هيئة التحرير
مع مرور أكثر من سبعة أعوام على دخول قوات النظام إلى منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة السورية، دمشق، يكشف ناشطون من المنطقة في تصريحات خاصة لـ”مرصد مينا”، عن تسارع وتيرة استملاك إيران للعقارات في البلدة، لا سيما في منطقة شرق المقام، التي “تشهد حركة استيطان غير مسبوقة”.
وتعتبر منطقة السيدة زينب من أهم المناطق بالنسبة للإيرانيين، نظراً لمكانتها الدينية لدى الشيعة الإثنى عشرية، بالإضافة إلى قربها من العاصمة السورية دمشق.
ضاحية دمشق الجنوبية
تسارع موجة البيع والشراء للعقارات في المنطقة ومحاولة استملاك أكبر قدر من الأبنية السكنية، من جهة شرق المقام، يرى فيها الناشطون، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم لدواعي أمنية، محاولةً إيرانية لإنشاء ما يمكن تسميته بضاحية دمشق الجنوبية، إسوةً بضاحية بيروت الجنوبية، التي تعتبر معقلاً لحزب الله في لبنان، كاشفين أن منطقة شرق مقام السيدة زينب وصولاً إلى منطقة حجيرة وبساتين يلدا، كانت حتى عام 2000 خالية من أي تواجد شيعي ضمن التركيبة السكانية، سوى نسبة قليلة من السوريين القادمين من مناطق أخرى كحلب وحمص، كما أن جنوب دمشق ككل لم يكن فيه وجود لأي حوزة أو مركز شيعي سوى منطقة المقام.
وكانت بلدة السيدة زينب وما حولها قد شهدت بعد وصول “بشار الأسد” إلى السلطة، تزايداً في النشاط التبشيري وارتفاعاً في عدد المراكز الدينية الخاصة بالشيعة، والتي كان يديرها إيرانيون وأفغان وعراقيون، على الرغم من أن سكان المنطقة الأصليين هم من المسلمين السنة بنسبة مئة في المئة، بحسب الإحصائيات الرسمية.
المخطط الإيراني حيال المنطقة، يربطه الناشطون بدعم من النظام السوري، الذي قالوا إنه حتى اليوم لم يخدم المنطقة بالقطاعات الأساسية بما فيها المياه والكهرباء سوى في المناطق القريبة من المقام، بالإضافة إلى منعه أكثر من 250 ألف شخص من العودة إلى منازلهم بذرائع مختلفة، واستمراره بقطع العديد من الطرقات الرئيسية، بهدف إجبار السكان على بيع ممتلكاتهم، وتشريع عملية الاستيطان والتغيير الديمغرافي للمنطقة، التي بات أكثر من 100 ألف من سكانها؛ لاجئين خارج الحدود السورية، على حد تقدير الناشطين.
وسبق للنظام السوري أن أصدر قبل سنوات القانون رقم 10، المثير للجدل، والذي يخوله السيطرة على منازل السوريين الغائبين عنها، ووضعها تحت سلطاته وتمكينه من التصرف بها.
خطة شيطانية..
خلافاً لما يتم تداوله في وسائل الإعلام، حول عمليات توزيع المنازل على اللاجئين الأفغان أو العراقيين من قبل إيران، يؤكد مصدر مطلع داخل مجلس محافظة ريف دمشق، لمرصد مينا، أن العقارات التي يتم شراءها، تسجل بأسماء شخصيات شيعية سورية، تنحدر من أرياف حلب وإدلب وحمص، مشيراً إلى أن الخطة الإيرانية تقوم حالياً بتكرار تجربة الشيعة في لبنان، والذين نزحوا من الجنوب باتجاه العاصمة لبنان، واستوطنوا في الضاحية الجنوبية حتى اليوم.
وكانت ضاحية بيروت الجنوبية، حتى عام 1975 موطناً للأفكار اليسارية والاشتراكية، بالإضافة إلى أنها شهدت انتشاراً للأفكار الناصرية، التي غذاها الرئيس الأسبق، “كميل شمعون”، إلا أنها بدأت بالتحول إلى مركز تجمع شيعي إبان الحرب الأهلية، جراء نزوح أكثر من 150 ألف شخص من الجنوب باتجاه الضاحية، والتي تحولت مع الأيام إلى معقلٍ لحزب الله المدعوم إيرانياً.
