وسط انتشار الأمراض وغياب الأدوية وندرة العديد من المنتجات الغذائية الأساسية، وخاصة الخبز، تحذر منظمات إغاثية وحقوقية سورية من أزمة إنسانية غير مسبوقة في سوريا، تزامناً مع دخول فصل الشتاء، خاصةً مع فقدان وقود التدفئة وارتفاع أسعار الكهرباء وانقطاعها شبه المستمر.
يشار إلى أن النظام السوري قد أصدر قبل أسابيع قليلة، قراراً برفع أسعار عدة حوامل الطاقة، وسط تراجع كميات الوقود المعروضة في المحطات، ما تسبب بتكدس مئات السيارات أمام تلك المحطات، بحسب ما أظهرته صور بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدائل كارثية ومخصصات لم تصل منذ ثلاثة أشهر
ملامح الأزمة القادمة، بدأت بحسب ما يكشفه الناشط السوري، “أبو عماد”، منذ أشهر، مشيراً إلى أن العديد من السوريين قدموا طلبات للحصول على حصتهم من المازوت المدعوم، والمقدرة بـ 200 ليتر، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنهم إلى الآن لم يستلموا تلك الحصة، على الرغم من دخول فصل الشتاء.
كما يشير الناشط “أبو عماد” إلى أن حالة غلاء الأسعار وانخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة، تحد من قدرة المواطنين على شراء الوقود غير المدعوم سواء من المحطات أو من السوق السوداء، ما أجبرهم على انتظار حصصهم، التي قد لا تأتي قبل حلول الصيف.
يشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية التابعة للنظام رفعت في نهاية تشرين الأول الماضي، أسعار لتر المازوت من 180 ليرة إلى 650 ليرة سورية، ولتر البنزين أوكتان 95 من 850 إلى 1050 ليرة، وهو ما اعتبر إرهاقاً للمواطن السوري، الذي لا يتجاوز دخله 30 ألف ليرة سورية شهرياً.
أما عن البدائل المتاحة للتدفئة، يؤكد الناشط “أبو عماد” أنها شبه معدومة في ظل الظروف الحالية، مشيراً إلى أن الكهرباء تعاني من انقطاعات مستمرة والحطب غير متوفر بسبب سيطرة مافيات معينة على تجارته وبيعه، ما أدى إلى ارتفاع سعر طن الحطب إلى ما يتراوح بين 150 إلى 200 ألف ليرة سورية، بعد أن كانت تباع العام المضي بـ 60 ألف ليرة سورية.
إحصائيات الأمم المتحدة كانت قد كشفت أن 83 بالمئة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، وأن آلاف الأسر السورية تعتمد في حياتها على المساعدات المقدمة لها من الجمعيات الإغاثية.
نهب متعدد الجوانب وتجار في السوق السوداء
تعليقاً على أزمة الوقود والتدفئة، يؤكد مصدر خاص في محافظة ريف دمشق، لمرصد مينا، أن الأزمة الحالية بأحد أوجهها، هي أزمة مفتعلة من قبل النظام السوري، لافتاً إلى أن النظام لم يقدم أي حلول للأزمة سوى رفع الأسعار وتخفيض الكميات المعروضة في محطات الوقود، رغم وجود بدائل أخرى، كالحصول على الوقود الإيراني، حتى وإن تم ذلك بطرق غير قانونية.
وأرجع المصدر خطوة النظام إلى عدة أهداف، بينها أهداف سياسية للضغط باتجاه إجبار الولايات المتحدة رفع عقوبات قيصر تحت ضغط الاحتياجات الإنسانية وتحميلها مسؤولية ما يعيشه الشعب السوري، بالإضافة إلى أسباب اقتصادية لإجبار المواطنين على التوجه للسوق السوداء والخيارات البديلة للتدفئة والتي تسيطر عليها مافيا تابعة له ومقربة منه، ما يؤمن للنظام دخلاً مالياً إضافياً.
