يزداد الطريق نحو” الحلم” الأوروبي صعوبة مع مرور السنوات، إذ أن اللاجئ في حال وصل إلى دولة صربيا، الواقعة في منطقة البلقان، يكون قد اجتاز أصعب مرحلة في الطريق إلى أوروبا المعروف بالطريق”البري”.
ولا يتبق أمامه إلا تجاوز المعضلة المجرية الصعبة التي توصد أبوابها بشكلٍ محكم أمام اللاجئين، الساعين لمحطتهم الأخيرة في إحدى دول أوروبا الغربية الغنية، سواء كانت النمسا أو المانيا أو هولندا أو السويد أو حتى فرنسا وبلجيكا.
وطريق البلقان يعد المعبر البري للوصول نحو أوروبا الغربية ورغم أنه طريق خطر للغاية إلا أنه يسلكه الآلاف من المهاجرين سنويا، لكن المئات منهم يلقى حتفه في الطريق جراء المرض والتعب والجوع.
ولطالما هذا الطريق عرف عنه أنه ورقة سياسية بيد الأتراك، وسبق أن استخدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا وتكرارا لإخافة الأوروبيين من السيل الجارف من اللاجئين، بهدف كسب نقاط سياسية لصالح بلاده.
الجدار اليوناني الصعب أمام اللاجئين
ورغم أن السلطات اليونانية تستمر في زيادة نشر جنودها لمنع عبور أي مهاجر غير شرعي للبلاد قادم من جارتها تركيا، لكن يستمر مئات الأشخاص يوميا في محاولاتهم للعبور وسط ظروف مأساوية واتهامات للقوات اليونانية بانتهاك حقوق الإنسان، بحسب ما تقول منظمات أوروبية حقوقية.
لكن اليونان تدافع عن نفسها من خلال القول إنها تحاول أن لا تكون” ضحية” لورقة اللاجئين في يد الرئيس التركي “أردوغان” الذي يستمر بين الفترة والأخرى بالتلويح بهذه الورقة، لاسيما أنه استخدمها عدة مرات بالفعل بهدف مكاسب سياسية بحتة دون الأخذ بالموقف الإنساني لهؤلاء اللاجئين الذي كانوا دائما ضحية هذه السياسة حيث تتقاذفهم الدول كما الأمواج.
وتصر اليونان على سياستها بمنع دخول أي مهاجر، وأعلنت السلطات هناك قبل عدة أيام أنها منعت حوالي 25 ألف طالب لجوء من دخول أراضيها بشكل غير قانوني منذ بداية أغسطس/آب الجاري، متهمة جارتها تركيا بتوجيه طالبي اللجوء نحو أراضيها.
هذا الرقم يعد أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي لطالبي اللجوء، الذين وصلوا إلى اليونان منذ بداية العام حتى الآن.
وقال وزير النظام العام اليوناني “تاكيس ثيودوريكاكوس” في تصريح لمحطة تلفزيونية محلية الأربعاء الماضي، إن الضغط على الحدود البرية والبحرية مع تركيا “يتطور إلى تهديد خاص للغاية لسلامة اليونان وأمنها”.
وأوضح أنه ”خلال شهر أغسطس/آب الجاري وحده حتى الآن، حاول 25 ألف مهاجر غير نظامي الدخول بشكل غير قانوني عبر الحدود اليونانية التركية”، معتبرا بأن “الجانب التركي يستغل هؤلاء التعساء بطريقة منهجية ومعقدة”.
بحسب الوزير فإن العديد من المهاجرين المتجهين لليونان هم سوريون، وادعى أنهم “مجبرون على محاولة دخول اليونان حيث يبدو أن السلطات التركية تعرضهم لمعضلة: إما العودة إلى سوريا أو الانتقال إلى اليونان”، حسب قوله.
لكن الوزير لم يدل بمزيد من التفاصيل حول كيفية إيقاف السلطات اليونانية الأشخاص الذين حاولوا الدخول كما لم يُقدم الأرقام الخاصة بالأشهر السابقة.
وتأتي هذه التصريحات بعد يوم من قرار حكومة بلاده بمد سياج على طول الحدود البرية مع تركيا للتعامل مع تدفقات الهجرة المتزايدة.
في موازاة ذلك، يتهم المسؤولون الأتراك وجماعات حقوق الإنسان الدولية اليونان مرارا بإعادة طالبي اللجوء الذين دخلوا الأراضي اليونانية بشكل غير قانوني من دون السماح لهم بتقديم طلبات اللجوء الخاصة بهم، وهو ما نفته أثينا.
بلغاريا تعلن الحرب على اللاجئين
في الطريق نحو أوروبا الغربية هناك خيار للاجئ إما اليونان وهو طريق مفضل للاجئين، أو طريق عبر بلغاريا الذي بات خيارا لبعض اللاجئين بعد صد القوات اليونانية لمعظم اللاجئين القادمين من تركيا.
