أصدر فرع هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) بولاية بادن فورتمبرغ الألمانية، قبل أيام، تقريرًا سنوياً حول أبرز المستجدات في الولاية خلال العام 2021، تضمّن في صفحاته الـ 113، فصلاً كاملاً عن الحركات الإسلامية النشطة في ألمانيا، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
يرسم التقرير- الذي تولى مرصد “مينا” ترجمته ونشر تفاصيله- خريطة وجود الإخوان المسلمين في أوروبا عامة وألمانيا تحديداً، ويكشف، بأسلوب علمي موضوعي، الأهداف الحقيقة للجماعة، ويشير إلى أساليبها وأدواتها للوصول إلى هذه الأهداف.
كما يتحدث التقرير بالتفصيل عن هياكل وأنشطة الجماعة في ولاية بادن فورتمبرغ، بعد أن يعرّج على الصراع الحاصل بين جناحي التنظيم في لندن وإسطنبول.
من هي جماعة “الإخوان المسلمين”
يستهل التقرير بالتعريف بجماعة الإخوان التي نشأت في مصر عام 1928 على يد حسن البنا (1906-1949)، بهدف “إقامة شكل إسلامي للدولة والمجتمع على المدى الطويل”، والجماعة بالتالي “ترفض فصل الدين عن الدولة” بل ترى أنّ الإسلام “هو نظام شامل لجميع مجالات الحياة”. وعليه يرى التقرير أنّ فكر الإخوان المسلمين لايتوافق مع النظام الأساسي الديمقراطي الحر، ولا سيما السيادة الشعبية، مبدأ فصل السلطات، حماية الأقليات، وتلك المنصوص عليها في القانون الأساسي لحقوق الإنسان.
كما تطرق التقرير إلى السلوكيات المعتمدة من قبل الجماعة لاختراق المجتمعات، وتحديداً في دولة المنشأ مصر، حيث نفّذ الإخوان هناك استراتيجية ممنهجة لأسلمة المجتمع، وحازت الجماعة على ثقة قطاعات واسعة من المجتمع في مصر وتمكنت في نفس الوقت من التعبير عن أيديولوجيتها بطريقة بسيطة عبر “الدعوة” التي ركزت على تغيير الفرد ومن ثمّ الأعراف الإسلامية السلوكية. في الوقت نفسه، تغلغل الإخوان المسلمون بشكل متزايد في الفئات الاجتماعية المؤثرة مثل المجموعات المهنية والنقابات العمالية (خاصة للأطباء والمهندسين) وتمكن أخيرًا من السيطرة عليها. ويشير التقرير إلى أنّ الأسلوب ذاته اتبعته الجماعة لاحقًا في السياق الأوروبي تحت ستار المشاريع الخيرية والأنشطة المجتمعية والتعليمية.
وتحت عنوان “علاقة غامضة بالعنف”، يشير التقرير الحكومي إلى قضية التنظيم الخاص أو السري الذي ارتبط اسمه بالجماعة وارتكب جرائم فظيعة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، حيث تم إغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر سنة 1945 عن طريق شاب إخواني يدعى محمود العيسوى، تلاها جريمة اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار سنة 1948 وصولا إلى إغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء في 28 ديسمبر 1948، بعد إصدار النقراشي قرارا بحل الجماعة. كما تطرّق التقرير إلى علاقة الجهاز السري بمنظر الإخوان الشهير “سيد قطب” الذي اعتبره التقرير “الأب الأيديولوجي” للجهادية.
الوسطية والانقسام الداخلي:
ينتقل التقرير بعدها لتفسير مفهوم “الوسطيّة” الذي تتبناه أدبيات الجماعة “كأرضية وسط بين الفهم الليبرالي للإسلام والسلفية الجهادية”، ويرى معدو التقرير أنّ هذا المفهوم يبدو في البداية معتدلاً ومتوافقًا مع الديمقراطية، إلا أنه في المحصلة يهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية “بالوسائل السلمية”.