كما كشف المصدر عن وجود قنوات تسهل وصول المحروقات من مخازن الدولة لبعض تجار السوق السوداء، مشدداً على أن المطروح في السوق السورية من وقود، هو الفائض عن حاجة تجار السوق السوداء ومخازنهم.
يذكر أن سعر ليتر المازوت في السوق السوداء تراوح خلال الأسابيع القليلة الماضية بين 1000 إلى 1150 ليرة سورية، بحسب ما أكده مواطنون سوريون لمرصد مينا، في حين كان يصل إلى 400 ليرة سورية خلال الصيف وقبل رفع أسعار وقود قبل نحو شهر.
إلى جانب ذلك، يبين المصدر أن حصص التدفئة قدرتها حكومة النظام بـ “200 لتر مازوت للعائلة، في حين أن الدراسة، التي تمت تظهر أن حاجة العائلة لا تقل عن 600 لتر، ما يعني أن المواطن حتى وإن حصل على حصته فإنه سيبقى مضطراً لتأمين 400 لتر على الأقل عبر السوق السوداء، موضحاً: “ذلك جزء من اللعبة، التي يمارسها النظام وتجاره”.
الموت برداً عنوان عريض لشتاء قادم
نظراً لارتفاع نسبة الدمار في معظم المدن السورية، والتي وصلت في بعض المناطق إلى 90 بالمئة من أبنتيها السكنية، تحذر الطبيبة “روان مكي”، من ارتفاع معدلات الوفيات جراء البرد في سوريا لهذا العام، مشيرةً إلى أنه سيكون الشتاء الأكثر قسوة على السوريين والأكثر إزهاقاً لأرواحهم.
وبينت “مكي”، أن تعرض السوريين للبرد الشديد سيزيد من فرص إصابتهم بنزلات البرد وأمراض الشتاء، والتي قد تتزواج مع فيروس كورونا المستجد، كوفيد19، المنتشر في البلاد، ما يجعله أكثر خطراً وفتكاً، بحسب ما توصلت له آخر الأبحاث الطبية حول الوباء التاجي.
يشار إلى أن سوريا تعاني من ارتفاع كبير في معدلات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا المستجد، وسط اتهامات للنظام بالتعتيم على الأرقام الحقيقية، التي قد تصل إلى ضعفي الأرقام المعلنة، وفقاً لمنظمات طبية دولية.
في السياق ذاته، توضح “مكي”، الكثير من الأسر السورية تفتقد للمأوى وتعيش في أماكن مفتوحة نصف مدمرة، خاصةً في المدن وعلى أطرافها، لافتةً إلى أنهم سيكونوا هذا العام أكثر عرضة للأخطار الناجمة عن البرد القارس، لا سيما وأن كافة وسائل التدفئة غائبة هذا العام، بما فيها الوسائل غير الصحية، كتفل الزيتون أو قشور الفستق.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد أعلنت عن إحصائية وثقت فيها وفاة 167 شخصاً بينهم 77 طفلاً، بسبب البرد منذ عام 2011.
كما ترجح “مكي” أن يتجاوز عدد الوفيات في سوريا خلال الشتاء الحالي، معدلات الوفيات المسجلة في البلاد بشكل كامل منذي عام 2011، مشيرةً إلى أن الأطفال وكبار السن سيكونوا الأكثر تأثراً من موجات البرد، تحديداً في المناطق القريبة من الجبال ومنطقة البادية.
من جهتها، تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وجود 3 ملايين سوري في كافة أنحاء البلاد، سواء تحت حكم النظام أو في مناطق سيطرة المعارضة، يحتاجون إلى مساعدات عاجلة هذا الشتاء، مؤكدةً أن 6.7 مليون شخص يفتقرون إلى المأوى المناسب، وكافة مستلزمات التدفئة من بطَّانيات ووقود للتدفئة.