وخلال الأيام الماضية، ضجت بلغاريا حول قصة مقتل شرطيين عندما اصطدمت حافلة تُقل 47 سوريا دخلوا البلاد بشكل غير قانوني بسيارة شرطة في مدينة “بورغاس” على ساحل البحر الأسود البلغاري.
وصرح وزير الداخلية البلغاري أن بلاده أعلنت الحرب على المهاجرين واللاجئين والهجرة غير الشرعية، بزعم أن اللاجئين السوريين استهدفوا قوات الأمن والشرطة وقتلوا اثنين منهم عمدا.
وتشير تقارير صحافية بلغارية إلى أن الوزير “إيفان ديميرسييف” الذي جاء إلى مكان الحادث اتهم شرطة الحدود بأنها السبب في الحادث الذي أودى بحياة شرطيين بلغاريين، وأن ضباط “حرس الحدود” لم يؤدّوا واجباتهم بدقة كافية وتذرّعوا أنه ليس من مهمة شرطة بورغاس إيقاف الحافلة.
في حين أعلن وزير الدفاع البلغاري “ديميتار ستويانوف” أنه سيتم إضافة 300 عسكري إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية من تركيا، وأنه سيتم تخصيص 12 طائرة دون طيار من الجو في المنطقة.
ويقول المدعي العام لمنطقة بورغاس “جورجي شينيف”: إن سائق الحافلة الذي تبين أنه مواطن بلغاري وشريكه السوري متّهَمان بمحاولة القتل العمد، فيما أعرب المدعي العام لبلغاريا “إيفان جيسيف” عن قلقه من زيادة الهجرة غير النظامية بالبلاد.
مثلث الموت
فيما يخص طريق الوصول إلى صربيا (دولة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي) تعد المحطة الأصعب وتعتبر خطوة مهمة للغاية في طريق اللجوء إلى أوروبا على أساس أن “الخبرة التي اكتسبها مهرّبو البشر، الذين يخيمون في غابات صربيا الشمالية، باتت كافية لنقل المهاجرين إلى النمسا ببضعة أيام”.
في هذا السياق، يقول “عبد العزيز” وهو لاجئ سوري وصل قبل بضعة أشهر إلى النمسا، واستقر فيها، إذ لم يكلّفه الأمر سوى 3500 دولار، للعبور من صربيا إلى العاصمة النمساوية فيينا :”مهربو البشر باتوا يعرفون جيدا الثغرات الحدودية، والطرق غير الخاضعة للرقابة، فضلا عن فهمهم الجيد لسلوك حرس الحدود المجري، وقدرتهم على توقع ردات فعله”.
لكن اللاجئين الذين لا يملكون هذا المبلغ، يضطرون إلى العبور بمفردهم عبر طريق يسمّونه “مثلث الموت”، في إشارة إلى المثلث الحدودي الواقع بين صربيا، ورومانيا، والمجر.
يقول لاجئ سوري آخر- رفض الكشف عن هويته -إن “العبور يبدأ بالتنسيق مع سيارة أجرة للنقل إلى المثلث الحدودي للدول الثلاث، صربيا، ورومانيا، والمجر، ثم يقطع المهاجرون ليلا طريقهم من صربيا إلى رومانيا، وبعدها من رومانيا إلى المجر، مشيا على الأقدام، في مسافة تزيد عن خمسين كيلو مترا”.
ويضيف أن”العبور من صربيا إلى المجر مباشرة يستحيل بدون المهربين، بسبب وجود جدارين على الحدود، ارتفاعهما أربعة أمتار. ويستخدم المهربون أربعة سلالم مرتفعة لعبور الجدارين، بحيث يكون لكل حائط سلمين للصعود والهبوط”
وأوضح بأن “الطريق الترابي، البالغ طوله نحو 50 كيلو مترا، بين صربيا ورومانيا والمجر، محفوف بثلاثة مخاطر وعقبات، وهي حرس حدود البلدان الثلاثة، فمن النادر النجاة منهم جميعا، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة”.
بعد دخول الأراضي المجرية، يصل اللاجئون إلى مشارف إحدى القرى الصغيرة في المجر، حيث يقومون بتغيير ملابسهم المهترئة من وعورة الطريق والنوم في العراء، بملابس نظيفة، فيها نوع من الأناقة، لإبعاد الشبهات عنهم، ثم يدخلون إلى تلك القرية.
على مدخل القرية تصطف عدة سيارات أجرة سوداء اللون، تقوم بنقل المهاجرين إلى العاصمة بودابست، مقابل 500 يورو عن الشخص الواحد. ويخلي سائقو السيارات المسؤولية عن أنفسهم، بحجة أنهم نقلوا ركابا من قرية عادية، لم يعرفوا أنهم مهاجرون غير شرعيين.
