إن السياق الذي وُلدت فيه إشكالية البحث هو في الأصل سياق لاهوتي، أسس لمفهوم الشمول من خلال (فكرة تدخّل الله) في العالم وتدبير شؤونه وشؤون الإنسان فيه. من خلال القيّومية على هذا الوجود من جهة، وإرسال الأنبياء وإنزال شرائع الهداية فيما يتعلق بالإنسان وعلاقته مع الله سبحانه أو بالعكس من جهة ثانية.
توجد إزاء هذه المسألة ثلاثة مواقف فلسفية وكلامية هي:
- موقف الأديان السماوية من فكرة الله وصلته بالعالم، فتقول بأن فكرة الله ليست وهمية بل فكرة واقعية؛ وأن الله يمثل المطلق في الكمال والوجود والقدرة، وأنه استمر بالتواصل والتدخل في هذا العالم، وأنه دائم الصلة بهذا العالم ولم يتركه هملاً، فأصحاب هذا الاتجاه يعتقدون أن هذه الصلة تتخذ شكلين، الصلة التكوينية الأنطولوجية بأن الله هو الخالق الرازق المنعم المحيي المميت، فهو دائم التدخل التكويني في هذا العالم. والصلة الأخرى هي صلة توجيهية إرشادية هادية يعبّرون عنها بالنبوات.
- موقف الإلحاد الذي لا يؤمن أصلاً بفكرة وجود الله، فلا معنى عنده أن يتدخل الله في العالم.
- وأما أصحاب الموقف الثالث فهم أنصار الموقف الربوبي أو ما يسمى بالمذهب الطبيعي، هؤلاء قالوا بوجود الله القادر على الخلق وأنه حقيقة ثابتة والمعطيات العلمية والعقلية تؤكد هذه الحقيقة، ولكنهم يقولون بأن الله لا يتدخل بالعالم فهم يؤمنون بإله ويكفرون بالأديان والنبوات.
الربوبية انتشرت بين مفكري الغرب على نطاق واسع في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، ومن أشهر ممثلي هذا المذهب اللورد إدوارد هربرت، الذي لقب بأبي الربوبيين أو الطبيعيين، وتشارلز بلونت، والفيلسوف الساخر فولتير، ومن رواد هذا المذهب مونتسكيو صاحب نظرية فصل السلطات وغيرهم كثير.
والسؤال المطروح: إلى أي حدّ تدخّل الله في حياة الإنسان؟ وهل تدخّلَ في كل جزئية من حياته توجيهاً وإرشاداً؟
إذن فكرة “تدخّل الله” هي الفكرة المحورية في هذا الجدل، التي سينتُج عنها بعض الاتجاهات الفكرية في الساحة الإسلامية، ومنها اتجاه يقول بأن الله يتدخل في كل صغيرةٍ وكبيرة في حياة الإنسان، وأن الشريعة تغطي كل التفاصيل وتجيب عن كل الأسئلة المطروحة في الواقع، فهم يؤمنون بالدين في حدّه الأعلى أو مداه الأوسع.