أعلن رئيس هيئة الطيران المدني الإثيوبية أمس الإثنين، أن سلطات أديس أبابا حظرت الطيران فوق سد النهضة الجديد والمخصص لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق، وذلك لاعتبارات أمنية.
وأكد رئيس هيئة الطيران المدني “وسينيله هونيجناو” أنه جرى “حظر مرور جميع رحلات الطيران لتأمين السد”.. حيث رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل عن أسباب الحظر.. في الوقت الذي تعهدت فيه رئيسة إثيوبيا “سهلورق زودي” بأن يبدأ السد في توليد الكهرباء خلال الاثني عشر شهرا المقبلة.
مفاوضات سابقة
تحمل قضية سد النهضة الذي بنته إثيوبيا تهديدًا قويًا لدواعي مصبّ نهر النيل (مصر والسودان) حول أمنهما المائي، وبالتحديد مصر التي تعتمد بشكل شبه كليّ على مياه النيل في الشرب والزراعة..
وانطلقت مفاوضات حول ملف سد النهضة بين إثيوبيا ودولتي المصب (مصر والسودان)، منذ بدء أعمال بناء السد عام 2011، في مسعى لتوصل الدول الثلاث إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويحقق طموحات شعوبها، بما لا يخل بالأمن المائي لتلك البلدان، لكن ما تزال المفاوضات مستمرة بين الأطراف دون تحقيق اختراق يذكر.
مصر والسودان تسعيان لاتفاق قانوني ملزم يشمل قواعد تخص أمان السد، وآليات ملئه في أوقات الجفاف بما لا يضر بأمنهما المائي، كما يشمل أيضًا آليات إلزامية لنظام التشغيل، بالإضافة لـ آلية لفض النزاعات.
أديس أبابا تتشبث بدورها بالتوقيع على قواعد أحادية الجانب، لملء السد وتشغيله، يمكن تغييرها مستقبلًا بمجرد الإخطار وفق الرؤية الإثيوبية، دون اشتراط موافقة مصر والسودان، حيث ترفض كذلك التقيد بمرور كمية معينة من المياه بعد انتهاء ملء الخزان وتشغيل السد.
لجنة عربية حول السد
توازيًا مع القرار الإثيوبي، كشف السفير ماجد عبد الفتاح، مندوب الجامعة العربية بمنظمة الأمم المتحدة، في لقاء متلفز مساء الاثنين، عن تشكيل لجنة من دول عربية ( السعودية والعراق والمغرب والأردن) للتعامل مع موضوع سد النهضة الإثيوبي.
ليوضح عبد الفتاح، أن اللجنة، المذكورة أجرت عددًا كبيرًا من اللقاءات، ليبين أن المساعي المصرية السودانية فرضت الموضوع على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، بحسب ما نقلته “RT”.
الدبلوماسي عبد الفتاح، أكد إلى أن الملف تحول إلى الاتحاد الإفريقي بعد موافقة مجلس الأمن، معتبرًا أن المفاوضات التي تجرى تحت إشراف السودان الآن لم تسفر عن تقدم في النقاط العالقة كالملء والحصص وتسوية المنازعات والتوصل إلى اتفاق ملزم.
كما نوه المندوب العربي بالأمم المتحدة إلى أن القضايا الإفريقية تستغرق وقتًا من البحث طويلا حتى الوصول إلى حلول، مشيرًا بذات الوقت إلى أن مصر لم يلحق بها ضررا جسيما نتيجة الملء هذا العام.
حرب نفسية
“سمير فرج” اللواء العسكري المصري، قال – وفق ما نقلته RT – إن إعلان إثيوبيا تأمين سد النهضة وحظر المجال الجوي فوقه دون أي داعي يصنف ضمن ما أسماها “حربا نفسية” ضد مصر.
حيث أوضح الجنرال المصري، أن حكومة أديس أبابا تسعى للهرب من الخلافات الداخلية وتوتر الرأي العام الإثيوبي ضد رئيس الوزراء “أبي أحمد”، عبر اختلاق أزمات خارجية مع الجانب المصري، حيث تستخدم إثيوبيا ملف سد النهضة كخطة دعائية قومية لتهدئة الرأي العام الداخلي.. وفقًا للواء سمير.
