تتصاعد حدة التهديدات الإسرائيلية بالتحرك العسكري المنفرد ضد إيران تزامناً مع استمرار فشل المنظومة الدولية ممثلة بالدول الخمس الكبرى ووكالة الطاقة؛ بالتوصل إلى اتفاق حيال الملف النووي الإيراني.
يشار إلى أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافاييل غروسي” قد أعلن في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أن جهوده التي بذلها خلال زيارته إلى طهران لم تثمر عن أي اتفاق، معرباً عن قلق الوكالة الدولية من القيود المفروضة على عمل مفتشيها منذ شباط الماضي من قبل الحكومة الايرانية، والتي يعتبر أنها تعرقل بجدية أنشطة التحقق التي تقوم بها حول الملف النووي.
تصريحات واستعدادات لما هو قادم
التهديدات الإسرائيلي الجديدة لإيران تأتي بشكل مباشر من قائد سلاح الجو الإسرائيلي “عميكام نوركين”، الذي يؤكد على أن الجيش الإسرائيلي قادر على فعل كل ما هو مطلوب لضمان عدم امتلاك طهران قنبلة نووية، واصفاً إسرائيل بأنها بوليصة التأمين التي تضمن عدم وصول إيران إلى تحقيق طموحاتها النووية واستخدام برنامجها النووي لأغراض عسكرية.
تزامناً مع تصريحات “نوركين” تكشف مصادر إسرائيلية مطلعة عن تحركات غير اعتيادية داخل وحدات الجيش الإسرائيلي، والتي تتضمن رفع مستوى الاستعدادات لامكانية تنفيذ ضربة ضد ايران، مبينةً أن سلاح الجو الإسرائيلي عقد صفقة لشراء 12 مروحية عسكرية من طراز سوبر يسعور CH-53K.
استعدادات الجيش الإسرائيلي وكما تكشفها المصادر تشمل أيضاً شراء مخزون اضافي للقبة الحديدية، إلى جانب المخزون الذي صادقت عليه الولايات المتحدة قبل اشهر وبلغ مليار دولار، مضيفة: “نفذت اتصالات جديدة لشراء قنابل واسلحة دقيقة سرية لسلاح الجو الاسرائيلي بكميات كبيرة، حيث من المتوقع أن تصل التكلفة الاجمالية لكل هذه المقتنيات إلى خمسة مليارات شيكل”.
بالإضافة إلى رفع مستوى التسليح والعمليات القتالية والجهوزية، تؤكد المصادر على أن الجيش الإسرائيلي كثف من عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية، مشددة على أن القيادة العسكرية في إسرائيل تعطي مسألة التهديد الإيراني جدية كبيرة.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، “نيفتالي بينيت” كان قد صرح في وقت سابق، بوجود اتفاق في وجهات النظر بين تل أبيب وموسكو حيال التواجد الإيراني في سوريا، دون التطرق إلى مسألة الملف النووي، الذي تلعب فيه روسيا دور الوساطة بين الغرب وإيران.
حرب الأجواء ومعارك في لبنان
تعليقاً على إمكانية أن تتحرك إسرائيل لمواجهة إيران بشكل منفرد وبقرار أحادي، يقول الخبير الإستراتيجي “عمر شريفي”: “الأوضاع في المنطقة عموماً لا تحتمل وقوع تصعيد عسكري جديد، لأن أي تحرك من هذا النوع سيؤثر على الكثير من المناطق الساخنة سواء في سوريا أو لبنان أو اليمن أو العراق، كونها ساحات تواجد إيراني وستستغلها إيران لمواجهة أي هجوم عسكري ضدها، وهو ما تراهن عليه إيران لمنع أي هجوم ضدها أو ضد منشآتها النووية، ولكن ما يغيب عنها أن إسرائيل لن تلتفت إلى تلك المعادلة في حال وصل خطر إيران النووي إلى مستويات متقدمة”، لافتاً إلى أن التحرك الإسرائيلي هذه المرة لن يكون على مستوى التواجد الإيراني خارج الحدود وإنما على مستوى الاستهداف المباشر للمفاعلات النووية الإيرانية داخل البلاد، على اعتبار أن الحديث يدور عن خطر نووي وليس خطر انتشار النفوذ في دول الإقليم.
كما يشير “شريفي” إلى أن الهجوم الإسرائيلي المحتمل سيقتصر على ما يبدو على توجيه ضربات جوية مركزة ضمن بنك أهداف محدد، دون الوصول إلى مراحل الاشتباك المباشر من خلال تنفيذ عمليات إنزال بري و ما شابه، لافتاً إلى أهمية المقارنة بين القدرات العسكرية الجوية والصاروخية الإسرائيلية وبين نظيراتها الإيرانية.
