هيئة التحرير
مع اتهامه من قبل المتظاهرين بالوقوف وراء أزمات العراق طوال 17 عاماً ماضية، توجه الحكومة العراقية تهمةً جديدة للنظام الإيراني، بسرقة الثروة المائية، في تطورٍ هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق، “صدام حسين”.
وتأتي الاتهامات الجديدة بالتزامن مع مساعي يبذلها رئيس الحكومة، “مصطفى الكاظمي” للحد من التدخلات الإيرانية في الشؤون العراقية والتخفيف من سلطة الميليشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
ثروات مسخرة ونظام ميليشيوي
في ظل التطورات الراهنة، ومع ما يشهده النفوذ الإيراني من انتكاسات في العراق، يشير الباحث في الشؤون الإيرانية، “محمد رضا” لمرصد مينا، إلى أن التفكير الشعبوي للنظام الإيراني؛ يعتبر الأراضي والثروة العراقية بكامل مجالاتها، مسخرة لخدمته وجزءاً من حديقته الخلفية الممتدة من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا، لافتاً إلى النظام الميليشيوي الطائفي، الذي خلف النظام العراقي السابق، كان حجر الزاوية في نهب إيران لكل مقدرات البلاد وثرواتها.
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد العراقية، قد اتهم أمس السبت، إيران بتحويل مياه الأنهار إلى بحيراتها، وأنها تعمدت خفض منسوب مياه الأنهار العراقية تحديداً نهري سيروان والزاب بنسبة وصلت إلى 2 متر مكعب في الثانية.
إلى جانب ذلك، يؤكد “رضا” في تصريحاته لمرصد مينا، بأن سرقة المياه ليست إلا جزء من سياسة قرصنة تتبعها إيران منذ 17 عاماً، لكل ما هو ملك للعراق والعراقيين، ما أدى إلى تأثر المحصول الزراعي العراقي والثروة السمكية، ودفع الحكومات المتتالية إلى تعويض ذلك النقص، عبر رفع نسبة الاستيراد من إيران، مضيفاً: “ما كانت تسرقه إيران كانت الحكومات في العراق تعيد شراءه من طهران”.
وسبق لوزراة الموارد العراقية التأكيد بأن سياسة السرقة الإيرانية للمياه أدت إلى ضرر كبير للعراق خاصة على نهر ديالى، ومشروع ري كركوك، بالإضافة إلى نقص كبير جداً في نهر سيروان من 47 متراً مكعباً في الثانية إلى سبعة أمتار مكعبة في الثانية.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي العراقي، “مصطفى الدليمي” أن تصريحات وبيانات الوزارة العراقية كفيلة بفضح نظرة إيران للعراق وللرد على أبواقها والمدعومين منها، الذين يتهمون المتظاهرين بأنهم عملاء سفارات، مشيراً إلى أن الشعب العراقي وطيلة قرابة عقدين يعيش الويلات من الفقر والجهل وتراجع الخدمات والبطالة، بسبب تطويع حكومات العراق المشكلة في إيران، على حد وصفه، للثروة النفطية والمائية والزراعية وحتى مجالات الاقتصاد والسياسة، لخدمة المشروع الإيراني ومساعدة نظام طهران على تجاوز العقوبات الاقتصادية.
ويشهد العراق منذ تشرين الأول الماضي، مظاهرات عارمة تحديداً في العاصمة بغداد والجنوب الشيعي، رفضاً للوصاية الإيرانية، والأوضاع المعيشية الصعبة، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى أكثر من ربع السكان، في دولة تعتبر من أكبر الدول بالاحتياطي النفطي على مستوى العالم.
مصالح اقتصادية وأسوق خلفية
بعيداً عن الأولويات السياسية والمشروع التاريخي للنظام الإيراني، يشدد الباحث الاقتصادي “زكوان عبد الدايم”، على أن إفقار العراق وضرب قدراته الاقتصادية تمثل مصلحة غاية في الأهمية بالنسبة لإيران، على اعتبار أنها فتحت أبواب الأسواق العراقية على مصراعيها، أمام البضائع الإيرانية، خاصةً في ظل العقوبات الاقتصادية الخانقة، التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.
وكانت العقوبات الأمريكية قد تسببت فقط خلال الفترة الممتدة من صيف 2018 وحتى مطلع العام 2020، بخسائر للاقتصاد الإيراني وصلت إلى 50 مليار دولار أمريكي، بحسب المبعوث الأمريكي السابق إلى إيران، “براين هوك”.