من جهته، رفض اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، أي تأثير لفرضية حظر إثيوبيا لمجالها الجوي، التي – إن صحت – فلن تؤثر على مصر من قريب أو من بعيد.
سالم أوضح أن إثيوبيا تسعى حاليًا لاستجداء المجتمع الدولي، عبر اختلاق مزاعم تفيد بأنها تواجه تهديدًا عسكريًا من المصريين.
وأكد بدوره، أن أديس أبابا تستخدم ملف السد كقضية قومية، تشغل بها الأطراف المتنازعة وتمتص الغضب الداخلي.
قائد القوات الجوية الاثيوبية الميجر جنرال، يلما ميرداسا، أن إثيوبيا مستعدة تمامًا للدفاع عن السد من أي هجوم، ويبدو إجراء حظر الطيران حماية للمشروع الإثيوبي العملاق من أي هجمات مدمرة تتوقعها إثيوبيا.
في حين رأى متابعون أن الحكومة الإثيوبية تسعى لاستثارة الرأي العام المحلي للتغطية على المشاكل الداخلية التي تواجهها عبر وقف حركة الطيران فوق سد النهضة وإظهار أنّ الدولة تتعرض للتهديد.
واعتبر آخرون أنّ تحركات حكومة أديس أبابا، مرتبطة بوجود تهديدات داخلية في المقام الأول، فولاية رئيس الوزراء “آبي أحمد” انتهت اعتبارًا من سبتمبر أيلول الماضي، وترى المعارضة الإثيوبية أن تأجيل الانتخابات متعمد لإطالة أمد حكمه.. في رؤية ترتبط به لكسب الرضا الشعبي
سيناريوهات واستئناف مفاوضات
أما بشأن السيناريوهات حل الأزمة فوضع خبراء ومراقبون سيناريوهات ثلاث لحل، الأول يتمثل في “الحل السياسي المبني على موازنة المصالح والاستثمار في الفرص”، أما الثاني فيتعلق بـ “احتمال نجاح الاتحاد الإفريقي في دمج مقترحات البلدان الثلاثة والتوصل إلى صيغة قانونية ملزمة” (هذا ما تطالب به القاهرة والخرطوم).. فيما يتعلق السيناريو الثالث، وهو الأقل ترجيحا، باللجوء إلى “آلية التحكيم”.. التي استبعدها الباحث والسياسي، إبراهيم الأمين،رابطًا رؤيته بأسباب عملية تتعلق بطبيعة أزمات المياه، والفشل الذي صاحب تجارب في نزاعات مشابهة.
خلافات متداخلة
سيطرت خلال الفترة الأخيرة “خلافات مفاهيمية” بين الأطراف الثلاثة حول بعض القضايا، كـ إلزامية الاتفاق وآلية حل النزاعات.
مصر والسودان، تخشيان من احتمال أن يؤثر السد سلبًا على الحصص المائية لهما، ويتسبب في أضرار بيئية ومخاوف من انهيارات وفيضانات محتملة.
أما إثيوبيا فتعتبر أن مشروع السد “لا يسبب أي أضرار للآخرين”، مؤكدة أنه يشكل “مشروعًا للنهضة الاقتصادية والزراعية، ويسهم في تعزيز التعاون الكهربائي مع السودان وتخفيض الإطماء بالنسبة لسدوده، وانتظام تصرف النيل الأزرق، الذي يمدها بحصتها من المياه”.
إلى ذلك، وبحسب خبراء فإن نجاح المفاوضات سيعتمد على احترام إعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة عام 2015، الذي قاد إلى مفاوضات مكثفة حول السد الذي تبنيه إثيوبيا قرب الحدود السودانية بتكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار.
رغم تنوع الاحتمالات لكن تقريبًا أمريكيًا نشرته مؤخرًا مجلة “فورين بوليسي”، أطلق تحذيرًا من أن أي حل يخرج عن البعد التفاوضي، ربما يؤدي إلى تعقيد الوضع الجيو – سياسي المأزوم أصلا في المنطقة، ما يضر بمصالح كافة الأطراف.