لا تكاد تداعيات الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا تبدأ بالتلاشي، حتى يشن الطيران الحربي غارة جديدة في سياق التأكيد على عزم المسؤولين الإسرائيليين على منع تراكم القدرات الإيرانية في سوريا، حسبما يقول مراقبون.
آخر تلك الضربات، لم تكن بعيدة عن قاعدة حميميم الروسية، الواقعة غربي سوريا، حيث استهدف قصف صاروخي، فجر أمس الثلاثاء، أهدافا في ميناء مدينة اللاذقية، في حادثة هي الثانية من نوعها في أقل من شهر، ما اعتبره محللون وخبراء دلالات ورسائل جديدة خاصة في ظل الصمت الروسي، مشيرين إلى أن الهجوم جاء في “نقطة على غاية من الأهمية”، لاسيما أنه، وعند الحديث عن الميناء المذكور، لا يمكن تجاهل موقعه كشريان حيوي للنظام السوري، حيث يستمد من خلاله إمدادات النفط، وغير ذلك من المواد الأخرى، بالإضافة إلى قربه إلى القاعدة الروسية.
وخلال الأعوام الماضية شنت إسرائيل مئات الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني، وقد استهدفت ميناء اللاذقية للمرة الأولى في 7 ديسمبر/كانون الأول الحالي.
رسائل ومؤشرات..
في سياق تعليقه على الضربتين الأخيرتين تحديدا، يعتبر المحلل السياسي “مرهف العبود” أن إسرائيل بدأت بإرسال رسائل للنظام السوري وحليفه الإيراني، مفادها أنها لن تتنازل عن مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وستواصل العمل على تفكيك طوق الصواريخ الذي تحاول إيران نصبها حول إسرائيل.
أما الرسالة الثانية التي تسعى إسرائيل إرسالها، فهي عمق التنسيق الاستراتيجي مع الروس لمواجهة التمدد الإيراني في دولة قد انهارت “فعليا”، وأصبحت ليس أكثر من نظام يحاول البقاء، حسبما يقول “العبود”، الذي يؤكد أن الثمن سيدفعه السوريون لأن أرضهم أصبحت ساحة معركة لقوى محلية إقليمية ودولية على حسابهم، مشيرا إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة استهدفت الميناء التجاري وذلك سيضعف القدرات الاقتصادية للنظام السوري، متوقعا ضرب البنى التحتية والمرافق العامة لنفس الأسباب.
ويضيف “العبود”، صحيح أن الميناء تحت سيطرة الحكومة السورية، وهو شريان حيوي لإدخال المواد، سواء النفط أو الغذاء والدواء، لكنه أصبح ممرا عسكريا واقتصاديا لوكلاء إيران في سوريا، لذلك تستهدفه إسرائيل، في محاولة لإجبار الأسد على تحجيم الدور الإيراني.
التصعيد الإسرائيلي المستمر في سوريا، أدى إلى انخفاض تهريب الأسلحة من قبل إيران، حسبما أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، “أفيف كوخافي”، الذي تحدث عن تدمير كمية “لا حصر لها من الأسلحة الإيرانية في ميناء اللاذقية”، مشيرا إلى أن زيادة نطاق العمليات الإسرائيلية في سوريا خلال العام الماضي “أدت إلى تعطيل كبير لجميع طرق التهريب إلى الساحات المختلفة من قبل أعدائنا”، بحسب ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.
“كوخافي”، أكد في تصريحات صحفية أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت ميناء “اللاذقية” اليوم، دمرت كمية لا حصر لها من الأسلحة المتقدمة والاستراتيجية.
وأضاف، لم تعمل الممرات الجوية والبرية والبحرية الإيرانية بنسبة 70% في العام الحالي، بسبب العمليات الإسرائيلية.
إحراج الروس
تريد إسرائيل أن تستفز روسيا باعتبار أن المرفأ قريب من قاعدة حميميم، حسبما يرى مراقبون، مشيرين إلى أن إسرائيل تدرك أنه وعند ضرب اللاذقية سيتم إحراج روسيا في سوريا والتساؤل عن دور الأخيرة في البلاد.
يشار إلى أنه لم يصدر أي تعليق من جانب موسكو عن الضربات التي استهدفت المرفأ في اللاذقية، بينما أثار هذا الهجوم غضب بعض الإعلاميين ورجال الأعمال في سوريا، ودار الجدل حول دور من وصفوهم بـ”الحلفاء” بالتصدي لهذا الهجوم، في إشارة إلى عدم استخدام روسيا مضاداتها الجوية للتصدي للهجوم الإسرائيلي على الميناء الذي لا يبعد كثيرا عن قاعدة حميميم الروسية في سوريا.