كما يقول التقرير إنه وخلال فترة حكمها القصيرة في مصر خلال عهد محمد مرسي من 2012 إلى 2013، حاولت الجماعة تقنين هذا المفهوم كتبنيها لمفهوم “دولة مدنية ذات إطار مرجعي إسلامي”. كما عملت على إجراء تغييرات جوهرية في السياسات العامة لتأسيس المجتمع الذي تسعى إليه، إلا أنّ الاحتجاجات الحاشدة ضد الجماعة وما تلاها من تدخل الجيش وإطاحته بالنظام حال دون ذلك.
ينتقل التقرير إلى الصراع القائم بين جبهة تركيا، بقيادة الأمين العام السابق محمود حسين، وجبهة بريطانيا بقيادة إبراهيم منير، نائب المرشد، المقيم في لندن. وجاء فيه “جماعة الإخوان تتأثر حاليًا بالانقسامات الداخلية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2021، حاول جناح الجماعة في الشتات التركي عزل المرشد بالإنابة، إبراهيم منير الذي يعتبر أحد الرؤساء البارزين للإخوان في أوروبا ويعيش في لندن”.
وأضاف: “بالفعل أعفى جناح إسطنبول منير من منصبه في صراع داخلي على القيادة”، لافتا إلى أنه “من المفترض أن الصراع على السيطرة داخل جماعة الإخوان سيقرر ما إذا كان مركز الإدارة للجماعة يقع في أوروبا الغربية أو في تركيا”.
ورأى التقرير أن هذا الصراع يسير وفق سيناريوهين؛ “إما إضعاف دائم للجماعة، وإما إعادة تنظيمها بشكل أكثر قوة”.
شبكات الإخوان في أوروبا وألمانيا
تحت هذا العنوان، ينتقل التقرير إلى توصيف وضعية الإخوان في العالم، ويقول “وفق تصريحاتها الخاصة، فإن جماعة الإخوان موجودة في أكثر من 70 دولة. وبالإضافة إلى المنظمة الأم، هناك عدد كبير من الجمعيات الدولية التي هي إما فروع مباشرة للجماعة وإما ترتبط معها بروابط أيديولوجية وشخصية وهيكلية”. وتابع “يتم تنظيم المكاتب الفرعية للإخوان بشكل مختلف، وهذه يعتمد على الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة في كل دولة.. ومع ذلك، فإن القاسم المشترك بينها جميعًا هو تبني القناعات الأساسية للإخوان”. وعدّد بعض عناصر هذه الشبكة الدولية كحركة النهضة التونسية وحركة حماس.
وحول تواجد الإخوان في أوروبا، قال التقرير “في البداية، اعتبرت الجماعة أوروبا ملاذًا آمنًا بعد قمع الدولة لها في مصر، لكن مع الوقت، برزت ألمانيا على وجه الخصوص كمكان نشاط رئيسي للجماعة، حيث تمكنت من توسيع هياكلها هناك تحت حماية مبدأ سيادة القانون”، مضيفاً: “تشتمل هياكل جماعة الإخوان في أوروبا الآن على شبكة مُحكمة من المنظمات الجامعة والمظلية على مستوى القارة، يندرج تحتها منظمات مظلية أصغر على مستوى كل دولة وما يرتبط بها من منظمات أصغر، ثم منظمات الطلاب والشباب، فضلاً عن المؤسسات المتخصصة حسب الموضوع، والمساجد، والجمعيات المستقلة المفترضة”.
وتحدث التقرير عن مجلس مسلمي أوروبا (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقاً) ، ومقره بروكسل، الذي يعتبر المنظمة الأوروبية الجامعة للإخوان، واستشهد بتصريحات لأول رئيس للاتحاد، أحمد الراوي، الذي أشار إلى “علاقة وثيقة جيدة” مع الإخوان المسلمين المصريين.
