أثار مسلسل التفجيرات المتتالية التي تستهدف أبراج نقل الطاقة الكهربائية في مناطق متفرقة من العراق، الكثير من التساؤلات عن الجهات التي تقف خلفها، اذ وصلت “حرب الطاقة” إلى استهداف شركات الغاز في شمال العراق، فيما يعتقد المراقبون أن المعركة تمتد جذورها لمحاولات طهران الاستحواذ على ملف الطاقة.
مصادر أمنية عراقية أكدت، أن “صاروخ كاتيوشا سقط على شركة غاز الشمال، غربي مدينة كركوك التي تبعد 250 كم شمالي العاصمة بغداد”، لافتة إلى أن “الصاروخ أصاب ساحة خالية داخل مجمع الشركة دون وقوع إصابات وخسائر مادية”.
ويشهد العراق في الآونة الأخيرة انقطاع “التيار الكهربائي” في ظل ارتفاع درجات الحرارة، بسبب عمليات تنفذها “خلايا مجهولة” لتفجير أبراج لنقل الطاقة الكهربائية في عدد من المحافظات العراقية، نجحت السلطات في إحباط بعضها.
هجمات منظمة..
الهجمات التي استهدفت الأبراج طالت أغلب المناطق العراقية، اذ أكد مدير عام نقل الكهرباء في المنطقة الشمالية “خالد غزاي” أن نحو 20 برجا ناقلا للطاقة الكهربائية تعرض للاستهداف خلال الاسبوعين الماضين في كركوك ونينوى وصلاح الدين، وبلغ اجمالي الأبراج المستهدفة 46 برجا خلال الأيام الماضية، كما تطورت تلك الهجمات من ضرب أبراج النقل إلى قصف محطات توليد نوعية في البلاد منها (محطتي صلاح الدين والمسيب) أخرجتها عن الخدمة، ولن تعود قبل عام من الآن.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية من الطاقة نحو 18 ألف ميجاوات، فيما تبلغ احتياجات البلاد أكثر من 28 ألف ميجاوات، وفقاً لوزارة الكهرباء، خرج منها 6٠ خطا رئيسيا عن الخدمة تماما.
كما يلاحظ في عمليات الاستهداف نوع من التنسيق، اذ أن أغلب الهجمات التي جرت الأحد الفائت، حدثت في المناطق الصحراوية الغربية، في مدن الحديثة والقائم والرمانة في محافظة الأنبار، وكانت قبلها بيوم، في القطاع الغربي من محافظة كركوك، في محيط منطقة دبس، الامر الذي يشير إلى أن المنفذين ينتمون لخلايا تنظيمية واحدة.
وشكك مراقبون في صحة البيان الذي أصدره تنظيم داعش الإرهابي، والذي تبنى فيه بعض هذه العمليات، مثل استهداف محطة شمال سامراء لإنتاج الكهرباء.
بدوره، أفاد وزير الكهرباء الأسبق، “قاسم الفهداوي”، بأن “القدرة على استهداف هذه الأجزاء تتطلب إحداثيات من مصادر لديها دراية تقنية بهذه المحطات، والأمر كله شبهة واضحة”، فيما كشف ضابط ميداني لوسائل الاعلام أن “الهجمات الأخيرة تبدو نوعية ومنسقة، وتختلف عن سابقاتها، التي كان ينفذها إما عناصر (داعش)، فيما خسر مقاولون صغار عقوداً مع وزارتي الكهرباء والنفط”، مؤكداً أن “نوعية الهجمات تشير إلى جهة لديها سلطة ميدانية وأمنية في المناطق التي تمتد فيها خطوط الطاقة، لا سيما في المدن المحررة، شمال بغداد والعبوات المستخدمة محلية الصنع، وغالباً ما تعرف عليها مهندسو تفكيك القنابل في الأجهزة الأمنية”.
مصادر إعلامية لفتت إلى أن “المعلومات المُسربة من بعض الأجهزة الأمنية تؤكد أن الفاعلين ينتمون إلى مختلف مناطق العراق، ويعملون كخلايا صغيرة مستقلة عن بعضها البعض في مناطقهم المحلية، التي يتم إدارتها بشكل مركزي من جهة واحدة معروفة، تستفيد من مثل هذا الضعف في البنية الكهربائية في العراق”.
إيران وسوق الطاقة..
وتعكس الهجمات المنسقة ضد منظومة الطاقة في العراق حجم التعقيد والتنافس على سوق الطاقة التي تسعى ايران إلى الاستمرار بالسيطرة عليه من خلال أذرعها، اذ اتهمت ميليشيا “كتائب حزب الله” العراقية اليوم الأربعاء، الاستخبارات السعودية بالوقوف وراء تخريب أبراج الطاقة الكهربائية في البلاد، زاعمة أن “الرياض تسعى للدخول على خط الأزمة كمنقذ لترميم صورتها أمام العراقيين”.
كما أعادت الأزمة الحديث عن تنويع مصادر الطاقة في العراق من دول أخرى غير إيران، وأكد 3 نواب من لجنتي الطاقة والعلاقات الخارجية لوسائل الاعلام أن “قرار التعاقد على الغاز أو الكهرباء مع غير إيران شبه مستحيل لأسباب سياسية”.
