بعيد نحو 10 سنوات من انطلاق الثورة السورية ضد نظام “بشار الأسد”، يكشف الرئيس السابق للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، الدكتور “جواد أبو حطب” عن مأساة إنسانية في شمال غرب سوريا، تتمثل بوجود نحو 200 ألف طفل يتيم من أصل نحو مليون ونصف المليون طفل موجودين في المنطقة، مع 45 ألف أرملة.
إلى جانب ذلك، يوضح “أبو حطب” في تصريحاته، أن الأزمة تتعمق بشكل كبير في ظل عدم وجود معيل لأولائك الأطفال والنساء، وهو ما يأتي تزامناً مع اقتراب دخول فصل الشتاء.
وتخضع منطقة شمال غرب سوريا وتحديداً أرياف إدلب وجزء من أرياف مدينة حلب، لسيطرة المعارضة السورية، والتي شهدت خلال الأشهر الماضية من العام الحالي، موجة نزوح كبيرة، بسبب العملية العسكرية، التي شنها النظام السوري ضد ريف إدلب نهاية العام 2019.
مساعدات من الخارج ..ومرصد مينا داخل المنطقة
تزامناً مع تصريحات “أبو حطب” يدخل مرصد مينا إلى مناطق سيطرة المعارضة للوقوف على الحالة الإنسانية، حيث تشير السيدة “أم سعيد” في حديثها مع المرصد، إلى أنها فقدت زوجها وابنها الأكبر خلال الثورة، منذ قرابة ست سنوات، مضيفةً: “أعيش أنا وطفلي الأصغر البالغ من العمر حالياً 16 عاماً أوضاعاً صعبة جداً، فقبل نزوحنا الأخير باتجاه الحدود التركية، كان ابني يعمل في ورشة مكانيك على الرغم من صغر سنه كي نتمكن من الاستمرار في الحياة، اما اليوم فإبني بلا عمل ونحن الاثنين بلا معيل”.
إلى جانب ذلك، توضح “أم سعيد” إلى أن عمل ابنها في ذلك الوقت لم يكن يكفي إلا لتسديد أجارات السكن، موضحةً أنها كانت تعتمد أيضاً على ما يرسله لها من وصفتهم بـ “أهل الخير” من السوريين في الخارج، من أموال كانت تساعدها على تأمين نفقات الطعام.
وبحسب إحصائيات صادرة عن الفرق الإغاثية العاملة في المنطقة فإن 185 ألف شخص يعيشون في 1290 مخيمًا، منها 911 مخيمًا نظاميًا و382 مخيمًا عشوائيًا، في حين يصل عدد النازحين ككل إلى مليون وخمسين ألف نازح.
مع تصاعد الهجمة العسكرية وتزايد أعداد النازحين في مخيمات المطقة، تؤكد “أم سعيد” أنها لم تعد تتلقى سوى كميات بسيطة جداً من المساعدات الإنسانية، مشيرةً إلى أنها وابنها لا يملكون حالياً سوا الدعاء لله بالفرج.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في شمال سوريا، قد كشف في وقتٍ سابق، أن المساعدات الإنسانية الواصلة إلى شمال سوريا تمثل المصدر الرئيسي لمعيشة نحو ثلاثة ملايين شخص.
عمالة تنتهك الطفولة
في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية وفقدان المعيل، يشير “أحمد” العامل في مجال الإغاثة إلى أن عمالة الأطفال كانت البديل الوحيد لتأمين لقمة العيش في منطقة شمال غرب سوريا، لا سيما مع استحالة عبور النازحين باتجاه الأراضي التركية بسبب إغلاق الحدود، لافتاً إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة حول تلك الظاهرة في ظل غياب الأجهزة المختصة والبيانات الدقيقة.
كما يلفت “أحمد” إلى أن تلك الأعمال انتهكت الطفولة السورية بشكل لا يمكن وصفه، مع اضطرار الأطفال للعمل في مجالات أكبر من أن تحتملها أجسادهم الضعيفة، ولساعات طويلة، مبيناً أن البعض منهم عمل في حصد المزروعات وبعضهم في أعمال صيانة السيارات وبعضهم الآخر في مجال العتالة والنقل.
يشار إلى أن ظاهرة عمالة الأطفال، بدأت منذ سنوات طويلة تجتاح المجتمع السوري ككل، سواء في مناطق سيطرة النظام أو في مناطق المعارضة، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 200 ألف طفل سوري عامل في مهن تفوق مرحلتهم العمرية.
في السياق ذاته، يشير “أحمد” إلى أنه في كثير من الأوقات ما يتعرض الأطفال إلى العنف النفسي أو الجسدي من قبل أصحاب العمل، بسبب التأخر في تنفيذ الأعمال أو وجود أخطاء في العمل، مشيراً إلى أن تلك المعاملة كثيراً ما تؤثر على نفسية الطفل وسلوكياته.
جيل ضائع في طاحونة الحرب
تعليقاً على ما يعيشه أطفال سوريا، بشكل عام من أزمة إنسانية وتربوية، يؤكد الباحث في علم نفس الطفل، “فداء الأسعد” إلى أن سوريا فقدت جيل كامل من أطفالها، بسبب العمالة والحرمان من التعليم والتعرض للعنف المباشر وغير المباشر، لافتاً إلى أن إعادة تأهيل الأطفال باتت تتطلب جهود ضخمة ومتطلبات قد لا تتوفر في المستقبل القريب.
كما يبين “الأسعد” أن ما شهدته البلاد ككل من ظواهر إدمان الأطفال أو انخراطهم في أعمال التسول أو السرقة أو استغلالهم بأشكال غير قانونية، كانت نتيجة لما مروا به من ظروف استثنائية، في ظل فقدان الأبوين أو المعيل أو العمالة في بيئة غير صحية بعيدة عن الرقابة، مشيراً إلى أن سوريا أمام جيل أكله الجهل والظواهر غير الصحية، بسبب حرمان مئات الآلاف منهم من التعليم والتربية السليمة، واصفاً في الوقت ذاته، الاطفال بأنهم أكبر ضحايا الحرب، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وشهدت سوريا خلال السنوات الماضية، تنامي كبير لظاهرة أطفال الشوارع، والأطفال المدمنين على المخدرات وشم مادة الشعلة، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في معدلات التسول، والتي وثقها ناشطون سوريون بالفيديو.
يذكر أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة، الخاصة بسوريا، قد أكدت سابقاً حرمان 2.1 مليون طفل سوري في عموم البلاد عن ارتياد المدرسة على أساس منتظم، في حين قام عدد من المدرسين في المخيمات السورية بإنشاء مجموعة من المدارس التطوعية لمساعدة الأطفال على الاستمرار في التعلم بشكل غير منتظم.