هيئة التحرير
قادت حالة الغضب الشعبي الكبير ضد حكومة، فايز السراج، والمظاهرات التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس منذ الأحد الماضي، إلى تعديل وزاري طال وزير الداخلية والدفاع ورئيس الأركان العامة في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي ضده وحالة الاستياء من الوضع المعيشي.
ويذهب محللون سياسيون الى ان السراج، يعيش اليوم حالة من التخبط الذي ورط نفسه فيه عندما خرج في خطابه بمناسبة انطلاق المظاهرات الشعبية التي تطالب بحقوق مشروعة للمواطن الليبي، الذي ذاق الأمرين من السراج وميليشياته والمرتزقة اللذين تجلبهم تركيا. حيث أن التغييرات الأمنية التي يقوم بها السراج الآن والتضحية ببعض الوزراء من أجل ألا تغرق هذه الحكومة ليس إلا محاولة منه للنجاة بنفسه.
لعبة السراج
وتشير المعطيات أن السراج، يحاول إيهام المتظاهرين بأنه يقوم بإصلاحات، ولكن كل هذه التحركات والقرارات والتعيينات الجديدة جاءت من المتحكم الأساسي في صناعة القرار في العاصمة طرابلس وهم المليشيات وقادتها التي تتلقى الأوامر من تركيا وقطر.
ومن المتوقع أن قرار إزالة فتحي باشا أغا من وزارة الداخلية لن يدوم طويلاً، وما هو إلا لعبة من السراج وأن باشا أغا مدعوم من تركيا، وهو الفتى المدلل لديها فلن يستطيع إزاحته نهائياً من المشهد. كما أن الوقائع والأحداث تشير إلى أن التنسيق جارٍ بين السراج والجانب التركي من أجل الوساطة بينه وبين باشا أغا. فكل المعطيات التي في الساحة الآن، ووقوف باشا أغا مع المتظاهرين، ليس كونه يدعم المظاهرات السلمية التي خرجت على الفساد والفاسدين، وإنما من أجل مخطط تركي لاستبدال السراج بباشا اغا.
وحسب المعطيات دائماً؛ فإن العالم الآن أصبح يدرس إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد وفقا لمخرجات القاهرة ومبادرة رئيس مجلس النواب التي تنص على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، والسراج يشعر بخطر استبداله بباشا أغا ويقوم بإقالة بعض الوزراء وتعيين شخصية من مدينة مصراتة رئيسا لأركان ميلشياته من أجل إرضاء المليشيات المسلحة الموجودة بها وهي وقود لمعركته القادمة أمام القوات المسلحة.
بركان قابل للانفجار
وتعتبر العاصمة طرابلس الآن على فوهة بركان إذا انفجر سيساقط الكثيرون ممن راهنوا على حكومة السراج غير الشرعية.
ويرى باحثون، أن التغيرات الجذرية في حكومة السراج غير الدستورية هي بتعليمات تركية قطرية من أجل امتصاص الغضب الشعبي الكبير ضد حكومة السراج المدعومة من تركيا وقطر ومحاولة لإجهاض المظاهرات السلمية وقمعها، وتعيين القادة العسكريين الجدد لقمع هذه المظاهرات والاستعداد لأي مواجهات مسلحة نتيجة لاحتقان الشارع بالعاصمة.
يشار هنا، إلى أن فايز السراج أصدر في وقت سابق، من أول أمس السبت، قرارات بشأن تكليف محمد علي أحمد الحداد رئيساً لأركان المليشيات العامة، وصلاح الدين علي عبدالله النمروش وزيراً مفوضاً لدفاعها وسط احتقان كبير وإعلان حالة من النفير العام للمليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس.
السراج يقدم خدمة لباشاغا
ولعلَّ بإقالة السراج لوزير داخليته، فإنه قدم خدمة كبيرة لـ”باشا آغا: وفرصة لا تعوض بأن يُفصح عن أنصاره والميليشيات المؤيدة له والقوة التي تحركت من مصراتة إلى طرابلس لاستقباله، والتي لم يكن يتجرأ باشاغا لإظهارها مالم يقم السراج بهذا الإجراء غير المحسوب.
رئيس مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية، محمد الأسمر، أشار إلى أن تعيين وزير دفاع، ورئيس أركان هي محاولة من السراج لامتصاص غضب ميليشيات مصراته، وهي الأكبر عدداً وتجهيزاً بين الميلشيات، لذا عين محمد الحداد، أحد ضباط مصراته، وكذلك تحسباً ألا ينحاز إلى باشاغا، كما أنه كان يدور حديث منذ نهاية شهر يوليو عن أن باشاغا يريد الحصول على مهام أكبر من صلاحياته، والتي تتداخل مع مهام السراج.
