تشهد السوق التنافسية في العالم خطورة متصاعدة، مع تسريبات تتعلق بخطوات أمريكية جديدة تضاف لحركة سابقة تتعلق بتمديد الغاز إلى أوروبا، فالغاز الذي شكل دومًا ورقة موسكو الرابحة ضد أوروبا الخائفة من موسم الشتاء، فتلوح به روسيا ضد الأوروبيين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في ملفات مختلفة.
وذات الورقة كانت تستخدمها أوكرانيا – الحليف الجديد للغرب – ضد روسيا، عبر عرقلة مرور الغاز عبر أراضيها وتهديد موسكو بذلك كلما رفع الروس من سقف هجماتهم ضد الأوكرانيين المستفيدين من مرور الغاز عبر أراضيهم ماليّاً وجيو – سياسياً.
واليوم تبدو واشنطن في نيّة المضي بشوط الحرمان وعرقلة الخطط الروسية (- والأوربية – من ورقة الغاز حتى النهاية؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى احتمالية الصدامات بين أوربا وأمريكا، ومن المتوقع أن يقرر الكونغرس الأمريكي حزمة عقوبات جديدة تستهدف خط السيل الشمالي ” 2 ” والذي من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا فأوربا، عبر بحر البلطيق في الشمال.
وكانت صحيفة (Handelsblatt) الألمانية، رجحت أن يتبنى الكونغرس الأميركي حزمة جديدة من العقوبات ضد مشروع ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا “السيل الشمالي، ونقلت الصحيفة عن مصادر في الدوائر الدبلوماسية في واشنطن أن العقوبات ستستهدف المستثمرين والشركات المستقبلة للغاز، في حالة استمرار العمل على إنجاز المشروع، وأنه في حال الضرورة قد يتم إقرار العقوبات في وقت مبكر من فبراير/ شباط أو مارس/ آذار.
من جهتها، عبّرت ألمانيا عن انزعاجها من سياسية العقوبات الأميركية العابرة للحدود، وجاء ذلك بعد التقارير التي أفادت بعزم واشنطن فرض عقوبات جديدة على مشروع “السيل الشمالي-2” الروسي، وأوضح مصدر في وزارة الخارجية الألمانية، أن “الخارجية لا تشارك في التكهنات (المرتبطة بعقوبات محتملة). تحافظ ألمانيا على اتصالها مع الولايات المتحدة بشأن جميع القضايا الثنائية والدولية الهامة، لكن موقف برلين معروف، فالحكومة لا تقبل بأي شكل من الأشكال القيود العابرة للحدود”.
العقوبات الأمريكية المتوقعة، تأتي لردع الشركات الروسية عن إتمام تمديد المرحلة الأخيرة من الأنابيب، بجهودها الذاتية بعد العقوبات السابقة التي تسببت بانسحاب الشركات الغربية والألمانية من المشروع بعد أن وقع الرئيس ” ترامب ” في شهر ديسمبر / كانون أول السنة الماضية قانونا يفرض عقوبات على الشركات المساهمة في مشروع “السيل الشمالي ” وصادق مجلس الشيوخ الأمريكي في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بغالبية ساحقة على فرض العقوبات، وتم إرسال القانون، إلى ترامب الذي وقع عليه.
ومن المقرر أن تضخ روسيا عبر هذه الأنابيب 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى ألمانيا، وهو ما يضاعف من سعة خط الإنتاج الحالي لشركة “السيل الشمالي”، وترى الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الشرقية أن الخط الجديد يمثل تهديداً لطريق العبور الأوكراني القائم منذ عقود، ويمثل عائداً ماليّاً كبيراً لأوكرانيا التي ما انفكت تبتز روسيا بورقة الغاز، مما يعني بعد افتتاح الخط الجديد، اعطاء روسيا القدرة على تجاوز أوكرانيا كممر عبور.
وتتخوف دول أوروبية من المشروع لآثاره الاقتصادية والاستراتيجية المتوقعة على دول في وسط وشرقي القارة، والتي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الروسي، في خلاصة القرارات الجديدة، يوحي التوجه الأمريكي، ببلوغ العجز التقني منتهاه في عرقلة عمل الشركات الروسية.
فوضعت العقوبات ” الشديدة ” على الطاولة في أقل من شهرين لكن العقوبات الجديدة، بمجرد تبنيها، تغلق الأنبوب عند المصب، عمليا. مما يوحي باحتمالية تخفيف شروط العقوبات ضمنيّاً أو أن تجد أوربا وسائل جديدة للالتفاف على فحوى العقوبات، يضاف لذلك كله، التساؤل عن مدى استمرار الصمت الأوربي وما كلفة الرفض وتحركات عواصم القرار في ألمانيا وبروكسل ضد الرغبة الأمريكية ومدى انحيازهم للجانب الروسي.. حرب تجارية وأسئلة تنتظر إجابات في سيرورة المستقبل الجيو – سياسي في العالم ككل.