رجل الأعمال السوري “فارس الشهابي” قال في “تغريدة” عبر صفحته على تويتر إن “كل الحلفاء دون استثناء استطاعوا خلال السنين عبرنا وبمساعدتنا تثبيت معادلات ردع استراتيجية مع خصومهم الدوليين إلا نحن! متى سيدرك هؤلاء الحلفاء ان قبول الشعب السوري بهم و احتضانه لهم منوط بإعادة تثبيت توازن الرعب مع العدو الصهيوني بمعادلات ردع جديدة..؟”، حسب قوله.
كما قال الممثل السوري، “قاسم ملحو”، عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك: “الروسي لافف رجل على رجل وعم ياكل كافيار ويتفرج ع قصف الاسرائيلي لاراضينا والايراني شرحو، مابدنا حدا غريب ببلدنا، لا أمريكي ولا تركي، ولا أي احدا بنوووب سوريتنا للسوريين فقط”، حسب تعبيره.
بدوره، كتب الممثل “بشار إسماعيل”، عبر صفحته في موقع “فيسبوك” منشورا انتقد فيه صمت الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على الضربات الإسرائيلية قائلا: “كنا نسميه أبو علي بوتن وبعد الاعتداء على ميناء اللاذقية قررنا تغيير الاسم إلى أبو لهب بوتين ..اعتداء إسماعيل”.
يستبعد المحلل السياسي السوري، “أحمد مصطفى” أن تسعى إسرائيل لإحراج الروس في سوريا، مشددا على أن هناك تنسيق واضح ومعلن بين الطرفين بشأن القصف الذي تنفذه إسرائيل.
وبحسب “مصطفى” بدأ هذا التنسيق بصورة أوضح بعد حادثة إسقاط الطائرة في 2018، ليتم فيما بعد السير بموجب ما يسمى آلية منع التصادم، التي تضمن عدم التصادم العسكري داخل الأراضي السورية وفي الأجواء، على أن يتم إخطار كل طرف للآخر عن الأهداف التي ينوي ضربها، قبل فترة محددة من الوقت.
يشار إلى أنه نادرا ما تتعرض منطقة اللاذقية، التي تنحدر منها عائلة رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، لضربات إسرائيلية، لكن حدوث ذلك على مرتين خلال هذا الشهر أفضى إلى حالة تذمر، عبّرت عنها الحاضنة الشعبية من السياسيين والمواطنين، معتبرين أنها إهانة للقوة الروسية في بلادهم.
إصرار إسرائيلي على كبح جماح إيران
تصر إسرائيل على مواصلة عملياتها وضرباتها الجوية في سوريا خلال العام المقبل، لكبح جماح إيران وللحد من قدرتها على نقل الأسلحة، حيث يعتقد أن مثل تلك الضربات حققت أهدافها في 2021، وفق ما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
ويأمل الجيش الإسرائيلي، أن تدق هذه الهجمات إسفينا بين نظام الأسد وإيران، حسبما ذكرت الصحيفة، مشيرة إلى أنه بالرغم من أن هذه الضربات تستهدف بشكل مباشر مخابئ الأسلحة الإيرانية والمنشآت المرتبطة بإيران في سوريا، فإن الجيش الإسرائيلي يسعى أيضا من خلالها “لأن تدفع سوريا ثمن السماح لإيران بالعمل على أراضيها في محاولة لإقناع الأسد بالتوقف أو تقليص الدعم”.
ويوم أمس الأربعاء، خاطب وزير الدفاع الإسرائيلي، “بيني غانتس”، دول منطقة الشرق الأوسط، داعيا إياها إلى “منع إيران من التعدي على سيادتها ومواطنيها”، وذلك بعد ساعات من ضربة جوية لإسرائيل على سوريا.
وقال “غانتس”: “أدعو جميع دول المنطقة إلى إنهاء تعدي إيران على سيادتها ومواطنيها. وإسرائيل لن تسمح لإيران بنقل أسلحة قادرة على تغيير اللعبة إلى عملائها وتهديد مواطنينا”.
كما اتهم إيران بالعمل على زعزعة الاستقرار في سوريا ولبنان واليمن ودول أخرى، والسعي إلى “إشعال المنطقة”، داعيا سوريا إلى منع إيران من العمل داخل حدودها، قائلا إن الجيش الإسرائيلي سيواصل التحرك حسب الحاجة لإحباط أنشطة طهران، دون أن يتطرق إلى الضربة الإسرائيلية الأخيرة.