أما عن اعتماد إيران ومخططها على شيعة من السوريين، يرجعه المصدر إلى الخوف من تدخل روسي يعيق المشروع الإيراني، في حال تمت عمليات الشراء من قبل أفغان أو إيرانيين أو عراقيين من الميليشيات المدعومة إيرانياً، موضحاً: “روسيا لن تتمكن من منع السوريين من شراء العقارات في بلدهم، بالإضافة إلى أن ما يحدث هو عبارة عن تغيير في مناطق تمركز الشيعة السوريين من المناطق النائية شمالاً وشرقاً إلى مناطق حيوية في جنوب العاصمة، دون أي تغيير في نسبة تمثيل الشيعة في المجتمع السوري”.
وبحسب الإحصائيات شبه الرسمية، فإن الشيعة في سوريا يشكلون ما يصل إلى 2 في المئة من المجتمع السوري، إذا ما تم إضافة الإسماعيليين وبعض الطوائف القريبة من المذهب الشيعي إليهم.
في السياق ذاته، يشير المحلل السياسي، “أحمد عبد الغني”، إلى أن إيران باتت تدرك تماماً حتمية خروج ميليشياتها المسلحة من سوريا طال الزمان أم قصر، وأن الروس لن يمنحوهم مزيداً من الوقت، بعد أن تهدأ الجبهات بشكل كلي، وبالتالي قررت الاعتماد على تركيز الوجود الشيعي بالقرب من العاصمة، وتوحيد مناطق تواجدهم بما يعطيهم تأثيراً أكبر في القرار السوري، كما هو حال شيعة لبنان، مشيراً إلى أن وجود الشيعة السوريين في مناطق متفرقة ونائية في الشمال والوسط السوري، حرمهم أي ثقل في المعادلة السياسية أو الاجتماعية.
أسعار فلكية ورصد مالي كبير
في ظل تصاعد معدلات الفقر والجوع في سوريا، بالإضافة إلى عدم قدرة مئات الآلاف من أهالي المنطقة، على العودة إلى منازلهم، يؤكد الناشطون أن إيران باتت تدفع مبالغ خيالية لأصحاب العقارات، لافتين إلى أن أسعار بعض العقارات وصلت إلى مئات الملايين، وأن الكثير من الملاك اضطروا للبيع، خاصةً مع انتشار أزمة كورونا وفقدان الكثير منهم للعمل.
وكانت إحصائيات الأمم المتحدة قد أشارت إلى أن 80 بالمئة من الشعب السوري حتى مطلع العام 2020، يعيشون تحت خط الفقر، خاصةً مع الانهيار التاريخي لليرة السورية أمام الدولار الذي سجل اعلى سعر له في نيسان الماضي، ليصل إلى 3500 ليرة.
تعليقاً على أسعار العقارات في منطقة شرق المقام، يوضح المصدر في محافظة ريف دمشق، أنه حتى العام 2000 كان متوسط أسعار العقارات شرق مقام السيدة زينب، يتراوح بين 500 ألف إلى مليون ونصف المليون ليرة، إلا أنه بعد عام 2000 وتزيد النفوذ الإيراني وتوسع الحركة التبشيرية في المنطقة، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى ما يتراوح بين 10 إلى 15 مليون ليرة، لافتاً إلى أن أغلب تلك العقارات التي تم شراءها حتى مطلع عام 2011، تم تحويلها إلى حوزات، والتي بدأت تنتشر بكثرة في تلك الآونة.
الحديث عن خطورة المشروع الإيراني الحالي، في السيدة زينب، بضرورة التمييز بين أهداف إيران من شراء العقارات قبل العام 2011، والتي ارتبطت بالتبشير والتشيع، وبين أهدافها في الوقت الحالي، والتي ترتبط بإعادة توزيع الديمغرافية السورية، وخلق واقع طائفي جديد في جنوب دمشق يستحيل التخلص منه، على اعتبار أن المشترين يحملون الجنسية السورية.