وتتحكم إيران بحسب الأرقام في نحو ثلث قطاع الطاقة، إذ يبلغ معدل تجهيزها نحو 6 آلاف ميغاواط، بما في ذلك ما يوفره الغاز الإيراني للمحطات العراقية نحو 4 آلاف ميغاواط، وتبلغ التكلفة السنوية نحو 4 مليارات دولار.
يشار إلى أن وزير الكهرباء السابق كشف عن تفاصيل جديدة حول فشل اتفاق استثماري بين العراق والمملكة العربية السعودية، تقوم الأخيرة بموجبه بتأمين الطاقة للعراق من “الغاز المصاحب” المهدور أصلاً في البلاد، موضحاً أن “شركة أرامكو قدمت عرضاً أقل تكلفة من العقد الإيراني، يتضمن تحول الغاز العراقي المهدور إلى طاقة كهربائية، وإن الاتفاق كان على وشك الإبرام، لكن ضغوطاً من جهة سياسية أجهضت كل شيء”.
الباحث الأمني العراقي “زكوان شريف” أوضح في تصريحات لوسائل اعلام أن “أهداف الجهات المُستهدِفة تتلخص في أنه يرى الفاعلون بأن المشروعين العراقيين الاستراتيجيين في مجال الكهرباء، سواء من خلال التوقيع من الشركة الوطنية الأميركية للكهرباء، وشركة سيمنس الألمانية، اللتان وعدتها بتلبية حاجات العراق من الكهرباء خلال سنة، سيقطع مصدرا رئيسيا لموردي الكهرباء إلى العراق”.
يذكر أن رئيس المجلس الوزاري للطاقة وزير النفط “إحسان عبد الجبار إسماعيل” وقعت لإيجاد حلول بديليه تهدف إلى زيادة وتعزيز الإنتاج الوطني من الطاقة النظيفة، اتفاقية مع شركة مصدر الاماراتية، على عقد توليد 2000 ميغاواط من خلال إقامة مشاريع استثمار للطاقة الشمسية في وسط وجنوب العراق.
ولفتت تقارير إعلامية أن رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” اتفق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني خلال القمة الثلاثية الأخيرة التي عقدت في بغداد على مدّ شبكة ربط كهربائي بتكلفة 2.2 مليار دولار لتوريد الكهرباء إلى العراق مرورا بالأردن، وتجهز مصر من خلالها العراق بـ700 ميغاوات في أواخر عام 2023.
حلول أمنية
الكاظمي أوضح خلال اجتماعه بخلية الأزمة الخاصة بالطاقة الكهربائية، طبيعة الصراع الدائر في العراق والأسباب الحقيقية التي تقف خلف الأزمة الأخيرة، اذ تساءل: لماذا كل دول العالم لديها ربط كهربائي متنوع، فقط العراق لديه ربط مع إيران دون غيرها؟.. ولماذا لا يريد بعضنا أن تتم عملية الربط الكهربائي مع الخليج أو الأردن أو مصر؟.
وتضم خريطة خطوط نقل الطاقة في العراق مناطق شاسعة غير مأهولة في الغالب بين جنوب الموصل وصلاح الدين وأجزاء من الأنبار وصولاً إلى جنوب بغداد، لتتوزع إلى بقية مدن العراق، الامر الذي جعل حماية الأبراج من الهجمات الشغل الشاغل للحكومة العراقية.
رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” كلف قيادة العمليات المشتركة لحماية أبراج الطاقة، وتخصيص قوة خاصة تقوم بهذه المهام، بالإضافة إلى قيام قيادات الشرطة والمحافظين، بحماية المنشآت الكهربائية والعاملين فيها، وتخصيص مفارز خاصة.
وكانت قيادة العمليات المشتركة الأمنية، أعلنت البدء بالإجراءات والترتيبات للحد من استهداف أبراج الطاقة، باستخدام الطائرات المسيرة ومروحيات الجيش والقوة الجوية.
إلى جانب ذلك، كشف المتحدث باسم العمليات المشتركة اللواء “تحسين الخفاجي”، عن تفاصيل خطة حماية أبراج الطاقة، لافتة إلى أنه “سيتم إشراك الطيران الجوي فيها، وفتحت غرفة عمليات مع وزارة الكهرباء أشركت فيها الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي فضلا عن الأجهزة الأمنية الاخرى، وهذه الغرفة أعدت أولويات لحماية أبراج الكهرباء”.
وأكد المسؤول العراقي، أن “خطة حماية الأبراج، تضمنت إدخال الطائرات المسيرة وإدخال طيران القوة الجوية وطيران الجيش، فضلا عن البدء بإدخال منظومات وجهد فني بهذا المجال، ما أسهم في إيقاف بعض الهجمات التي استهدفت خطوط الطاقة في اليومين الماضيين”، موضحاً أنه “الجهد الاستخباري والأمني له دور كبير في نجاح الخطة، تم رصد مكافآت مجزية لمن يدلي على الإرهابيين”.
يشار أن مدن عراقية شهدت خلال الأيام القليلة الماضية احتجاجات على تقليص ساعات تزويد المواطنين بالكهرباء وانقطاعها، في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة التي وصلت إلى نحو 60 درجة تحت الشمس، و50 درجة في الظل.