ويضيف “شريفي”: “في العرف العسكري، يكسب المعركة من يتمكن من السيطرة على الأجواء، وهنا يمكن القول إن إسرائيل تمكنت خلال السنوات الثلاثين الماضية من بناء منظومة هجومية ودفاعية متطورة جداً، خاصة مع إدخال الجيش الإسرائيلي لما يعرف بـ مقلاع ديفيد الخاص بالتصدي للصواريخ متوسطة المدى، بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي القادر على إسقاط وابل من الصواريخ الباليستية”، لافتاً إلى أن إيران في ذات الوقت تمتلك ما يصل إلى 400 صاروخ بالستي قادر على الوصول إلى تل أبيب، إلا أن المشكلة بالنسبة للإيرانيين تكمن في ناحيتين، الأولى هي متانة الدفاعات الجوية الإسرائيلية والثانية هي ضعف الكوادر البشرية الإيرانية في التعامل مع هذا النوع من الصواريخ، وخير دليل ما حدث في قضية الطائرة الأوكرانية في عام 2020، على حد قوله.
في ذات السياق، يستبعد الخبير العسكري، “رائد السالم” إمكانية انتقال المواجهات بين إسرائيل وإيران إلى دول أخرى لا سيما سوريا، لافتاً إلى أن الوجود الروسي في البلاد سيمنع مثل ذلك التحرك، الذي يهدد نفوذ موسكو على الأراضي السورية.
ويعتقد “السالم” أن الموجهات في حال انتقالها إلى مكان آخر فإنه سيكون لبنان، الذي تحول خلال السنوات العشرين الماضية إلى الساحة الرئيسية للمواجهات بين الطرفين من خلال ميليشيات حزب الله اللبنانية المدعومة إيرانياً، مشيراً إلى أن القوة الصاروخية لحزب الله وقوته البشرية تفوق بكثير ميليشيات إيران في سوريا والتي شكلت على عجل، موضحاً أن “الحديث هنا عن الناحية العسكرية فقط وليس عن الناحية السياسية، حزب الله عسكرياً وعلى الرغم من كل الخسائر التي تلقاها في سوريا خلال 10 سنوات من الحرب إلا انه ما يزال قادراً على إزعاج إسرائيل على الحدود الجنوبية من لبنان، خاصة وانه يمتلك عناصر مدربة بشكل جيد وترسانة صاروخية لا يستقل بها، وهو ما يرشح إمكانية دخوله إلى خط المواجهة في حال مهاجمة إيران، بغض النظر عن الأضرار الكارثية التي ستلحق بلبنان نتيجة ذلك التصرف”.
يشار إلى أن معلومات إستخباراتية إسرائيلية كانت قد كشفت في وقتٍ سابق عن امتلاك الحزب نحو 150 ألف صاروخ تقريبا، بما في ذلك المئات من الصواريخ الدقيقة القادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي.
الخروج بأقل الخسائر ووجهة نظر داخلية
بعيداً عن القدرات العسكرية وتوازنات القوى، يعتبر المحلل السياسي، “جاسم حمد الله” ان إيران ستمتص أي هجوم إسرائيلي على مفاعلاتها النووية طالما أن الخسائر ستكون مقتصرة على البرنامج النووي دون الدخول في عمليات عسكرية من شانها إسقاط النظام الحاكم في إيران، لافتاً إلى أن إسرائيل ستعتمد في قرار توجيه ضربات عسكرية لإيران على ضعف الجبهة الداخلية للنظام الإيراني وقلقه من إمكانية استغلال المعارضة لأي توتر عسكري للانقضاض عليه وإسقاطه.
ويضيف “حمد الله”: “النظام الإيراني يدرك تماماً أن قيام حرب مفتوحة مع إسرائيل قد يعني سقوط تلقائي لعدد كبير من مؤسساته بما فيها المؤسسة العسكرية، من خلال حالات الانشقاق المحتملة، وهنا يمكن القول بأن وضعية النظام الإيراني في حال الدخول في مثل هذه المواجهة لن تكون بأفضل من حال النظام السوري بعد قيام الثورة السورية 2011″، مشيراً إلى وجود شرائح واسعة من الشعب الإيراني وبالأخص من الأقليات، ترفض النظام القائم وكل سياسته جراء ما تعانيه من اضطهاد.
كما يشير “حمد الله” إلى أن حالة الاختراق الإسرائيلي لمستويات عليا في النظام الإيراني ومشاركة عناصر في الحرس الثوري بعمليات اغتيال طالت مسؤولين بارزين في النظام، بينهم “فخري زادة”، أكبر مسؤولي الملف النووي، تعكس حالة التصدع والضعف الداخلي للنظام، والتي تمنعه من الدخول في مواجهة واسعة مع إسرائيل.
يذكر أن الرئيس الإيراني الأسبق، “محمود أحمدي نجاد” كان كشف في وقتٍ سابق، أن مدير مكافحة التجسس في وزارة الاستخبارات الإيرانية كان عميلاً للموساد الإسرائيلي، لافتاً إلى أن قوة النفوذ الاستخباراتي الإسرائيلي في إيران ساعدت الموساد على الاستيلاء على أهم الوثائق النووية والفضائية من مراكز حساسة.