كما يشير الباحث “عبد الدايم” إلى أن العراق لو كان يعيش في حالة الدولة الطبيعية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لكان الاقتصاد الإيراني قد انهار تماماً، وكان الدولار الأمريكي قد وصل إلى ما يتجاوز مليون ريال إيراني، واصفاً حالة الفوضى وعمليات التهريب ونهب الخيرات العراقية بما فيها المياه، بأنها كانت بمثابة شريان الحياة للاقتصاد في إيران.
وسبق لتقارير أمريكية، الكشف عن أن إيران تمكنت من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، وتأمين السيولة النقدية من خلال عمليات تهريب النفط عبر الحدود مع العراق، في حين كانت إدارة الرئيس الامريكية السابق، “باراك أوباما” قد أكدت أن مصارف إيرانية معاقبة أمريكياً عقدت صفقات بعشرات الملايين عبر مصارف عراقية.
الحديث عن مصالح إيران في تعميق الفساد داخل العراق ونهب الثروات العراقية، يربطها الباحث الاقتصادي، “مروان خير الله” بقدرة العراق على تأمين شيء من الاكتفاء الذاتي، موضحاً: “لفهم الموقف أكثر يجب أن نوسع دائرة النظر لسياسات إيران في العراق إلى ما هو أكبر من سرقة المياه، والتي هي جزء من تلك السياسية، فقيام العراق ونهوضه في ظل ما يمتلكه من ثروات، كان سيشكل خطر على انسياب المواد والصادرات الإيرانية إلى السوق العراقية، وهناك حقيقة لا يمكن إخفاءها، بأن شبع إيران قائم طيلة 17 عاماً على جوع العراق، وهذا ما يفسر حال العراقيين اليوم”.
في السياق ذاته، يؤكد “خير الله” لمرصد مينا، أن المشروع الإيراني من الناحية الاقتصادية ارتبط بشكل وثيق بتوليفة من الفاسدين داخل أجهزة الحكومة والدولة العراقية، منعت أي نهضة أو ثورة اقتصادية وتنموية، مشيراً إلى أن تلك الطبقة تشكلت من خليط رجال الدين والسياسة والاقتصاد والعسكر.
ووفقاً لبيانات شبه رسمية، فإن الفساد أضاع على الخزينة العراقية ما يصل إلى 500 مليار دولار أمريكي منذ سقوط النظام السابق وحتى مطلع العام الحالي.
خلاصات منطقية ومستقبل محفوف بالمخاطر
اعتماداً على ما يشكله العراق أو حالة الفساد في العراق ونهب ثرواته من أهمية قومية بالنسبة للنظام الإيراني القائم حالياً، يعتبر الباحث في الشؤون الإيرانية، “محمد رضا” أنه من المنطقي جداً، أن تصعد إيران بكامل الأساليب والأدوات لمنع خروج العراق من تحت عباءتها، حتى وإن اضطرت إلى إشعال حربٍ أهلية قد يذهب ضحيتها الملايين.
وسبق للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، “علي خامنئي” أن شن قبل أشهر هجوماً على المتظاهرين العراقيين، متهماً إياهم بالعمالة، في حين وصفتهم مرجعيات شيعية إيرانية بأنهم “شيعة الإنكليز”، بالتزامن مع نشر وكالات أنباء إيرانية شبه رسمية، العام الماضي قائمة بالناشطين العراقيين، الذين اتهمتهم بالتعامل مع السفارة الأمريكية.
كما يحذر “رضا” من أن العراق بالنسبة لإيران يشكل مسألة حياة أو موت، وهو ما يجعل مستقبل البلاد محفوف في المخاطر، خاصةً مع وصول “مصطفى الكاظمي” إلى منصب رئيس الحكومة، وشروعه بالعديد من الخطوات، التي حدت من السطوة الإيرانية في الملف العراقي.
وكانت عدة ميليشيات عراقية بينها فيلق بدر وجيش المهدي وتشكيلات تابعة للحشد الشعبي، قد نفذت عدة هجمات ضد خيام المعتصمين، كان آخرها مساء الجمعة الماضي في مدينة ذي قار، وسط اتهامات متصاعدة للميليشيات بقتل واستهداف الناشطين والمسؤولية عن حملات الاغتيال التي طالت المعارضين والمتظاهرين، بأسلحة مزودة بكاتم صوت.