مرصد مينا – هيئة التحرير
“أنا داعم النظام الأكبر،ورزقي من الله”، ملخص ما يقارب العشرين دقيقة، خرج فيها رجل الأعمال السوري وابن خال بشار الأسد “رامي مخلوف”، الذي اشتكى خلاله من فرض الحكومة السورية ضرائب على شركاته وصلت إلى 130 مليار ليرة سورية، ما اعتبره “مخلوف” في تسجيله وظهوره النادر، ظلماً من الفريق الحاكم المحيط بالأسد.
خلافات الزوجة والقريب وحرب الفضائح
أهم ما ذهبت إليه تعليقات السوريين على الفيديو المسجل إلى أنه يعتبر مؤشرا ودليلاً دامغاً على وجود خلافات سلطة داخل عائلة الأسد، خاصة بين “مخلوف”، الذي مثل خزنة “بشار الأسد” وعملياته التجارية على مدار عقود، وبين زوجته “أسماء الأسد”، خاصةً بعد أزمة شركة “تكامل” التي يملكها ابن خالتها، “مهند الدباغ”، والتي كان “مخلوف” من أبرز أطرافها، كعدو “للدباغ”.
تعود قضية شركة “تكامل” إلى حملة إعلامية، اتهم “مخلوف” بإدارتها، لفضح استغلال الشركة للسوريين، لتنتهي بقرار من الحكومة بوقف تدخل الشركة بعمليات توزيع الخبز، ما اعتبر جزء من حملة يشنها “مخلوف” ضد “أسماء الأسد”، التي يرى فيها قوة ساعية لإزاحته عن العرش الاقتصادي للنظام، خاصةً بعد دخول العديد من أفراد أسرتها على خط الاستثمارات السورية، كوالدها “طريف الأخرس” وقريبها “مهند الدباغ”.
حرب الفضائح التي يقال إن “مخلوف” يشنها ضد زوجة “الرئيس” امتدت أيضاً إلى تسريب خبر شراء “بشار الأسد” لوحة لزوجته بمبلغ 30 مليون دولار، قبل أشهر، في محاولة لتعرية باقي أفراد العائلة، بما فيهم رأس النظام، بعد فضيحة تسريب صور الحياة المترفة لأبناء “مخلوف” في الإمارات، وفضيحة شراء عقارات في روسيا بقيمة 40 مليار دولار، والتي أثارت جدلاً كبيراً داخل أوساط النظام ومواليه قبل معارضيه.
في هذا السياق، يؤكد رئيس الحكومة السورية المنشق “رياض حجاب” في تصريحات صحافية، أن “مخلوف” وحتى فترة انطلاق الثورة، كان اليد الاقتصادية الوحيدة “للأسد”، كما يشير إلى الاجتماع الأخير بينه وبين “الأسد” قبيل انشقاقه 2012، والذي تحدث فيه عن طلب مباشر وجهه “الأسد” له بتحويل عقود استثمار شركتي الاتصالات الخليوية “سيرياتيل” و “MTN” إلى عقود إيجار باسم “رامي مخلوف”، مقابل نصف مليار دولار، في حين ان القيمة الفعلية تصل إلى 5 مليار دولار، موضحا أن “الأسد” في تلك الفترة كان يعمل لجني أكبر قدر من الأرباح خوفاً من فقدان السلطة بسبب اشتداد العمليات العسكرية للمعارضة.
نظرية: هو جيد لكن من حوله فاسدين
التدقيق في بعض جزئيات الفيديو المسجل “لرامي مخلوف”، أظهر محاولة الأخير إظهار “بشار الأسد” كشخص منفصل عن السلطة وعما يجري داخل البلاد، من خلال التأكيد عدة مرات على وجود فئة حاكمة تستهدفه بشكل شخصي، فيقول في الفيديو: “يا سيادة الرئيس، لقد تعبت من هذه الفئة الحاكمة المحيطة، أرجوك أن تتدخل بنفسك وتطلع على الأمور والحسابات بشكل شخصي، هذه الفئة لم أعد احتمل العمل معها”.
بعض التحليلات والتعليقات على الفيديو اعتبرت أن “مخلوف” من خلال تلك الكلمات لم يكن يريد تبرئة “الأسد” من حالة الفساد الموجود أو الصراع، على مبدأ “هو جيد ولكن من حوله فاسدين”، وإنما سعى لترسيخ صورة ضعف “بشار الأسد” في الحكم، وتثبيت فكرة أنه لم يعد يحكم سوريا كما كان سابقاً بوجود لوبي هو المسيطر على كل شيء في البلاد، كما أراد ان يظهر نفسه كشخص مقاوم لهذا اللوبي وأن يتبرأ من منظومة الفساد وأعمالها، وأنه قريب “الأسد” الذي سبح عكس تيار العائلة ورفض ما يحدث في سوريا، خاصةً وأنه ذكر في عدة مناسبات خلال الفيديو، بالأعمال الإنسانية ودفع الضرائب للدولة كأي تاجر آخر.
جمعية البستان وسيناريو الزعبي
بالعودة قرابة العقدين من الزمان، تظهر قصة رئيس الوزراء السوري الأسبق “محمود” الزعبي”، الذي قيل إنه انتحر بعد توجيه تهم فساد له، تسببت بإقالته، هي القصة التي يذكرها السوريون جيداً، ويربطونها برغبة “حافظ الأسد” بتوريث الحكم لنجله “بشار الأسد” من خلال البحث عن ضحية لعملية التوريث تلك.
تعود قصة رئيس الحكومة المذكور وفقاً لما يتداوله السوريون، إلى رغبة “بشار الأسد” بتقديم نفسه كمحارب للفساد باحثٍ عن التطوير والبناء، ليقدم “الزعبي”، قرباناً للحكم، بعد نشر عدة فضائح تتعلق بفساد مالي وسرقة أملاك الدولة، والتي انتهت برئيس الحكومةالذي يوصف بأنه “الأكثر ولاءً” لحافظ الأسد، جثة هامدة في منزله، وسط اتهامات لمخابرات النظام بتصفيته كونه أحد صناديقها السوداء.
الحديث مجدداً عن دراما “الزعبي”، أنعشه تشابه الظروف بينها وبين ما يعيشه “مخلوف” اليوم، حتى وإن اختلفت بعض التفاصيل والشخصيات، حيث يرى بعض المحللين إلى أن محاولة نشر فضائح “رامي مخلوف” وما سبقها من تجميد أموال جمعية البستان، المملوكة له، وفضيحة شحنة المخدرات، التي تم ضبطها في ليبياقبل أسابيع ، التابعة لشركة “ميلك مان” إحدى شركات “مخلوف”، قد تكون مقدمة لتقديمه قرباناً لمنظومة مالية جديدة أكثر قرباً من “أسماء الأسد”؛ يستعد النظام لطرحها ما بعد الحرب، لتكون خليفة إمبراطورية “آل مخلوف”، التي بدأها الأب”محمد مخلوف” وأكملها نجله “رامي”.
وبدأت أزمة جمعية البستان في أيلول الماضي، بصدر قرار رئاسي بتجميد أعمال الجمعية، التي كانت تدعم العديد من الميليشيات المسلحة المنشرة في عدة مدن سوريا، والذي أكدت مصادر من داخل القصر الجمهوري، بحسب تسريبات إعلامية، أنه جاء خلفية توتر العلاقة بين الأسد ومخلوف بسبب قضايا مالية امتنع الأخير فيها عن تقديم الدعم المالي الذي طلبه رأس النظام، في حين ربطت مصادر أخرى بقرار روسي بتصفية كافة الميليشيات المسلحة في سوريا، لا سيما التي تعتبر على صلة مع النظام الإيراني.
في هذا الصدد، يقول أحد المحللين السوريين، الذي رفض الكشف عن هويته، لمرصد مينا: “من خلال الفيديو يحاول مخلوف أيضاً قلب الطاولة على الجميع وتوجيه ضربة استباقية لمنظومة أسماء الأسد التي تسعى لإزاحته من المشهد، فهو يعلم تماماً أنه يعيش وسط منظومةلا مكان فيها للأوراق المحروقة، ويعلم تماماً أن إزاحته عن العرش المالي والمكانية الاقتصادية تعني إما تصفيته أو سجنه”.
قراءة أخرى ترى أن ظهور رامي مخلوف لا يخرج عن المواجهة الروسية الإيرانية لاسيما أن موسكو عمدت مؤخرا الإشارة وبشكل غير مسبوق عبر وسائل إعلامها إلى أن الفساد ينخر جسم النظام وأن بشار الاسد لم يعد يستطيع السيطرة.
المتابعون يرون أن في ما أورده الاعلام الروسي إشارة لضرورة تحجيم الأجنحة الموالية لإيران في سوريا وقد يكون “مخلوف” أحد أعمدتها.