سيناريوهات قاتمة تنتظر المستقبل، هذا ما حذرت منه الأمم المتحدة بالتزامن مع سلسلة الكوارث التي تضرب أنحاء العالم والتغيرات المناخية غير مسبوقة، من الحرائق الهائلة التي اندلعت في أسيا وشمال إفريقيا وصولاً إلى أوروبا وأميركا الشمالية، ناهيك عن الفيضانات التي اجتاحت أوروبا.
الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” بالتزامن مع صدور تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قال: إن “الاحترار العالمي بات يؤثر على كل منطقة على وجه الأرض، وأصبحت العديد من التغييرات لا رجعة فيها، ونحن في خطر وشيك من الوصول (لارتفاع درجة الحرارة بمعدل) 1.5 درجة في المدى القريب (لم يحدد)”، محذراً من ” تزايد كوارث الطقس المتطرف والمناخ من حيث تواترها وشدتها”.
ارتفاع حرارة الأرض..
ودخلت دول شمال افريقيا “الجزائر وتونس” خلال الأيام الماضية على خط مسلسل الحرائق التي تجتاح الغرب الأميركي واليونان وتركيا، كما قتلت الفيضانات المدمرة في أوروبا الغربية أكثر من 120 شخصاً، وصولا إلى تسجيل درجات حرارة قياسية في كندا وصلت إلى 50 درجة مئوية.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة الجهات المانحة وبنوك المتعددة الأطراف إلى تخصيص ما لا يقل عن 50 في المئة من التمويل العام للمناخ”، مشدداً على أنه من الضروري أهمية “اصطفاف قادة الحكومات والشركات والمجتمع المدني وراء السياسات والإجراءات والاستثمارات التي تحد من ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية”.
وحذر التقرير الأممي الذي أصدره خبراء المناخ في الأمم المتحدة ويعد التقرير التقييمي الأول منذ سبع سنوات بموافقة 195 بلدا، حذر للمرة الأولى، من “عدم القدرة على استبعاد” حدوث “نقاط تحول” في مواجهة التغيرات المناخية، وانتشار “واسع وسريع ومكثف” للتغير المناخي في الكرة الأرضية، مؤكداً أنّ الكثير من التغيرات المناخية التي تم رصدها في الوقت الراهن لم تحدث في كوكب الأرض منذ آلاف السنين كارتفاع منسوب البحار، بحسب التقرير.
كما توقع الجزء الأول من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية قرابة العام 20١0، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات التي وضعت قبل ثلاث سنوات، ما يهدد بحصول كوارث جديدة غير مسبوقة في الكوكب الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية، مؤكداً أنّ بعض ظواهر التغير المناخي النشطة في الوقت الراهن لا يمكن تفاديها إلا بعد مئات أو آلاف السنين، واستقرار درجات الحرارة في الغلاف الجوي للكرة الأرضية قد يستغرق بين 20-30 عاما.
وتأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في العام 1988 لتقديم تقديرات شاملة لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي.
أما بحلول العام 2050، ستستمر الزيادة إلى ما بعد هذه العتبة، وهي أحد حدود اتفاق باريس للمناخ، حتى لو نجح العالم في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. وإذا لم تخفّض هذه الانبعاثات بشكل حاد، سيتم تجاوز عتبة درجتين مئويتين خلال القرن الحالي، الأمر الذي يعني فشل اتفاق باريس الموقع عام 2015 والذي يوصي بضرورة حصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين وصولا إلى درجة مئوية ونصف درجة إذا أمكن.
التأثيرات والحقائق الخطيرة..
التقرير الجديد يوضح أن” الاحترار الذي شهدناه حتى الآن قد أحدث تغييرات في العديد من أنظمة الدعم لكوكبنا، والتي لا رجعة فيها على فترات زمنية تمتد من قرون إلى آلاف السنين”، لافتاً إلى أن “الظواهر الحارة، بما في ذلك موجات الحر، أصبحت أكثر تكرارا وشدة منذ خمسينيات القرن الماضي، في حين أصبحت الظواهر الباردة أقل تكرارا وأقل شدة، وسوف يستمر احترار المحيطات وسوف تزداد حموضة مياهها، مع استمرار ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية والقطبية لعشرات أو مئات السنين”.
وعرض التقرير عدداً من الحقائق المثيرة والخطيرة ومنها:
- سجلت درجة حرارة سطح الأرض ارتفاعا بواقع 1.09 درجة مئوية أعلى خلال السنوات العشر بين 2011-2020 مقارنة بما كانت عليه بين 1850-1900.
- السنوات الخمس الماضية هي الأكثر حرارة على الإطلاق منذ العام 1850.
- تضاعف المعدل الأخير لارتفاع مستوى سطح البحر ثلاث مرات تقريبا مقارنة بالفترة بين 1901-1971.
- التأثير البشري “مرجح جدا” (بنسبة 90 في المئة)، وهو الدافع الرئيسي لانحسار الأنهار الجليدية منذ تسعينيات القرن الماضي وذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي.
إلى جانب ذلك، أكد التقرير أنه “في ظل جميع سيناريوهات الانبعاثات التي درسها العلماء، قد لا يتحقق الهدفان خلال القرن الجاري ما لم يُتخذ إجراء لخفض كبير في الكربون”، مرجحين أنه ستحدث زيادة تصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040 في جميع السيناريوهات، وإذا لم يحدث خفض في الانبعاثات خلال السنوات القليلة المقبلة، فسوف تحدث الزيادة قبل ذلك”
وتوقع التقرير خمسة تأثيرات في المستقبل:
- زيادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات 1850-1900 بحلول عام 2040 في ظل جميع سيناريوهات الانبعاثات.
