بدأت الفصائل والقوى الشيعية المرتبطة بإيران تحريك جمهورها للنزول إلى الشارع في تظاهرات احتجاجية، بذريعة رفض نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في الـ10 من الشهر الحالي، وذلك بعد ساعات من إعلان الإطار التنسيقي رفضه للأرقام التي كشفت عنها المفوضية العليا للانتخابات، رغم دعوات غالبية القوى السياسية العراقية بضرورة ضبط النفس، إلا ان قادة في “الحشد الشعبي” لا يخفون إمكانية اللجوء إلى السلاح، الأمر الذي زاد من مخاوف تحول الاعتراض إلى صراع مسلح، واندلاع اقتتال “شيعي- شيعي”.
“الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى سياسية وفصائل من “الحشد الشعبي” وأبرزها “تحالف الفتح” و”دولة القانون” و”عصائب أهل الحق”، وكتائب حزب الله العراقي”، اتهم حكومة الكاظمي و”جهات خارجية” بتزوير نتائج الانتخابات، لافتا إلى أن “مفوضية الانتخابات لم تصحيح المخالفات الكبيرة التي ارتكبتها أثناء وبعد عد الأصوات وإعلان النتائج، وإصرارها على نتائج مطعون بصحتها نرفض بشكل كامل هذه النتائج”.
تهديد ووعيد..
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية كاملة بعد العد والفرز اليدوي للمحطات المتلكئة، لافتة إلى أنه “تم التعامل مع الطعون بحيادية وأغلبها ليست مؤثرة في نتائج الأصوات التي عُدّت يدوياً بكل شفافية”.
وفقاً للنتائج الأخيرة حصلت الكتلة الصدرية على 73 مقعداً، ونالت حركة “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي 38، فيما حصل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس حزب الدعوة نوري المالكي على 35، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني على 33.
وجمع تحالف الفتح الذي تنضوي تحته الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران 15 مقعداً، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه ابن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني مقعدا واحدا، فيما جمع تحالف “عزم” برئاسة رجل الأعمال خميس الخنجر 12، وحركة “امتداد” التي تجمع المناصرين لانتفاضة تشرين 9 مقاعد، وتحالف قوى الدولة الذي يجمع حزب الدعوة جناح رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم 5 مقاعد.
في المقابل، توعدت ميليشيا “حزب الله” العراقي أمس الأحد، بتصعيد الأمور إلى “ما لا يحمد عقباه”، رفضا للنتائج الرسمية الأولية للانتخابات البرلمانية، داعية إلى محاكمة رئيس الحكومة “مصطفى الكاظمي” الذي شدد على نزاهة عملية الاقتراع ورفضه للابتزاز.
وقال “أبوعلي العسكري”، المتحدث العسكري باسم “حزب الله” العراقي عبر تويتر: إن “ما حصل في الانتخابات البرلمانية قبل أيام هو أكبر عملية احتيال وخداع على الشعب العراقي، لذا يجب محاكمة الكاظمي على ما قام به من أفعال وآخرها الخيانة الكبرى التي ارتكبها بالتواطؤ مع الأعداء لتزوير الانتخابات”، داعياً إلى “العمل بأسرع وقت على إعادة حقوق الناخبين ومرشحيهم، وإلا فإن الأمور ذاهبة إلى ما لا يحمد عقباه”.
اقتتال شيعي – شيعي..
في الوقت الذي يحذر مراقبون من خطورة الانقسام الشيعي – الشيعي في ضوء التدخلات الخارجية، ولاسيما أن إيران تخشى على نفوذها في العراق وسط تلويح من الجماعات الموالية لها باللجوء إلى العنف إذا لزم الأمر، وصفت مجلة فورين بوليسي الأميركية طهران والجماعات الموالية لها بأنها الخاسر الأكبر في الانتخابات العراقية.
وقالت المجلة الأميركية “لا تزال الأجواء في العراق مضطربة، إذ دعمت أخبار وصول إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني الشائعات التي تفيد بأن إيران ووكلاءها سوف يتلاعبون بالنتيجة”.
بدوره، استبعد رئيس مركز التفكير السياسي في العراق “إحسان الشمري”، إمكانية اندلاع صراع شيعي- شيعي مسلح في العراق على خلفية نتائج الانتخابات، مؤكدا أن “هناك كوابح داخلية وخارجية تمنع اندلاعه، الأول يتمثل في الأطراف ذاتها فهي تلوح بسياسة حافة الهاوية فيما تدرك جيدا أنها إذا ما ذهبت إلى خيار السلاح فبالتالي سيكون نهاية لوجودها في العراق”.
ولفت الباحث السياسي “الشمري” إلى أن “الكابح الثاني يتمثل في أن إيران لن تسمح لحلفائها من الفصائل المسلحة أن تخوض حربا شيعية – شيعية؛ لأن في ذلك نهاية لنفوذها وبالتالي ستخسر بشكل نهائي الداخل العراقي والشيعة بشكل عام كمكون”، موضحاً أن “الكابح الثالث هو وجود المرجع الديني الشيعي علي السيستاني الذي أيضا سيكون كابحا أمام هذه الأطراف، وبالتالي اعتقد أن ما يجري هو جزء من سياسية حافة الهاوية بأن تذهب الأطراف إلى التصعيد ولكن في النهاية ستلجأ إلى التهدئة”.