في حال النجاح بالوصول إلى بودابست، دون تفتيش السيارة على الطرقات، يحاول اللاجئون إيجاد طريقة لقطع تذكرة في محطة قطارات بودابست إلى إحدى الدول الأوروبية، دون لفت أنظار مفتشي وشرطة المحطّة، وفي حال النجاح بذلك، ينطلقون عبر القطارات إلى وجهاتهم من الدول.
وبسبب تعدد عراقيل هذا الطريق، بدءا بحرس الحدود الصربي ثم الروماني ثم المجري، ثم اجتياز القرية دون لفت النظر، وبعدها السفر من محطة القطارات بسلام، يقدّر اللاجئ السوري أن إمكانية النفاذ من طريق اللجوء هذا إلى أوروبا لا تزيد عن 5% في أحسن الأحوال.
وفي حال الرجوع إلى الوراء أي من تركيا إلى اليونان وصولا إلى إحدى الدول الأوروبية الغربية بعد تجاوز مثلث الموت، فإن النسبة قد لاتتجاوز الـ 1%.
مخيم الجحيم
قبل اجتياز الحدود من صربيا إلى المجر وهم قلة يقع مخيم بمدينة “سومبور”، حيث يحمل المخيم نفس اسم المدينة الواقعة في أقصى شمال صربيا، لكن يطلق على هذا المخيم أيضا اسم” مخيم الجحيم” وهو عبارة عن مهجع كبير، تسوء فيه الخدمات والظروف المعيشية، وتنتشر فيه الأمراض المعدية والجلدية، بسبب قذارة الفرش التي ينام عليها المهاجرون في طريق اللجوء إلى أوروبا.
في هذا المخيم لا يوجد أي مكان شاغر، فهو في الغالب ممتلئ تماما لدرجة أن الواصلين الجدد ينتظرون في العراء، حتى مغادرة أحد من يعيشون داخل المهجع، للمكوث مكانه.
وفي مساء كل يوم ينقسم المهاجرون هناك إلى مجموعات، كل مجموعة مكونة من خمسة أشخاص، ويبدأون مشوارهم لخوض “جيم” (Gym بالانجليزية)، وهو مصطلح يُطلق على كل محاولة جديدة لعبور طريق اللجوء إلى أوروبا الغربية، والتي غالبا ما تكون نسبة فشلها أعلى من نسبة نجاحها بكثير.
في “سومبور” ذاتها، حوّل المهربون عدة منازل كبيرة إلى فنادق مبيت، يتم تأجيرها للاجئين العابرين، مقابل 15 يورو عن كل ليلة للسرير الواحد، وهناك سمع اللاجئون عن حالات استغلال مختلفة، تعرّض لها أقرانهم، بسبب عدم توفر المال الكافي.
من بين هذه الحالات ما حصل خلال أبريل/نيسان الماضي حين اتصلت امرأة سورية بأحد المهربين، وطلبت منه أن ينقلها مع إحدى المجموعات إلى النمسا، مقابل كل ما تملكه، وكان ألفي يورو.
لكنه المهرب حاول استغلالها، وعرض عليها إقامة علاقة جنسية مقابل تهريبها على طريق اللجوء إلى أوروبا، فما كان منها إلا أن نشرت الحادثة على صفحات اللاجئين في مواقع التواصل الاجتماعي، وكشفت أمره أمام الجميع ليكون عبرة لغيرة ممن يحاول استغلال آلام الآخرين، وفق ما تؤكده المرأة السورية.
الحديث يطول عن قضية تدفق اللاجئين عبر البلقان والآلام والمتاعب التي يلاقيها هؤلاء في طريقهم نحو أوروبا الغربية، لاسيما أن هذا الطريق وازدياد تدفقه يأخذ دائما بعدا سياسيا خاصة بالنوايا التركية، فكلما توترت العلاقات بين أنقرة وأوروبا زاد تدفق اللاجئين، وحاليا تشهد العلاقات التركية اليونانية توترا متزايدا لأمور عديدة كان أخرها خلافات حول حقوق التنقيب عن النفط في المتوسط، وهو ما يفسر ارتفاع أعداد محاولات اللاجئين العبور نحو اليونان خلال الأشهر الأخيرة.
كذلك، فإن تركيا دأبت خلال السنوات الماضية التعامل مع ملف اللاجئين بطريقة “ابتزازية” وفق ما يصفه بعض السياسيين الأوروبيين، حيث تفتح الطريق متى تشاء وتغلقه من تشاء، والضحية دائما هم اللاجئون الذين يبحثون عن حياة أفضل لكن الكثير منهم يفقد حياته قبل أن يحقق هذا “الحلم”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.