مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية، مثلت آليات التعامل الأمريكي مع التهديدات الإيرانية محل نقاش لدى الكثير من الساسة ومراكز الأبحاث، خاصةً مع امتداد ذلك التوتر إلى حد الاستهداف المباشر المتبادل بين الطرفين، على أعقاب عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني العميد “قاسم سليماني”، بغارة أمريكية استهدفته بالعاصمة العراقية بغداد مطلع العام.
في ظل تلك التحليلات والخيارات، أشار تقرير صادر عن مركز الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، إلى أن ما وصفه بـ “المنطقة الرمادية”، هو من أحد الخيارات، التي من الممكن ان تلجأ لها الإدارة الأمريكية للتعامل مع شبكة الميليشيات الإيرانية المنتشرة في الشرق الأوسط وتحديداً في كل من سوريا والعراق، والذي اعتبره من أنجح الخيارات المطروحة حالياً.
وذهب التقرير في حكمه، إلى الاستشهاد بالتجربة الإسرائيلية، من خلال شن طيرانها الحربي لغارات غير معلنة ضد مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أن تل أبيب استهدفت الميليشيات في سوريا بأكثر من 200 غارة جوية بأكثر من 2000 صاروخ، موضحةً أن إسرائيل نجحت في تجنب التصعيد العسكري مع إيران، من خلال استراتيجية الغارات غير المعلنة.
من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن الفرق بين السياسية الإسرائيلية ونظيرتها الأمريكية في سوريا، تجسدت في تركيز الحكومة الإسرائيلية على تتبع النفوذ الإيراني والحد منه، وفقاً لما تمتلكه من معلومات استخباراتية كبيرة حول تلك المسألة، في حين انصب التركيز الأمريكي على محاربة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ضمن عمليات التحالف الدولي، المستمر منذ عام 2014 في كل من العراق وسوريا.
من جهته، اعتبر المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، وأحد معدي التقرير “إيلان غولدنبرغ” أن الاستراتيجية الإسرائيلية تمكنت من دفع النفوذ الإيراني في سوريا إلى الوراء مع تقليل فرصة اندلاع حرب شاملة في المنطقة بشكل كبير، في حين تقوم إدارة الرئيس “دونالد ترمب” بمواجهة أكثر وضوحاً مع إيران.
ويأتي التقرير الأمريكي الجديد، بعد أن اتجه الكثير من الخبراء والمحللين خلال الفترة الماضية للحد عن الحرب غير العسكرية، حيث الكاتبة السعودية “تواصيف المقبل” أن الولايات المتحدة قد تعلمت الدرس من النموذج العراقي، وانها باتت تسعى لتجنب استراتيجية إثارة الفوضى كأداة لمواجهة النفوذ الإيراني، مضيفةً: “الفوضى قد تُنذِر بإعادة ترتيب القوى العُظمى الفاعلة في المنطقة، وقد تكون هذهِ القوى هي الصين التي قد تلجأ إلى استخدام قواها الاقتصادية الناعمة وحتى الصلبة إذا تطلب الأمر”.
كما أردفت “المقبل”: “يبدو أن الخيار الواقعي والناجع الذي يمكن أن تتبناه الولايات المتحدة حالياً هو إضعاف النظام الإيراني عن طريق ضرب اقتصاده”، معتبرةً أن سياسية الإدارة الامريكية الحالية قامت على تجفيف منابع العملات الصعبة التي يحصل عليها النظام الإيراني، وأنها أثبتت نجاحها، حيث استهدفت الولايات المتحدة النفط بشكل مباشر.
من جهة أخرى، ارتبطت الدعوات لاتباع الولايات المتحدة سياسة مواجه غير مباشرة مع إيران، بتقارير إعلامية وأبحاث أشارت إلى أن النظام الإيراني في الفترة الحالية بات أكثر استعداداً للقيام بمجازفة عسكرية في المنطقة، وفقاً لما ذكره موقع ستراتفور الأمريكي في تقريرٍ له بعنوان: “المواجهة الإيرانية-الأمريكية في العراق تحتدم”، احتمالات التصعيد ومخاطره على الدول الثلاثة العراق والولايات المتحدة وإيران، مستشهداً بسلسلة الهجمات والهجمات المضادة، الحاصلة في العراق بين الجيش الأمريكي والميليشيات الإيرانية، والتي تخللها ضربات الجوية الأمريكية ضد مواقع كتائب حزب الله العراقي وما تلاها من تصعيد ومحاولة اقتحام السفارة في بغداد من جانب الحشد الشعبي المدعوم إيرانياً.