- القطب الشمالي يصبح خاليا تماما من الجليد عمليا في سبتمبر/أيلول مرة واحدة على الأقل قبل عام 2050 في جميع السيناريوهات التي خضعت للدراسة.
- ارتفاع حدوث بعض الظواهر المتطرفة “غير المسبوقة في التاريخ” حتى مع ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية.
- ارتفاع شديد لمستوى سطح البحر، والذي كان يحدث مرة كل مئة سنة في الماضي القريب، بشكل سنوي على الأقل في أكثر من نصف مواقع قياس المد والجزر بحلول عام 2100.
- زيادات في حرارة الطقس بما يسمح بوقوع حرائق في العديد من المناطق.
يذكر أن كل دول العالم تقريبا قد وقّعت على أهداف اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، وذلك للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين خلال القرن الجاري، ومتابعة الجهود للحفاظ على ثباتها دون 1.5 درجة مئوية.
سيناريوهات قاتمة..
وطرح تقرير لجنة الأمم المتحدة المعنية خمسة سيناريوهات محتملة وقاتمة للمستقبل، تعتمد على مدى السرعة التي سيحد بها البشر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ورصد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في مجالات مثل السكان والكثافة العمرانية والتعليم واستخدام الأراضي والثروة.
في المقابل، تم تصنيف كل من السيناريوهات لتحديد مستوى الانبعاثات وما يطلق عليه المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك (إس.إس.بي) المستخدم في هذه الحسابات: وفي ما يلي شرح لكيفية فهم كل سيناريو من السيناريوهات الخمسة.
إس.إس.بي1 – 1.9: السيناريو الأول أكثر سيناريوهات اللجنة المعنية بالمناخ تفاؤلا ويفي بهدف اتفاقية باريس، وهو يصف عالما تنخفض فيه انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميا إلى الصفر الصافي نحو العام 2050، وفيه تتحول المجتمعات إلى ممارسات أكثر استدامة مع تحول التركيز من النمو الاقتصادي إلى المصلحة العامة، كما تزيد فيه الاستثمارات في التعليم والصحة وتتراجع التفاوتات. وتظل الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعا لكن العالم يتفادى أسوأ تداعيات التغير المناخي.
إس.إس.بي1 – 2.6: ثاني أفضل السيناريوهات تنخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بشدة لكن بسرعة أقل لتصل إلى الصفر الصافي بعد العام 2050. وهذا السيناريو قائم على ذات التحولات الاجتماعية والاقتصادية صوب الاستدامة الواردة في السيناريو الأول. غير أن درجات الحرارة تستقر حول زيادة قدرها 1.8 درجة مئوية بنهاية القرن.
إس.إس.بي2 – 4.5: يعتبر سيناريو “منتصف الطريق” وفيه تتأرجح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول مستوياتها الحالية قبل أن تبدأ في التراجع في منتصف القرن لكنها لا تصل إلى الصفر الصافي بحلول العام 2100. وفيه تتبع العوامل الاجتماعية والاقتصادية اتجاهاتها التاريخية دون تحولات تستحق الذكر. ويتسم ما يتحقق من تقدم باتجاه الاستدامة بالبطء وفي الوقت نفسه تكبر التفاوتات في التنمية والدخل. وفي هذا السيناريو ترتفع درجات الحرارة 2.7 درجة مئوية بنهاية القرن.
إس.إس.بي3 – 7.0: ترتفع الانبعاثات ودرجات الحرارة في هذا السيناريو باطراد وتزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لمثلي المستويات الحالية تقريبا بحلول عام 2100. ويتزايد التنافس في ما بين الدول مع التركيز على الأمن الوطني وضمان الإمدادات الغذائية لشعوبها. وبنهاية القرن ترتفع درجات الحرارة 3.6 درجة مئوية في المتوسط.
إس.إس.بي5 – 8.5: أما السيناريو الخامس الذي يجب العمل على تحاشيه بأي ثمن، ففيه ترتفع مستويات انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى مثليها تقريبا بحلول 2050. وينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة سريعة ويغذي هذا النمو استغلال أنواع الوقود الأحفوري وأساليب عيش تقوم على استخدام كثيف للطاقة. وبحلول العام 2100 ترتفع درجات الحرارة العالمية 4.4 درجة مئوية في المتوسط.
وفي كل سيناريو من السيناريوهات يستمر ارتفاع درجات الحرارة بضع عقود على الأقل، كما يرتفع مستوى مياه البحار لمئات أو آلاف السنين وتختفي الثلوج البحرية فعليا في الدائرة القطبية الشمالية في واحد على الأقل من فصول الصيف خلال الثلاثين عاما المقبلة، ولكن مدى سرعة ارتفاع مستوى البحار ومدى خطورة الظواهر الجوية سيتوقفان على المسار الذي يختار العالم السير فيه.
يشار إلى أنه عند عتبة 1.5 درجة مئوية، ستزداد موجات القيظ والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة بطريقة غير مسبوقة من حيث الحجم والوتيرة والفترة من السنة التي تضرب فيها المناطق المتضررة.