وكشفت مظاهرات طرابلس حقيقة المتحكم الحقيقي بمقاليد حكومة الوفاق، فشباب حراك 23 أغسطس حمل باشا اغا المسؤولية كاملة تجاه قمع المتظاهرين وندد بمقتل متظاهر بالرصاص الحي وطالب المجلس الرئاسي بإطلاق سراح المعتقلين.
وأكد الحراك أن وزير الداخلية جزء من منظومة الفساد فتحي باشاغا أوقفته حكومة الوفاق خلال زيارة له إلى أنقرة لكنه عاد إلى طرابلس بموكب ضخم من الميليشيات وأثار تساؤلات بشأن حقيقة المتحكم في السلطة بطرابلس. في وقت جددت فيه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، الدعوة لعملية سياسية شاملة لتلبية تطلعات الليبيين وتحقيق طموحاتهم ورفضت استخدام القوة المفرطة والاعتقال التعسفي ضد متظاهري طرابلس.
أسئلة بلا أجوبة
وتساءل عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين علقوا على دخول باشاغا لميدان الشهداء في طرابلس بعد رجوعه من تركيا، وقبلها كانت مليشيات البركان تتواعد باشاغا وقوات الداخلية بالقتل والرصاص إن حاولت الخروج عن أوامر الرئاسي. وقال النشطاء صدمنا حقًا عندما مر رتل باشاغا بقلب العاصمة طرابلس، وكانت مليشيات البركان جاهزة للقتال ضده، ولكن عندما وصل بقوة مدججة من مليشيات مصراتة خرج عناصر البركان وقالوا نحن أخوة ولا للفتنه.
وتساءل النشطاء، لماذا هذه المليشيات التي واجهت الشباب العزل خلال المظاهرات السلمية بالرصاص والقتل والاعتقال؟ لماذا لم تقف قوات البركان في صف الشباب العزل الذين خرجوا من أجل الحق والقضاء على الفساد وتوفير سبل العيش الكريم؟ مطالبين بضرورة تفكيك مليشيا النواصي وأذرعها، وتفكيك ما يسمي جهاز الأمن العام الذي يترأسه عبد الغني الككلي، ومليشيات ما يسمي بـ”ثوار طرابلس”. مؤكدين أنهم لن يتنازلوا عن هذه المطالب، محذرين من عودة مليشيات مصراتة إلى المشهد بطرابلس وبقوة.
صراع تحت الرماد
من جهة أخرى، نفخ قرار إيقاف باشاغا، وإحالته إلى التحقيق، الروح مجدداً في الصراع الكامن تحت الرماد بين الميليشيات المتعددة في طرابلس، لا سيما بين كتائب مدينة مصراتة التي يتحدر منها باشاغا وبين وميليشيات طرابلس التي تدعم رئيس الوفاق فايز السراج.
وأظهرت مقاطع فيديو للمدعو “محمد الحصان” التابعة لدفاع حكومة الوفاق آمر “الكتيبة 166” الموالين لباشاغا نشرت على مواقع التواصل، يهدد بمهاجمة ميليشيات طرابلس في عقر دارهم. متوعداً في المقطع عناصر السراج قائلاً: “جايينكم لعقر داركم، في ساحة الشهداء، وسط طرابلس”.
ومن على متن إحدى الآليات العسكرية، بدا المتحدث يستعرض فوجاً من الآليات وراءه، قائلاً “جايينكم يا ميليشيات في عقر داركم، للساحة بتاعتكم، إلى ميدان الشهداء”. وتابع: “قوات إنفاذ القانون آتية، وزير الداخلية آت، خليكم في الميدان.. الميليشيات تسب الوزير”.
جاء هذه التهديد بعد أن وصل باشاغا مساء السبت، إلى مطار معيتيقة في طرابلس قادماً من تركيا، بحماية نحو 300 آلية عسكرية كانت قد توجهت إلى قاعدة معيتيقة لمواكبته. واحتشد مسلحون من جماعات متطرفة ومن الإخوان لمواكبته، فور وصوله إلى معيتيقة.
امتصاص غضب الشارع
وللخروج من الأزمة يحاول السراج سن قوانين وقرارات جديدة لامتصاص غضب الشارع، إلا أن التظاهرات ما تزال مستمرة وبقوة دون الاكتراث بقرارات حكومة الوفاق، والتي يدرك الجميع أنها مجرد جسر للعبور إلى برّ الأمان وإطفاء شعلة التظاهرات.
وتشير التقارير، أن قرارات السراج متخبطة وهي محاولات لامتصاص غضب الشارع يخرج بها المجلس الرئاسي في غياب للأطراف المعنية بتنفيذ القرارات، فلا وزير المالية حاضر، ولا محافظ المصرف المركزي، ما يشير إلى غياب الدراسة في إصدار القرارين رقم “564” و”567″ لسنة 2020، فالأول يوجه لصرف منحة الزوجة والأولاد، والآخر بشأن تشغيل وتدريب العاطلين عن العمل من شريحة الشباب.