مما لا شك فيه أن حركة أحرار الشام الإسلامية، تمر في الوقت الحالي بأصعب ظروفها منذ العام ٢٠١٤، عندما اغتيل قادتها المؤسسين ببلدة رام حمدان شمال إدلب، إذ تشهد الحركة منذ أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت انقلابا عسكريا على القيادة الحالية، التي يترأسها “جابر علي باشا” المدعوم من مجلس شورى الحركة.
حركة التمرد يقودها القائد السابق “حسن صوفان” الذي استقال في يونيو/حزيران ٢٠١٩، والقائد العسكري المعزول النقيب المهندس “عناد درويش” الملقب “أبو المنذر” ، مدعوما من قبل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقا، وذلك على خلفية رفض حركة أحرار الشام القرار الذي قدمته تركيا في يونيو/ حزيران السابق بتشكيل مجلس عسكري موحد، بحسب مصادر لمينا في الشمال السوري.
القيادات السابقة..
استمرت حركة أحرار الشام في نشاطها العسكري الفعال، كأحد أقوى الفصائل العسكرية المعارضة لنظام الأسد في الشمال السوري، رغم الظروف السيئة التي تمثلت بمقتل قائد حركة أحرار الشام الأول ومؤسسها “حسان عبود” الملقب بـ”أبو عبد الله الحموي” برفقة قياديها عبر تفجير المقر صفر في بلدة رام حمدان شمال إدلب، واستقال قائد الحركة “هاشم الشيخ” الملقب بـ”أبو جابر”، بعد عام واحد، لإتاحة الفرصة لخبرات جديدة.
ومن بعده تسلم القيادة “مهند المصري” الملقب بـ”أبو يحيى الغاب”، ثم “علي العمر”، وخلفه “حسن صوفان”، الذي عزا استقالته حينها لأسباب خاصة، دون الانتماء لأي فصيل أو جماعة، فيما نقل عن حركة أحرار الشام إخراج “صوفان” من الحركة بسبب رفض مجلس شورى الأحرار لسياسته المتفردة، ليعين أخيرا قائدها الحالي “جابر علي باشا”.
انقسامات داخلية
وأعلن القائد العام لـحركة أحرار الشام “جابر علي باشا” في الثلاثاء ٢٠ أكتوبر/ تشرين الأول في بيان له، إعفاء قائد الجناح العسكري في الحركة “عناد درويش” الملقب بـ “أبي المنذر” من عمله، مع استمراره كمندوب للحركة في المجلس العسكري، كما تم عزل نائب الأخير الملقب ” أبو صهيب”، إضافة إلى ” أبو محمود خطاب” من قيادة اللواء الرديف وتعيين خلفاء لهم.
الخلافات بدأت في صفوف الحركة بمساعي ومطالب من الجناح العسكري لعودة “حسن صوفان” بانقلاب على “جابر علي باشا”، وتمثل في تنفيذ قطاعات من الجناح العسكري في الـ 23 من الشهر الماضي مدعومة من هيئة تحرير الشام، انقلاباً داخل الحركة، وسيطرت على مقرات قيادية ومستودعات أسلحة في مدينة أريحا وبلدة الفوعة القريبة من مدينة إدلب.
واستولى الجناح المعارض للقيادة العليا في “أحرار الشام” على عدة مقرات، أبرزها “المقر 101” في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ومقرات في قرية الفوعة بريف إدلب الشرقي، حسبما أفادت مصادر لمينا.
ونقلت المصادر عن عناصر في أحرار الشام أن قائدها العام “جابر علي باشا” أمر في وقت سابق بإفراغ المقرات في أريحا والفوعة وأماكن أخرى من العتاد والكتلة البشرية، ونقلها إلى عفرين شمال غربي حلب.
