هيئة التحرير
أقل من 24 ساعة، تفصل لبنان عن نطق المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق، “رفيق الحريري”، والمتهم فيها 4 من عناصر حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، لتتصاعد خلال تلك الساعات القليلة المتبقية، التكهنات حول الخيارات التي قد يلجأ لها الحزب لمواجهة ذلك الحكم، الذي يأتي بالتزامن مع كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولا سيما أن كافة الترجيحات، تشير إلى أن المحكمة تتجه للإدانة العناصر الأربعة.
وكانت المحكمة قد أجلت جلسة النطق بالحكم من 7 آب وحتى 18 من الشهر ذاته، بعد ساعات من حادثة انفجار المرفأ، التي أودت بحياة أكثر من 200 شخص وأصابت 6 آلف آخرين وشردت 300 ألف لبناني، والتي يتهم أيضاً حزب الله بالمسؤولية عنها.
خيارات 7 أيار بغطاء الجيش
كثيراً ما يربط المحللين السياسيين خيارات حزب الله لمواجهة أزماته الداخلية، بسلاحه، واعتماده على فرض واقع يقمع منتقديه ومعارضيه بقوة ذلك السلاح، ومن هنا يشير الخبير في الشؤون اللبنانية، “إدوارد بو صعب” خلال حديثه مع مرصد مينا، إلى أن الحزب قد يلجأ إلى خيار 7 أيار جديد ومحاولة استخدام سلاحه للسيطرة على البلاد بشكل فعلي، لا سيما وأن الخطاب الأخير لأمينه العام، دفع بشكل واضح باتجاه التحريض ضد المتظاهرين، من خلال اعتباره أن ما يحدث في الشارع اللبناني هو جزء من المؤامرة على محور المقاومة والممانعة.
وكان “نصر الله” قد شن هجوماً على المتظاهرين اللبنانيين في آخر ظهور له قبل أيام، متهماً إياهم بارتكاب ممارسات لا أخلاقية والارتباط بسفارات أجنبية ذات أجندات مشبوهة في لبنان.
إلى جانب ذلك، يستشهد الخبير “بوصعب” بإقرار مجلس النواب اللبناني لقانون الطورائ، الخميس الماضي، كمؤشر على محاولة الفريق الحاكم، بما فيه حزب الله، لفرض المزيد من السطوة على الحكم عبر مؤسسة الجيش، موضحاً: “النظام الحاكم وتحديداُ حزب الله، يسعى إلى إحلال 7 أيار جديد من خلال هيئات الدولة العسكرية، التي يسيطر عليها، لتجنب الزج بقدراته الحزبية العسكرية، ولتظهر الأمور في شكلها على أنها مواجهات بين الجيش والدولة من جهة وبين المتظاهرين من جهة أخرى، ما يبقي حزب الله وحلفاءه خارج المشهد”.
وتعود أحداث 7 أيار إلى عام 2008، عندما نشر حزب الله أعداد كبيرة من مسلحيه في شوارع العاصمة بيروت، معلناً السيطرة عليها، بسبب رفضه لقرارات رئيس الحكومة الأسبق، “فؤاد السنيورة”، بتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب.
نظرة “بوصعب” حيال خيار فرض السيطرة العسكرية، تتوافق مع رأي الخبير في شؤون الميليشيات في الشرق الأوسط، “محمد كيالي”، الذي يؤكد على أن الحزب وفي حال فشل الجيش في فرض وصايته وقمع أي تحركات شعبية، فإنه لن يتردد بالدخول في مواجهات مسلحة ونشر مسلحيه في العاصمة حتى وإن قاد ذلك إلى حرب أهلية، فالحزب يدرك تماماً بأنه يخوض حالياً حرباً وجودية لا تقبل القسمة على خيارين، وفقاً لوصف الخبير.
كما يذهب “الكيالي” في تحليله إلى أن نظرية وأخطار الدخول في حرب أهلية لن تكون مستبعدة بالنسبة للحزب أو حتى حلفاءه في التيار الوطني الحر أو حركة أمل، طالما أنها ستكون خياراً بحمل أملاُ ولو ضئيلاً بتفادي سقوط سلطتهم، لا سيما وأنهم جميعاً كانوا من أمراء الحرب الأهلية اللبنانية، على حد قوله، مشيراً إلى أن الجهاز السياسي في الحزب يعرف أن المجتمع الدولي سيتحرك بجدية لنزع تلك السلطة، ما يعني أن جميع الخيارات باتت مفتوحة وفق قناعات الحزب وأيديولوجياته.
