هيئة التحرير
مع صدور تقييم معهد الفكر الدولي للاقتصاد والسلام، الذي صنف سوريا في المرتبة 162 من أصل 163، في جدول الدول السلمية والآمنة، يسأل المحلل السياسي، “أحمد المسالمة” عن حقيقة مقولة “الأمن والأمان”، التي كانت تردد على لسان الموالين للنظام مع انطلاق الثورة السورية، لافتاً إلى أن العقد الماضي، شهد انهيار الكثير من الصور والمفاهيم التي استغلها النظام طلية 50 عاماً لحكم البلاد بقبضة من حديد، من بينها تلك المقولة.
وتعاني سوريا منذ 10 سنوات تقريباً، من حالة انفلات أمني في مختلف المناطق، بما فيها العاصمة دمشق، والمدن الرئيسية، حيث صنفتها بيانات موقع نمبيو الخاص بالجريمة، عام 2019، كأكثر الدول العربية ارتفاعاً في معدلات الجريمة، وفي المرتبة 16 على مستوى العالم من أصل 118 دولة.
اتهامات بجريمة لم ترتكب
مع اتهام النظام للثورة بالتسبب في حالة التوتر الأمني الحاصلة في سوريا، يشير “المسالمة” إلى أن الحقيقة الراسخة تكمن في أن الثورة كشفت ما كان يحصل في سوريا بشكل ضيق ومخفي، لافتاً إلى أن النظام سعى منذ سبعينيات القرن الماضي إلى زرع بعص البؤر والخلايا النائمة للإجرام في محيط المدن الكبرى، بما فيها العاصمة، دمشق، من بينها خلايا المزة 86، والعصابات التي كانت منتشرة في مخيم اليرموك ومساكن نجها.
وتتهم المعارضة السورية، نظام “الأسد” بالعمل على زرع مستوطنات موالية له في محيط دمشق، ودعمها بالسلاح والتجارة الممنوعة وغض النظر عن أنشطتها غير القانونية.
في السياق ذاته، يؤكد المسالمة” أن مقولة الأمن والأمان كانت عبارة مشروخة، أول ما خرفها هو فساد أجهزة الأمن والشرطة، والتي كانت تتعامل مع المتهمين والمجرمين بمبدأ الرشوة وتلفيق القضايا والتلاعب بحيثياتها، موضحاً: “مفهوم الأمن والأمان لا يرتبط فقط بعدم وقوع التفجيرات أو العمليات الإرهابية، وإنما في صون الحقوق لأصحابها وعدم السامح بقلب موازين القضاء، والحد من الفساد، الذي كان يحول السجون إلى قصور بالنسبة للمجرمين المقتدرين ولصوص الدولة”.
حديث “المسالمة” عن أن مقولة الأمن والأمان لم تكن سوى أداة لقمع الشعب وإقناعه بأن أي خروج على النظام سيحول البلاد إلى غابة، أيده الخبير الأمني، “حافظ العمر”، الذي أشار إلى أن آخر ما كان ينتظره المواطن السوري قبل الثورة من الأجهزة الأمنية أن تكتشف خيوط جريمة أو القاء القبض على سارق أو قاطع طريق، معتبراً أن الثورة عرت التقصير الأمني والفساد في المؤسسة الأمنية داخل النظام.
في قلب النظام ومعقله
عدم وصول الثورة بشكل ملحوظ إلى مناطق الساحل، التي تعتبر قلب النظام وخزانه البشري، يعني بحسب ما يراه “العمر” تبرءة للثورة من ما يتهمها به النظام، موضحاً: “الثورة لم تدخل الساحل السوري ولم يفقد فيها النظام سطوته الأمنية، وعلى الرغم من ذلك، فإن معدلات الجريمة في مدينة اللاذقية أعلى بكثير من بقية المناطق، فبماذا يمكن أن يفسر النظام ذلك؟”.
وكانت جريدة الوطن المقربة من النظام؛ قد نقلت قبل أسابيع، عن مصدر جنائي في محافظة اللاذقية تأكيده وقوع 11 جريمة قتل و51 جريمة سرقة و156 ضبط جريمة معلوماتية خلال النصف الأول من العام الجاري.