وعدّد التقرير بعض المنظمات العاملة تحت مظلة “مجلس مسلمي أوروبا”، مثل المجلس الأوروبي للفتوى الذي يعمل تحت إشراف مباشر من يوسف القرضاوي، و”منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية” FEMYSO التي تتخذ من بروكسل أيضا مقرا لها، وتعمل بالتعاون الوثيق مع الطلاب المسلمين في الدول المختلفة والمنظمات الشبابية، لبناء نفوذ كبير للإخوان في أوساط الشباب المسلم في أوروبا.
أما في ألمانيا، فقد أشار التقرير إلى أنّ “لجنة الفتوى في ألمانيا” هي الفرع الألماني من “المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث” الذي تأسّس كمرجع تشريعي وإفتائي للمسلمين في أوروبا وذلك بمدينة دبلن عام 1997، وكان الشيخ يوسف القرضاوي أول رئيس لها. كما ورد اسم “المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” المرتبط بالإخوان، واعتبره التقرير بمثابة النظير الألماني للهياكل الموازية في فرنسا وبريطانيا العظمى. ويقدم المعهد دورة “العلوم الإسلامية” غير المعتمدة في مدينة فرانكفورت وسط ألمانيا، وبالتالي فهو ينافس بشكل مباشر دورة تمولها الدولة الألمانية لتدريب رجال الدين تحت اسم “علم اللاهوت الإسلامي” ويتم تدريسها أيضًا في جامعات بادن فورتمبيرغ.
التقرير ذكر “مجلس الأئمة والعلماء في ألمانيا” (RIGD)، كمنظمة أخرى تعمل في ألمانيا ضمن شبكة الإخوان، واعتبرها بمثابة ائتلاف يضم مسؤولي المساجد أو المؤسسات التعليمية التابعة للإخوان. وقال إن المجلس نظّم على مدى السنوات القليلة الماضية، ما يسمى “دورات سيرة” على الصعيد الوطني بألمانيا، بما في ذلك في بادن فورتمبيرغ، والتي تستهدف بشكل خاص العائلات المسلمة، لنشر أفكار الإخوان.
ويخضع مجلس الأئمة والعلماء في ألمانيا إلى إدارة منظمة مظلية للإخوان في أوروبا، هي المجلس الأوروبي للأئمة (ECI) ومقرها ستوكهولم بالسويد.
ويلفت التقرير إلى أنّ المنظمة المسؤولة عن تنظيم أنشطة الجمعيات والمساجد والقيادات الإخوانية في ألمانيا، هي منظمة “التجمع الإسلامي الألماني “، التي تتخذ من برلين مقرا لها، وتمثل مصالح الجماعة ومواقفها. علماً أنّ هذا التجمع تأسس عام 1958، ثمّ استولى عليه سعيد رمضان؛ سكرتير مؤسس الجماعة حسن البنا وزوج ابنته.
وكان المجلس المركزي للمسلمين الذي يضم في عضويته عددا من المنظمات والجمعيات والاتحادات الإسلامية في ألمانيا، قد أسقط في (31 يناير/ كانون الثاني 2022) عضوية جمعية “التجمع الإسلامي الألماني”، بعد تصنيفها من قبل السلطات الأمنية الألمانية كذراع تابعة للإخوان المسلمين.
شبكات الإخوان في بادن فورتمبيرغ
واستعرض التقرير عدداً من الجمعيات التابعة للإخوان ضمن ولاية بادن فورتمبيرغ، ومنها “جمعية الحوار والتفاهم بين الشعوب في كارلسروه” المرتبطة بمسجد النور والذي يعتقد أنه خاضع لحركة النهضة التونسية.
ولفت التقرير إلى منظمة “لقاء ساكسونيا” التي تأسست في ٢٠١٦ بولاية ساكسونيا جنوب شرقي ألمانيا، ومديرها سعد الجزار، وقال إن هذه المنظمة تتبع الإخوان وتوسعت في ٧ مدن في الولاية. كما توسعت المنظمة نفسها في ولاية بادن فورتمبيرغ، وباتت تملك فرعا يسمى “جمعية التكامل والتفاهم الدولي”، وفق التقرير الذي لفت إلى أن سعد الجزار ينشر أفكارا متطرفة.