الحرب وسيناريو أكبر من الحزب
خلافاً لما اعتاد عليه الحزب خلال السنوات، التي تلت حرب 2006، يشير المحلل السياسي، “أحمد عيتاني” إلى أن قيادة حزب الله لن تلجأ إلى خيار الحرب المفتوحة ضد إسرائيل، واصفاً ذلك الخيار بأنه سيكون خراباً مستعجلاً بالنسبة للحزب وسقوطاً سريعاً له في حال تم، خاصةً وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، “بنيامين نتنياهو” لن يتردد في تحويل الحزب وأمينه العام، إلى قربانٍ للتخلص من أزماته الداخلية، والتي هددت حكمه وجعلته قريباً من دخول السجن.
بالإضافة إلى ذلك، يذهب “عيتاني” إلى التأكيد على أن سيناريو الحرب مع إسرائيل حالياً، سيكون له نتائج أكبر من أن يتحملها الحزب وحلفاءه، خاصةً وأن المشاركة في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد، لعدة سنوات أفقدت الحزب الكثير من قوته العسكرية والقيادية، كما أنها أفقدته دعم الشارع العربي، لافتاً إلى أن هذا الخيار سيكون الخيار ما بعد بعد الأخير للحزب، على اعتبار أن تبنيه يعني أن “نصر الله” وداعميه أدركوا أن لا بديل للسقوط وأن المواجهة مع إسرائيل ستكون قائمة على مبدأ، “علي وعلى أعدائي”.
وبحسب مصادر المعارضة السورية فقد قتل من عناصر حزب الله خلال الحرب السورية ما يتجاوز 1500 مقاتل من قوات النحبة، بينهم قياديين من الصف الأول، على رأسهم “جهاد مغنية” و”سمير القنطار” و”مصطفى بدر الدين”.
الحديث عن مواجهة مع إسرائيل في الوقت الحالي، كما يراها الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “سعد الكواري”، يعني منح حزب الله فرصة للمجتمع الدولي لتشكيل جبهة دولية ضده، معتبراً أن أي طلقة تخرج من فوهة بنادق حزب الله باتجاه الجيش الإسرائيلي، ستكون بمثابة فتح باب جنهم على الحزب، وهو ما لن يكون لحلفائه، خاصة في التيار الوطني الحر، قدرة على تحمله، لا سيما في ظل طموحات رئيس التيار، “جبران باسيل” بتولي منصب الرئاسة خلفاً لوالد زوجته، “ميشال عون”، في انتخابات عام 2023.
لا مفر..
على الرغم من وجود الكثير من التقاطعات في وجهات نظر الباحثين والمحللين السياسيين، إلا أن القاسم المشترك الأكبر هو أن الحزب لن يكون أمامه مفر من تحمل تبعات قرار المحكمة الدولية، خاصةً بعد فقدانه للكثير من الحاضنة الشعبية، فوفقاً لما يقوله المحلل، “عيتاني”، فإن كل ما يمكن للحزب فعله هو اللعب على وتر الوقت وتأخير الكارثة المحيطة به، مشدداً على أن الفترة المستقبلية المتوسطة، القادمة، ستؤكد عبارة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بأن لبنان ما بعد تفجير المرفأ لن يكون كما قبله.
كما يرى الباحث، “بوصعب”، أن الحزب لن يكون أقدر من النظام السوري على تحمل الضغوط الدولية بعد مقتل “الحريري”، لافتاً إلى أن النظام ورغم كل محاولاته للمراوغة، اضطر في نهاية المطاف إلى الرضوخ لضغوط المجتمع الدولي وسحب قواته من لبنان بعد أيام من قتل “الحريري”.
ويعتبر “بوصعب” أن الفرصة الوحيدة للحزب حتى يحفظ له مكاناً في المعادلة السياسية اللبنانية في المستقبل، لا يمكن أن يحصل عليها إلا بتقديم تنازلات ضخمة، على رأسها الانصياع لقرار المحكمة والتفاوض حول سلاح، لأن أي خيار غير ذلك، سيضاعف من الثمن الذي سيدفعه الحزب، على حد قوله، مستبعداً في الوقت ذاته أن تصغي قياداته لهذا الخيار.