كما أفاد “الشمري” أن “ما يحصل هو نوع من الضغط المدروس في داخل العراق وخارجه للتقليل من مكاسب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتخابيا، ومحاولة إيرانية لإعادته إلى البيت الشيعي الذي يضم القوى الشيعية السياسية في البلاد”
وأكد متابعون للشأن العراقي، أن “علاقة الصدر المضطربة مع إيران، تعبر عن شخصيته، فهو مثلا لا يقلد وفق المفاهيم الشيعية مرجعية آية الله علي السيستاني، وإنما يعود في كل الاستشارات السياسية والدينية إلى رجل الدين كاظم الحائري الموجود في إيران”، لافتين إلى أنه “عندما يعبر عن انزعاجه يتوجه إلى قم أو طهران، وفي أوج الحديث الذي دار عن خلاف الصدر مع إيران ظهر في مجلس عزاء أداره المرشد الأعلى علي خامنئي، متوسطا الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني وزعيم فيلق القدس المقتول قاسم سليماني”.
كما يشير المتابعون إلى أن “الصدر” يتقاسم مع الإيرانيين أهدافا متشابهة منذ عام 2003، بينما تبدو الخلافات أقل من أن تخل بـ”وحدة الطائفة الشيعية” وفق وصايا خامنئي للعراقيين. فالصدر في النهاية لا يستطيع تحمّل استعداء إيران كما يزعم بعض أنصاره.
تحالفات وخلافات..
وتشهد الساحة مساعي من مختلف الأطياف السياسية لتشكيل الكتلة الأكبر وحكم البلاد، ومن خلال النتائج المعلنة هناك 3 تحالفات أو كتل سياسية شيعية سيكون دورها محوريا في تحديد المسارات المقبلة، وهي التيار الصدري وائتلاف “دولة القانون” وتحالف “الفتح”.
إلى جانب ذلك، يرى مراقبون أن حصول التيار الصدري على المركز الأول لا يعني أن الطريق أمامه ستكون ممهدة، فهو يحتاج إلى التوصل إلى توافقات مع شركائه في المكون الشيعي قبل أن ينخرط في مشاوراته مع المعسكرين السني والكردي.
وعلى الرغم من تشكيل التيار الصدري للجنة بدأت عملية تفاوضية مع النخب والكتل السياسية بهدف تشكيل الحكومة المقبلة، تشير التصريحات إلى صعوبة المهمة، اذ يتوقع المحللون أن يكون هناك ارباك في البيت الشيعي بسبب تراكم الخلافات بين الصدر والمالكي على مدار 15 عاما، وحالة الاستقطاب الحادة التي تغذيها إيران بالإضافة إلى تشتت جزء من الحصة الشيعية في البرلمان المقبل بين كتل صغيرة ونواب مستقلين.
كما يسعى التيار الصدري للتحالف مع كتلتي الحلبوسي والبارزاني من أجل مواجهة تحالف المالكي والعامري. غير أن مصادر تحالف “تقدم” السني والحزب الديمقراطي الكردستاني تراقب المفاوضات الشيعية من أجل اختيار المنتصر فيها للتحالف معه. كما يتطلع رئيس حزب الدعوة وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة من جديد عبر التحالفات السياسية مع الأكراد.
واستبعدت مصادر سياسية عراقية التوافق بين المالكي والصدر على تشكيل تحالف برلماني شيعي، ولم يرشح التيار الصدري الفائز في الانتخابات أي اسم لرئاسة الحكومة، اذ تشير غالبية التكهنات إلى أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مرشح جاهز للتيار لان الصدر يركز على بناء حكومة تكافح الفساد وتتولى تقديم الخدمات وتضمن استقلال وسيادة العراق، إلا أن هذا الطموح يمكن أن يتوقف عند تقديم الخدمات.
حسابات الكتل ترجح أن يبقى الصراع مفتوحا إذا ما اختارت الكتلة الكردية والسنية أن تتحالفا مع الصدر لتعطيه الأفضلية، وحينها فإن التنافس سوف يشتد حول مقاعد المستقلين، الذي يمكن شراؤه، والغلبة ستكون في عمليات الشراء للمالكي لأنها تملك من القدرات ما لا يملكه الصدر.
وكان “الصدر” قد أكد بعد الإعلان الجديد للنتائج أن كتلته هي الأكبر انتخابيا وشعبيا، وهو ما يفرض عليها أن تسعى لبناء تحالفات تحت خيمة الإصلاح لتكوين حكومة خدمية نزيهة، بينما تبقى التكهنات بشأن التحالفات وفرص تشكيل الحكومة الجديدة أو الإبقاء على حكومة الكاظمي، مفتوحة وتزيد من التصعيد في المشهد السياسي أكثر من التوافق.