هيئة التحرير
“لا حلول في لبنان ببقاء حكومة حزب الله”، ملخص زيارة وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لورديان”، الأخيرة إلى لبنان، وهو ما يفسر بحسب وجهة نظر المحلل السياسي، “أحمد عيتاني”، حدية رئيس الحكومة اللبنانية، “حسان دياب”، وهجومه المتكرر خلال الأيام القليلة الماضية، على الزيارة وعلى الوزير الفرنسي.
وكان “دياب” قد أطلق عدة تصريحات اتهم فيها “لورديان” بعدم امتلاك صورة كافية عن الإصلاحات في لبنان، وأنه جاء إلى بيروت دون أن يحمل أي جديد.
ملخص الرسالة
حدية “دياب” تجاه زيارة الوزير الفرنسي، لم ترتبط كما يراه “عيتاني”، بعدم حمل “لورديان” الأموال، التي كانت تطمح الحكومة بالحصول عليها، وإنما في ملخص الرسالة، التي حملها نيابةً عن المجتمع الدولي، والتي تفيد بأن لا حلول ولا مساعدات ولا قروض في ظل استمرار الحكومة الحالية، ما جعل “دياب” يشعر بأن المجتمع الدولي يسعى لإسقاط حكومته ويقف على الجهة المقابلة له، كما يقول “عيتاني”.
وصرح الوزير الفرنسي خلال زيارته الأسبوع الماضي، في مؤتمر صحافي، عقب اجتماعه مع مسؤولين لبنانيين، بأن على الحكومة اللبنانية مساعدة نفسها ليساعدها المجتمع الدولي، من خلال تبني خيار الحياد الإقليمي ومحاربة الفساد والعمل على استعادة سلطة وهيبة الدولة.
في هذا السياق، يلفت الخبير في الشؤون اللبنانية، “عبد الله فتفت” إلى أن الشروط التي طرحها “لورديان” يمكن اختصارها بشرط واحد وهو إسقاط الحكومة الحالية كلياً، وإسقاط سلاح حزب الله، على اعتبار أن الحزمة قائمة أساساً على تلك العوامل، وعلى رأسها دعم حزب الله، الذي يمنع ترسيخ مسألة الحياد واستعادة هيبة الدولة والانفصال عن إيران، بالإضافة إلى محاربة الفساد، كونه أحد اللاعبين الأساسيين في عمليات تهريب الأموال والتلاعب بأسعار صرف الليرة، إلى جانب تأمينه الحماية الكاملة للمحسوبين عليه من أي مساءلة أو مقاضاة.
ويدير حزب الله مجموعة معابر غير قانونية بين سوريا ولبنان، يستخدمها في علميات تهريب العملة الصعبة والحشيش والأسلحة، والتي رفض إغلاقها بناءا على شروط صندوق النقد الدولي لمنح الحكومة اللبنانية قرضاً بـ 20 مليار دولار، ما دفع الصندوق لرفض الطلب اللبناني.
خيارات السهل الممتنع
أمام قراءة رسالة المجتمع الدولي، التي حملها “لودريان”، يشير المحلل “عيتاني”، إلى أن الخيارات لحل الأزمة في لبنان باتت سهلة ومعروفة، وهي استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة يرأسها زعيم تيار المستقبل، “سعد الدين الحريري”، لافتاً إلى أن “الحريري” يمتلك دعماً دولياً كبيراً خاصةً من الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يسهل عملية عودة المساعدات المالية والقروض إلى الحكومة.
كما يشير “عيتاني” إلى أن رسالة “لودريان” وضعت لبنان واللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول دولة محاصرة تكون نسخة عن إيران، والثاني دولة منفتحة على المجتمع الدولي تعيد إلى لبنان وصف “باريس الشرق” و”سويسرا الشرق”، لافتاً إلى أن الفيصل بين الخيارين، هو الإطاحة بحكومة “دياب” أو بمعنى أدق إسقاط حزب الله من المعادلة السياسية.
وكان لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى مطلع الألفية الحالية، يعتبر سويسرا الشرق بسبب تحوله إلى مركز النشاط المصرفي الإقليمي، وحصوله على دعم مالي وسياسي، خاصة خلال فترة تولي “رفيق الحريري” منصب رئاسة الحكومة مطلع التسعينيات، ما ساهم في عملية إعادة إعمار العاصمة بيروت.
على الرغم من تأييده لمسألة أن الإطاحة بالحكومة الحالية هي الخطوة الرئيسية في حلحلة مشاكل لبنان، إلا أن الخبير “فتفت”، يعتبر أن المسألة ليست بتلك السهولة، خاصة وأن خيار إقالة “دياب” وعودة “الحريري”، يعني خطوة أولى ومهمة للحد من نفوذ حزب الله على الحكومة، وهو ما لا يتقبله الحزب، لا سيما وأنه سيظهر بمظهر الفاشل في تحدي إدارة البلاد ويؤثر على صورته أمم حاضنته الشعبية.
إلى جانب ذلك، يشير “فتفت” إلى أن حزب الله لن يترك الحكومة طالما أن لديه ربع أمل للمراوغة، خاصةً وأن حساباته السياسية لا تعطي الأوضاع المعيشية والاقتصادية للبلاد أولوية أمام السيطرة والسطوة، إلى جانب أن القرار لا يأتي بشكل مباشر من الحزب وإنما بتوجيهات من إيران، مضيفاً: “إذا كانت إيران لا تأبه بمصير شعبها، فكيف ستأبه بمصي اللبنانيين”.
كل شيء فوق لبنان
بعيداً عن شخص “دياب”، فحالة الترويكا الحاكمة في لبنان، المكونة من حزب الله وحركة أمل والتيار العوني، تمثل وفقاً لرأي المحلل السياسي “حسام يوسف”، المعضلة الأساسية أمام الحل والعودة إلى الحضن الدولي، مشيراً إلى أن تلك الترويكا تربطها مجموعة مصالح بعيدة عن مصلحة لبنان.
ويضيف “يوسف”: “التيار العوني يسعى للاستئثار بالمناصب المسيحية وتحويل منصب الرئاسة لمنصب عوني خالص، كما هو الحال في منصب رئاسة البرلمان، المحتكر لحركة أمل منذ عام 1990، كما أن حزب الله يسعى لترسيخ سطوته على الحكومة من خلال واجهة سنية كما هو حال دياب، تلك المصالح تدفع الأطراف الثلاثة إلى وضع كافة اعتبارتها وسياساتها فوق لبنان واللبنانيين”.
وكان الرئيس “ميشال عون” قد مهد قبل أسابيع إلى إمكانية ترشيح صهره، رئيس التيار الوطني الحر، “جبران باسيل” لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات عام 2023، في حين اتهم الشريك المسيحي في الحكومة، زعيم تيار المردة، “سليمان فرنجية”، التيار العوني بالانفراد بالمناصب المسيحية، مهدداً بالانسحاب من الحكومة.
إلى جانب ذلك، يؤكد “يوسف” أن نجاح “باسيل” في الوصول إلى كرسي الرئاسة، واستمرار الظروف الراهنة، يعني صومال جديد في لبنان من الناحية الإنسانية، في إشارة إلى تعمق المأساة اللبنانية وتأزم الأوضاع المعيشية، لافتاً إلى أن ذلك السيناريو يعني أن لبنان رسميا بات معزول دولياً، وأن الخيار للخروج من الأزمة بات محصور بحرب أهلية تنهي سطوة الترويكا الحاكمة.