإيرانية، كان كفيلاً في شرح طبيعة التبدلات في موازين القوى في معادلة العلاقات بين الطرفين، مشيراً إلى أن “حافظ الأسد” في علاقته مع إيران خلق نواة للوجود الإيراني في المنطقة العربية، وهي النواة التي حولها وريثه “بشار” إلى نفوذ لا يزال الشعب العربي من بيروت وحتى بغداد، يدفع ثمنه حتى اليوم.