في السياق ذاته، يذهب المحلل السياسي “المسالمة” إلى التذكير بأن رأس عصابات المافية في سوريا يتولاها عناصر من “آل الأسد”، متسائلاً عن مفهوم الأمن والأمان، الذي يتحدث عنه نظام “بشار الأسد”، طالما أن أصغر فرد من عائلة “الأسد” قادر على قتل أي شخص دون تلقي أي عقاب، حتى وإن كانت الضحية ذات رتبة عسكرية كبيرة، في إشارة إلى قضية العميد “حسان الشيخ”.
وكان العميد الشيخ قد قتل في العام 2015، على يد “سليمان الأسد” ابن عم رئيس النظام، وابن قائد ميليشيات الدفاع الوطني “هلال الأسد”، بسبب خلاف على أولوية المرور.
هنا يؤكد المختص بالشأن السوري، “محمد أبوزيد”، أن حادثة “الشيخ” ليست الدليل الوحيد على انهيار مقولة الأمن والأمان في سوريا، وإنما هناك تاريخ طويل لعائلة “الأسد” في انتهاك حرمة وأمن المواطن السوري، بدءاً من عمليات السرقة التي قام بها “رفعت الأسد” وعناصره لسوق الصاغة بدمشق، مرورا بملف “شيخ الجبل” ابن عم “بشار الأسد”، الحافل في قضايا التهريب والمخدرات، وقضية المرافئ الخاصة التي كان يديرها عم رأس النظام، “جميل الأسد” والتي كانت تستخدم في تهريب الأسلحة والمخدارت، مشيراً إلى أن عائلة “الأسد” مثلت طيلة 50 عاماً، الخطر الأبرز على أمن المواطن السوري.
وكان ابن عم رأس النظام السوري، “دريد الأسد” قد اعترف قبل أسابيع، على صفحته في موقع فيسبوك، بأن شحنة المخدرات، التي ضبطتها الشرطة الإيطالية قادمة من سوريا مؤخرا، ليس داعش من يقف وراءها، بل النظام، مضيفاً: “إذا بدنا نصنّع ورق لنقول تحيا الصناعات الوطنية، وهي بلشت عجلة الاقتصاد الوطني بالدوران من جديد! وبعدها نقوم ندحش جوّات الرولات تبع هاد الورق حبوب الكبتاغون والمخدرات”.
مفهوم الأمن بعقيدة مريضة
حتى في الفهوم الأمني، الذي يعتنقه النظام السوري، يعتبر “أبوزيد” أن النظام كان فاشلاً، لا سيما وأن سوريا مثلت خلال السنوات الأخيرة، قبل اندلاع الثورة، مسرحاً للعديد من العمليات الإرهابية، من بينها محاولة تفجير مبنى الأمم المتحدة في المزة، والانفجار الذي طال فرع الدوريات في منطقة القزاز بدمشق، بالإضافة إلى انتشار مجموعة جند الشام بشكل كبير في المناطق السورية لا سيما الحدودية مع العراق.
كما يضيف “أبو زيد”: “مفهوم الأمن بالنسبة للنظام ينطلق من عقيدة مريضة، أساسها وجود كافة المعارضين في السجون، وأن تكون المظاهرات التي تشهدها سوريا بإدارة من المخابرات ومرتبطة بشؤون خارجية تهمه، أما مسألة أمن المواطن وغيرها، فهي ليست إلا إستهلاك إعلامي”، متسائلاً عن الأمان الذي سيشعر به المواطن وهو مهدد بأي لحظة بالاعتقال حتى وإن لم يرتكب أي ذنب.
إلى جانب ذلك، يشدد “أبوزيد” أن احساس الأمن في سوريا كان مرتبط بشكل وثيق بالخوف والرعب والقمع، لافتاً إلى أن اللص والفاسد والقاتل والمغتصب، كان يشعر بأمان كبير أثناء قيامه بجريمته، أكثر من أي مواطن قد ينتقد ارتفاع أسعار الخبز مثلا، على حد قوله.
ويشير “أبوزيد” إلى أن المجرمين والمهربين لديهم قناعة تامة بأنهم غير مستهدفين من النظام، وأنه لا ينظر إليهم كخطر يهدد أمنه، بقدر ما هم ورقة رابحة يسلطها على الشعب في وقت الضرورة، وهو ما حصل مع بداية الثورة.