ويعيش أكثر من نصف مليون مسلم في بادن فورتمبيرغ ، يمارسون شعائرهم الدينية بدرجات متفاوتة ووفقًا للقانون الألماني في الغالب. فقط أقلية منهم تنتمي إلى المنظمات الإسلامية.
التمويل
وكشف التقرير عن إحدى أهم آليات الجماعة في استقطاب الدعم الحكومي ، فأوضح أنه “من خلال الاعتراف بمنظماتها الفرعية كجمعيات غير ربحية في ألمانيا والتقدم بطلب للحصول على تمويل عام، تهدف جماعة الإخوان إلى إدماج تنظيماتها في الأطر القانونية والحصول على تمويل حكومي من أجل تحقيق القبول الإعلامي والسياسي بألمانيا”.
ونوّه إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، هناك شبكة من التبرعات المالية من الخارج “يصعب فهمها وتبدو فعالة بشكل خاص.. كما تعمل الشركات العقارية التي يديرها ممثلو الإخوان على تمويل وتوسيع هياكل الجماعة”.
التنصل من العلاقة بالإخوان..
التقرير يؤكد أن جميع فروع الجماعة في ألمانيا تنفي صلتها بالإخوان، بل وحتى ببعضها البعض. وأشار إلى ازدواجية الخطاب، أو مبدأ التقية كما يعرفه المختصون، حيث تقوم بتصدير خطاب يدعو إلى التمسك بالقيم الديمقراطية والدستورية ورفع قيمها والإخلاص للقانون الأساسي الألماني، بينما يدعون في الخفاء إلى عكس ذلك.
وضرب التقرير مثالا حول تداخل العلاقات بين شبكات الإخوان الأوروبية، ومنها منظمة “التجمع الإسلامي الألماني” واتحاد المنظمات الإسلامية ومنتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية (فيميسو)، حيث كان الرئيس السابق لمنظمة التجمع الإسلامي الألماني، إبراهيم الزيات، أحد مؤسسي فيميسو ورئيس مجلس إدارتها لفترة طويلة. كما أشار المرشد السابق للإخوان محمد مهدي عاكف، إلى الزيات، على أنه زعيم الإخوان بألمانيا. أما الرئيس السابق لمسجد أنور في كارلسروه الألمانية، سمير فلاح، فتولى إدارة منظمة الجالية المسلمة الألمانية قبل أن يصبح رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
بينما شغل الرئيس الحالي لمنظمة التجمع الإسلامي الألماني، خالد سويد، في السابق، منصب رئيس منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية.
ويتفق تقرير هيئة حماية الدستور في بادن فورتمبيرغ، مع تقارير أصدرتها الهيئة في ولايات أخرى مثل شمال الراين ويستفاليا، غربي البلاد، في مسألة خداع الإخوان للمجتمعات، وسعيها لتحقيق أهداف خفية.
ومنذ مطلع العام الجاري، تزايدت الضغوط على جماعة الإخوان وشبكاتها النشطة في ألمانيا، وباتت الجماعة “ضيفاً” شبه أسبوعي في مداولات البرلمان الألماني (البوندستاغ)، كما أصبحت أذرعها الأخبطوطية تحت مجهر هيئة حماية الدستور.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تقدّمت أحزاب ألمانية رئيسية، من ضمنها حزبي الإتحاد المسيحي واليسار، بـ 8 طلبات إحاطة ومشاريع قرارات بخصوص طبيعة أنشطة وتمويل شبكات التنظيمات الإسلاموية في ألمانيا، ما يرسم ملامح مرحلة صعبة للجماعة بالبلد الأوروبي الذي لطالما كان مسرحاً لأنشطة الإخوان العابرة للحدود منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
مراجع:
https://www.verfassungsschutz-bw.de/,Lde/Startseite
https://al-ain.com/article/russia-usa-conflict-over-africa-1
الجهاز السري في التنظيمات الإخوانية : من الإخوان المسلمين إلى حركة النهضة