تشهد المدن اليمنية، لاسيما الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، أزمة غذائية حادة نتيجة ارتفاع الأسعار، في وقت يعاني يعاني فيه اليمنيون من تراجع ملحوظ في القدرة الشرائية، وانخفاض مستوى الدخل وتوقف صرف رواتب الموظفين.
وما زاد من معاناة اليمنيين خلال الفترة الأخيرة، الارتفاع الحاد بأسعار الدقيق ومستلزمات صناعة الخبز، ما ضاعف من قيمته ودفع نسبة كبيرة من أصحاب المخابز لإقفالها، لتدخل البلاد في أزمة خبز تبدو ملامح مجاعة قادمة تسهم في صناعتها الميليشيات الحوثية، حسبما تكشف مصادر محلية.
مصادر محلية أفادت بان سعر سعر كيس الدقيق “50 كيلوغراماً” في صنعاء ومناطق شمال اليمن ارتفع إلى نحو 16 ألف، ريال مقابل 12 ألفاً سابقاً، في ظل انهيار متواصل للعملة الوطنية التي سجلت أرقاما قياسية بتجاوزها حاجز603 ريالات للدولار.
واستغلت المخابز ارتفاع أسعار الدقيق والمحروقات، ليس فقط من أجل رفع قيمة الخبز، بل أيضا تقليص وزنه مقارنة بالأوزان المحددة، ما تسبب في زيادة الأزمة، خاصة أن الكثير من المخابز أغلقت أبوابها، ليتجاوز سعر الرغيف الواحد 35 ريالا بعد أن كان 20 ريالاً سابقاً.
مخطط حوثي للضغط سياسيا
تعليقا على أزمة الخبز يرى المحلل الاقتصادي “إبراهيم مفلح”، أنه من الطبيعي أن تشهد الأسعار ارتفاعا ملحوظا، بسبب ارتفاع أسعار الدقيق و مستلزمات صناعة الخبز، لكنه في الوقت نفسه يشير الى أن إغلاق الأفران ليس قرار أصحابها، إنما نتيجة لإجبارهم من قبل الميليشيات الحوثية على إغلاقها، في محاولة من الجماعة لتجويع اليمنيين واستغلال ذلك سياسيا.
ويكشف “مفلح” لمرصد “مينا”، أن محافظة ذمار شهدت خلال الأسبوعين الأخيرين، حملة مداهمات نفذتها الميليشيات على عدد من الأفران وأغلقتها بقوة السلاح، بحجة أن الأزمة الاقتصادية وإغلاق الأفران ستجبر أمريكا على التواصل معهم وتحقيق مطالبهم بشكل عاجل وسريع.
بالإضافة الى ذلك، يؤكد “مفلح” أن محافظ ذمار “محمد البيختي” الرافضين إغلاق أفرانهم بالسجون والمحاكمات بتهمة العمالة مع الأمريكيين أو دفع مبالغ مالية باهظة كغرامة نتيجة عدم التزامهم بتوجيهات زعيم المليشيا “عبد الملك الحوثي”.
أما في صنعاء، فيشير المحامي “عدنان بن خالد” إلى أن الميليشيات افتعلت الأزمة لاستغلالها في استدراج الشبان الى جبهات القتال، من خلال استخدام تكتيك تجنيد أصبح معروف بين سكان المدينة باسم “الخبز مقابل المقاتلين”، موضحا أن الميليشيات فرضت على أصحاب بعض المخابز منح أولوية بيع الخبز لعائلات المنتسبين الى صفوفها.
ويؤكد “ابن خالد”، أن الجماعة الحوثية رفعت أسعار الخبز أكثر من مرة خلال العام الجاري، بحجة ارتفاع أسعار المحروقات اللازمة لتشغيل المخابز.
يشار الى أن الميليشيات الحوثية في صنعاء، أصدرت مطلع شهر آذار\ مارس الجاري، قرارا يقضي برفع سعر رغيف الخبز “الروتي”، خمس ريالات يمنية، ليصل الى 25 ريالا بعد أن كان 20، فيما تؤكد مصادر محلية أن سعر الرغيف الواحد يباع بـ35 ريالا.