التدخل التركي
أنقرة بدورها حاولت التدخل لحل الخلاف داخل حركة أحرار الشام الإسلامية أواخر الشهر الماضي، بتقديمها مقترحا تضمن، تعيين قائد جديد للحركة بدل القائد الحالي “جابر علي باشا”، وحل مجلس شورى الحركة وتشكيل مجلس قيادة جديد يتألف من ستة أعضاء، ثلاثة من كل طرف. بالإضافة إلى تعيين النقيب “أبو صهيب” نائب النقيب “درويش” قائدا عسكريا للحركة، وبقاء النقيب “عناد درويش” “أبو منذر” ممثل الحركة في المجلس العسكري الموحد.
وأكدت مصادر خاصة لـ”مرصد مينا” أن “حركة أحرار الشام ردت بمقترح آخر صدر عن مجلس الشورى في الحركة، تمثل بالموافقة على تشكيل قيادة من قادة القطاعات في الحركة، وعلى حل نفسه وانتخاب قائد جديد”. مشيرة إلى أنه “رفض تعيين أبو صهيب قائدا عسكريا جديدا، باعتباره أحد المتمردين على الحركة مع صوفان والنقيب أبو المنذر.
المصادر أشارت إلى أن “الحركة اشترطت عدم وجود القائد السابق “حسن صوفان” في مجلس القيادة المقترح، بحجة استقالته سابقا وعدم انتمائه لأي فصيل”.
وكانت تركيا قد سعت منذ مارس/ آذار بعد مواجهتها المباشرة الأولى مع قوات النظام السوري وحلفائه، إلى تشكيل موحد يجمع الفصائل المقاتلة المعارضة في الشمال السوري، وأعلن بالفعل عن تشكيل المجلس العسكري الموحد في منتصف يوليو/ حزيران الماضي ، بعد اجتماعات للفصائل المعارضة في “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم أحرار الشام وفيلق الشام و”هيئة تحرير الشام” ، أنهوا حينها اجتماعاتهم وبإشراف ضباط عسكريين من الجيش التركي، بتشكيل المجلس العسكري يضم مندوبين من الفصائل العسكرية بقيادة “هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة سابقا، باعتبارها الكتلة الأكبر في المجلس، بالإضافة إلى مندوبين من أحرار الشام وفيلق الشام.
لتعود تركيا أواخر شهر أكتوبر/تشرين الاول الفائت، وتقدم مقترحات بتشكيل جديد للمجلس العسكري الموحد، والذي كان سببا رئيسيا لتفجر الخلافات داخل “حركة تحرير الشام”، حيث يقود القائد السابق للحركة حسن صوفان تيارا مؤيدا للتفاهم مع “هيئة تحرير الشام”، بينما يرفض القائد الحالي جابر علي باشا، ومجلس شورى الحركة، هذا التوجه.
الهيئة وشق الصفوف..
مساندة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقا والتي يقودها “أبو محمد الجولاني”، للجناح العسكري المعارض في حركة أحرار الشام رده محللون، إلى محاولات توجيه ضربة قد تكون القاضية على أحرار الشام، والسيطرة على المجلس العسكري الموحد عبر شق الصف في حركة الأحرار، التي تعتبر من أصحاب التوجه السلفي والمنافس الوحيد للهيئة في شمال سوريا في كسب الولاءات، لتصبح القوة الضاربة هناك مقارنة مع أصحاب التوجه المعتدل فيلق الشام، الذي يحسب على الاخوان المسلمين.
كما تسعى قيادة تحرير الشام من دعم النقيب “أبو المنذر” في تمرده، إلى احتوائه في قيادة المجلس العسكري باعتبار أنه مفروض من أنقرة في قيادة المجلس العسكري بسبب كفاءته العالية عسكريا، وكونه الضابط الوحيد في قيادة المجلس العسكري اذ تعتمد قادة العمليات الأتراك عليه بشكل كبير كونه الأكاديمي العسكري الوحيد.
والسؤال الأهم، هل تطيح الخلافات الداخلية والانقلاب الأخير بحركة أحرار الشام، في ظل وضع عسكري صعب يشهده الشمال السوري، تمثل بتوافقات تارة وخلافات تارة أخرى بين روسيا المساندة لنظام الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل المعارضة المقاتلة هناك، وهي التي انسحبت قبل أيام من عدة نقاط مراقبة في الشمال السوري كان متفق عليها مع روسيا مسبقا.