ثلاثة أيامٍ على إعلان وزارة المهجرين العراقية، قرارها بإغلاق مخيمات النازحين مع حلول مطلع العام القادم، القرار الذي يبدو أنه لم يكن كافياً لتبديد مخاوف أولائك النازحين من عدم إمكانية العودة إلى منازلهم التي تركوها قبل سنوات طويلة، لا سيما وأن العديد من العقبات، التي تحول دون عودتهم لا تزال موجودة بحسب ما تؤكده مصادر خاصة لمرصد مينا.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت قبل أيام أن كافة المخيمات سيتم إغلاقها في البلاد، باستثناء المخيمات المقامة في إقليم كردستان، والتي تضم نحو 400 ألف نازح، مشيرةً إلى أنها ستمضي باتجاه إعادة إعمار المنازل المدمرة.
عقبة الميليشيات.. حاجز يصعب تخطيه
بعيداً عن الظروف المادية الصعبة، التي يمر بها العراق، ترجع المصادر الخاصة بمرصد مينا سبب عدم إعادة الإعمار في المناطق المدمرة وسط العراق خلال السنوات الماضية، إلى رفض الميليشيات عودة النازحين تحت ذريعة إمكانية عودة تنظيم داعش إلى المنطقة والتسلل بين السكان، لافتةً إلى أن تلك الذريعة مكنت الميليشيات من الانتشار في المنطقة وبسط نفوذها فيها على الرغم من طرد التنظيم الإرهابي.
إلى جانب ذلك، ترجع المصادر وقوف الميليشيات، وتحديداً ميليشيات الحشد الشعبي في وجه عودة النازحين إلى منازلهم، برفضها لفكرة قيام إقليم حكم ذاتي في مناطق وسط العراق، ذو الغالبية السنية، في تجربة شبيهة لإقليم كردستان، ما يحد من نفوذها ونفوذ إيران في العراق ويحصره في مناطق الجنوب، الذي يشهد حالياً انتفاضة شعبية كبيرة ضد الميليشيات.
يشار إلى أن مجموعة من الأكاديميين والقانونيين والباحثين وقادة عسكريين ووزراء ونواب سابقين واقتصاديين بالإضافة إلى مشايخ من السنة، قد أعلنوا خلال الأيام القليلة الماضية، عن وضع خطة تثقيفية لفكرة انشاء اقليم الوسط العراق” أو ما يعرف بـ”الاقليم السني” الذي يضم محافظات (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى) تحت جمهورية العراق الاتحادي الفدرالي.
خطوات صعبة وقلق من المحيط العربي
عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم، مرتبطة بسلسلة أمور مفصلية، بحسب ما يراه المحلل السياسي “حيدر الجعفري”، وأولها انسحاب الميليشيات المدعومة من إيران من مناطق الإقليم السني، مشدداً على أن معظم النازحين لن يعودوا في حال عدم خروج تلك الميليشيات من مدنهم، خوفاً من تعرضهم لمجازر وعمليات اضطهاد طائفي.
كما يوضح “الجعفري” أن سبب عدم عودة النازحين الرئيسي ليس حجم الدمار ولا فقدان البنية التحتية فقط، وإنما الخوف من بطش الميليشيات وإمكانية تعرضهم لعمليات تطهير طائفي، شبيهة بالتي شهدها العراق عام 2006 وحتى عام 2008، مشدداً على ضرورة تأمين الحماية الحكومية للنازحين قبل إعادتهم.
وبحسب التقارير الرسمية فإن خطة الحكومة العراقية تستهدف إعادة مليون ونصف المليون نازح إلى مناطق إقليم الوسط، بحلول العام المقبل.
تزامناً، يرى الخبير في الشؤون العراقية، “عبد الستار الجنابي”، أن الميليشيات ستصعد من إجراءاتها لمنع عودة النازحين، وذلك بضغط من إيران، لا سيما في ظل تزايد القلق الإيراني من التقارب العراقي مع المحيط العربي، وتحديداً مع مصر والسعودية، موضحاً: “إقليم الوسط والممتد بين المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد، يمثل منذ 2003 محور قلق لدى إيران، خاصةً وأنه قد يمثل مركز ثقل للوجود العربي في العراق، وهذا يمكن لمسه من خلال التصريحات الأخيرة لسياسيين عراقين موالين لإيران”.
يشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، “نوري المالكي” وزعيم ميليشيات عصائب أهل الحق، “قيس الخزعلي” قد أعلنا رفضهما لاتفاقات استثمارية عقدتها الحكومة العراقية مع كل من مصر والسعودية، خلال الأيام القليلة الماضية.
أزمات مستمرة وقدرات غائبة
حتى في حال تمكنت الحكومة العراقية من تفادي عقبة الميليشيات وإعادة النازحين إلى مناطقهم، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء أزمتهم بشكل كلي، خاصة مع عجز العراق المالي والأزمة الاقتصادية، بحسب ما يراه المحلل الاقتصادي “بدر الدين رسول”، الذي يشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار في المناطق المدمرة، قد تصل إلى 90 مليار دولار.
يذكر أن التقديرات الاقتصادية، تشير إلى إمكانية ارتفاع حجم العجز في الموازنة العامة العراقية إلى 65 مليار دولار مع نهاية العام الجاري، في ظل تراجع أسعار النفط العالمي.
في ذات السياق، يضيف “رسول”: “الحكومة للشهر الثالث على التوالي تعجز عن تأمين رواتب موظفي القطاع العام، البالغة 5 مليار دولار شهرياً، ما يشير إلى استحالة الشروع بإعادة إعمار المناطق المدمرة في العراق”، لافتاً إلى أن ذلك العجز وهذه الأوضاع تشير إلى أهمية أن يتجه العراق نحو المزيد من الاستثمارات الخارجية، خاصة القادمة من المحيط العربي، والتي قد تسهم إلى حد كبير في حلحلة الأزمات المالية والمعيشية من خلال تأمين فرص العمل وزيادة واردات الخزينة العراقية.
كما يلفت “رسول” إلى أن عمليات التنمية في المناطق الوسطى والغربية ستساعد إلى حد كبير في تنمية تلك المناطق وإعادة إعمارها من ناحية البنية التحتية والاقتصادية، وإعادة الحياة لها، مشدداً على أن العراق لا يحتاج فقط إلى إعادة إعمار المنازل والمنشآت الحكومية فقط، وإنما بحاجة إلى إعادة إعمار في كافة المجالات.