وتقدّر جمعية المخابز والأفران حجم الاستهلاك اليومي للخبز في اليمن بنحو 80 مليون رغيف، ويعتمد 80% من الأسر على المخابز في توفير احتياجاتها من الخبز وأقراص “الروتي” المسطحة”، فيما تعمل حوالي 20% من الأسر على إعداد الخبز في منازلها.
بيانات جمعية المخابز والأفران، أوضحت ارتفاع واردات اليمن من القمح والدقيق بما فيها المساعدات الإغاثية من حوالي مليوني طن متري قبل الحرب إلى حوالي 2.9 مليون طن متري العام الماضي بمعدل زيادة أكثر من 11 بالمئة، إذ تعتبر من أهم السلع غير النفطية المستوردة التي تستنفد النقد الأجنبي.
ويستورد اليمن معظم احتياجاته من أستراليا وأميركا وروسيا، وتشكل واردات القمح والدقيق 65 في المائة منها، باستثناء المساعدات الإنسانية إلى اليمن والتي تأتي عبر ميناءي الصليف والحديدة غربي البلاد، بينما تمر الواردات التجارية عبر ميناء عدن بنسبة كبيرة وعبر موانئ حضرموت بنسبة ضئيلة.
مجاعة على الطريق
على الرغم من إحالة أصحاب المخابز والمسؤولين اليمنيين، رفع أسعار الخبز لزيادة أسعار الدقيق والطاقة ومستلزمات الإنتاج الأخرى، إلا أن المحلل الاقتصادي ” ناصر العمادي”، لا يرى وجود أي مبرر لهذه الزيادة السعرية في سلعة أساسية، خاصة في المناطق الشمالية والتي تشهد استقراراً في سعر صرف العملة الوطنية، والتي تبلغ نحو 603 ريالات للدولار.
ويلمح العمادي” إلى أن القطاع التجاري دائماً ما يتحجج بالعملة وتدهور سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية في ارتفاع الأسعار، رغم وجود أسباب أخرى يشكو منها القطاع التجاري تتعلق بالجبايات المفروضة عليه من قبل ميليشيات الحوثي، مرجحا أن تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، كارثة مجاعة نتيجة لعمليات النهب والابتزاز التي يقوم بها الحوثيون بحق كبار التجار والمستوردين وأصحاب المخابز.
في السياق، يؤكد المحلل الاقتصادي أن على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في مساعدة اليمنيين في مناطق الحوثي، ومد يد العون للمواطنين الذين لم يعد باستطاعتهم تحمل أزمات إضافية متفاقمة ومتكررة منذ بداية الحرب، مشددا على ضرورة أن تكون هناك آلية عمل تضمن وصول المساعدات للمواطنين اليمنيين، وعدم تسخيرها لمساندة الميليشيات كما حدث في مناسبات عدة.
هذه الأزمة دفعت الناشطين لمطالبة 96 منظمة دولية وإقليمية ومحلية، بالكشف عن مصير 2.7 مليار دولار تسلمتها تلك المنظمات من المانحين منذ 2018 لتقديم مساعدات للفقراء.
ورغم أنهم وجهوا نقداً للحكومة اليمنية التي تبدو عاجزة، حسب وجهة نظرهم، إلا أنهم صبّوا جام غضبهم على الحوثيين، فقالوا إنّ معظم تلك المبالغ تذهب لمساندة مليشياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي 2019، اتهم تحقيق لوكالة “أسوشييتد برس”، الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن، بفساد مؤسساتها في اليمن، إذ كشفت الوكالة تفاصيل بعض جوانب التحقيقات في منظمتي الصحة العالمية و”يونيسف”، بينها اتهامات توظيف غير مؤهلين، وتسخير عربات نقل أممية لحماية قيادات حوثية، وحصول موظفين على أموال طائلة من مخصصات الإغاثة.
ووفقا لتقارير برنامج الغذاء العالمي، فإن 16 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدة للحصول على الطعام يومياً، بينهم 11 مليوناً يعانون من انعدام غذائي شديد، 5 ملايين يمني وصلوا إلى مستوى الطوارئ الغذائية، و50 ألفاً يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة.