هيئة التحرير
توسع نطاق الاحتجاجات في سوريا ضد النظام السوري، وسياسات حكومته الاقتصادية إلى مناطق عدة، وتواردت أنباء عن قيام تحشيد للقوات الأمنية في مدينة السويداء كأكثر المحافظات حضوراً بالمشاركة الجماهيرية، وكان لافتاً وفق مصادر «مرصد مينا» الاحتقان الشعبي في مختلف المدن وخاصة درعا ودمشق وإدلب، لكن المظاهرة الأقوى كانت في السويداء إذ تظاهر مئات الأشخاص للتنديد بارتفاع أسعار السلع الغذائية، والانهيار الكامل لليرة السورية مقابل الدولار، فيما هتفت بعدها بإسقاط النظام، وقالت مصادر خاصة بالموقع، إن الشعارات والهتافات بدأت بالتركيز على انتقاد سياسات الحكومة الاقتصادية، لكن بعضها استهدفت فيما بعد مع استمرارها وانضمام مختلف الفئات لها؛ رأس الهرم في النظام، من قبيل «رحيل بشار الأسد وإسقاط النظام»، والمطالبة بخروج الميليشيات الإيرانية والروسية من المنطقة.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع مصورة، كما نقلت أهم الشعارات التي تم رفعها منها: «سوريا حرة وإيران تطلع بره» وشعار «سوريا لنا وما هي لبيت الأسد»، و «يالله ارحل يا بشار»، والشعب يريد إسقاط النظام»، وبسبب الخوف من توسعها أكثر خاصة وأن احتجاجات السويداء تعتبر ضربة قوية للنظام السوري وحلفائه، أغلقت العديد من المحال التجارية في مناطق نفوذ النظام، وخاصة حماة وحمص ومدن الساحل، فيما كان الخوف الأكثر من خروج دمشق، الأمر الذي أجبر النظام على استنفار معظم الفروع الأمنية تحضيراً لإخمادها.
تحشيد عسكري واستنفار
وسربت تقارير إعلامية، معلومات من قيام النظام بإرسال تعزيزات عسكرية لمحافظات الجنوب لمواجهة الاحتجاجات في السويداء وأيضاً محافظة درعا مهد الثورة السورية واحتجاجاتها في آذار/ مارس 2011، وفي الوقت الذي اعتبر العديد أن عودة المظاهرات ضرورة من أجل وحدة السوريين لإسقاط نظام الأسد، أكدت مصادر «مرصد مينا» أن «قوات الأسد منعت مظاهرات مماثلة من الخروج في دمشق، تزامنا مع دعوة لإضراب عام في الساحل السوري بسبب الأزمة الاقتصادية المستفحلة»، حيث تشهد سوريا تدهوراً اقتصادياً من جميع النواحي مع ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية، وتراجع غير مسبوق لليرة مقابل العملات الأجنبية، إذ بلغ سعر الدولار الواحد نحو 2600 ليرة، في بعض المناطق.
ووفق شبكة «السويداء 24» فإن تعزيزات عسكريّة دخلت مع ساعات المساء، من اليوم الأحد، مشيرةً إلى أن «عربات مصفحة توجهت إلى أحياء مدينة السويداء، بالإضافة إلى استقدام رتل عسكري مزوّد برشاشات ثقيلة إلى محيط مبنى المحافظة»، وكشفت الشبكة من أن «استقدام التعزيزات العسكريّة، جاء بالتزامن مع وصول وفد من الضباط والمسؤولين لدى النظام، إلى مبنى المحافظة، بغية عقد اجتماع على خلفية التطورات الأخيرة»، فيما وصفها بعض الناشطين بـ«اجتماع القمع»، محملين السلطات السورية مسؤولية تدهور أوضاع السوريين وغلاء المعيشة الفاحش، ومؤكدين على سلمية الاحتجاجات ودون إيذاء أي أحد من المدنيين أو المحلات الموجودة في الشارع ذاته.
خروج درعا مهد الاحتجاجات تنتفض
وكانت مدينة «طفس» في ريف درعا، قد شهدت مساء السبت، تظاهرة حاشدة خرجت للتنديد بالأوضاع المعيشية، مطالبةً بإسقاط النظام، وقالت مصادر محلية، إنه وإلى جانب الاحتجاج على الأوضاع المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار، بعد وصول سعر الصرف لحاجز 2500 ليرة للدولار الواحد، والمطالبة بإسقاط النظام، ندّد المحتجون بما وصفوه بالاحتلال الروسي والإيراني في سوريا، وإخراج جميع المعتقلين من سجون ومعتقلات النظام وأجهزته الأمنية.
وتشهد درعا بشكل عام توتراً كبيراً، واستياء شعبياً من جميع الفئات بسبب ممارسات قوات النظام، بالتزامن مع استمرار الانفلات الأمني في المدينة وريفها، بعد أن عاد النظام للسيطرة عبر التسويات الهشّة، إذ وأشارت تقارير إعلامية إلى أن المتظاهرون رفعوا لافتات كُتب عليها «نظام لا يستطيع ضبط الأسعار فاليرحل من هذه الديار»، وأيضاً «في كل دول العالم يفنى شخص من أجل الشعب… وفي سورية يفنى الشعب من أجل شخص»، في إشارة إلى بقاء بشار الأسد رغم كل الدمار والقتل الذي خلفه.
ولم يختلف الأمر في شمال غربي سوريا، حيث خرجت مظاهرات في إدلب التي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، ونادت برحيل وإسقاط «محمد الجولاني» زعيم الهيئة، وسط استياء شعبيّ من الأهالي، بعد قيام الأفران التي تنتج مادة الخبز برفع تسعيرة «الربطة» الواحدة إلى 600 ليرة سورية بوزن 775، كما شهدت مدن الشرق وخاصة الحسكة والشدادة قبل يومين مظاهرات بسبب منع الإدارة الذاتية الفلاحين من بيع محصولهم خارج مكاتب الإدارة، ووصلت بعضها لحالة الضرب ووقوع إصابات بين المتظاهرين.
الإصلاح والسقوط المؤجل
منذ 2011 تشير جميع المعطيات أن النظام السوري، وعلى الرغم من إقراره بضرورة الإصلاح والإسراع بإنجازه، ولو على النطاق الإعلامي، فإنه غير مؤهل للقيام بذلك، وبالتالي لم يعد بإمكانه قيادة الشعب السوري، ولا توحيده أو ضمان تأمين متطلبات العيش الكريم له، ضمن قواعد الحرية والمساواة التي خرج من أجلها ودفع مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين في سبيل ذلك، والذي يكشف زيف خطط النظام في إجراء أي إصلاح، الذي يجب أن يبدأ برحيل النظام أولاً.
ومع تسارع الأحداث واتساع رقعة الاحتجاجات في سوريا مجدداً، بالتزامن مع تنفيذ عقوبات «سيزر» قد يكون ما لم يحققه الشعب قبل، يحققه الآن رغم صعوبة التنبؤ بالمستقبل مع هذه الأنظمة التي تدار أمنياً، حتى تحولت الدولة بأكملها إلى دولة أمنية بامتياز، وهذا ما يؤكد أكثر أن الأسد ليس لديه أيّ مشروع حقيقي للإصلاح سوى نهب البلد، وما سوء العلاقة مع ابن خاله رامي مخلوف حوت الاقتصاد السوري سوى الصراع على شفط باقي أموال السوريين التي بلعها من خلال شركاته ومعامله وسماسرته، وما يقوم به لن يغير من النظام السوري أو سياساته شيئاً، وإجراء إصلاحات جزئية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لم تعد تصلح ما أفسده الأسد.