في الوقت الذي انخفضت فيه حدة المعارك على جبهات سورية عدة، بدأت الميليشيات التابعة لإيران وحزب الله اللبناني وبالتنسيق مع الأفرع الأمنية السورية بتسخير جهودها لنهب الآثار السورية والكنوز الدفينة والتماثيل، بغية تهريبها وبيعها خارج البلاد، وفي آخر مستجدات القضية كشفت مصادر خاصة بمرصد “مينا” أن ميليشيات “حزب الله” اللبناني بدأت مؤخرا بحملة تنقيب عن الذهب والآثار في بلدة حوش عرب بمنطقة القلمون الغربي في ريف دمشق، بعد أن قامت مجموعة تابعة للميليشيات بقطع الطرقات الواصلة إلى منطقة “كريسه”، الواقعة بين “حوش عرب” و”رنكوس” و”جبعدين” ومنع أبناء المنطقة من الوصول لمنطقة التنقيب عن الآثار والمرور بقربها.
وفي السياق ذاته، تؤكد مصادر مطلعة داخل سوريا أن ميليشيات “حزب الله” اللبناني تركز عملياتها في التنقيب عن الآثار، في منطقة القلمون الغنية شمال العاصمة دمشق ومدن وبلدات الغوطة الشرقية بالإضافة عدة مواقع تسيطر عليها الميليشيات في منطقة اللجاة الواقعة بين محافظات درعا ودمشق والسويداء، بينما تستهدف الميليشيات الإيرانية المواقع الأثرية في محافظة دير الزور شرقي سوريا.
ورشات خاصة للحفر والتنقيب
خلال الحديث عن الأساليب المتبعة في سرقة الآثار، يؤكد “أبو خالد” أحد أبناء المنطقة، أن عناصر الميليشيات وبالتنسيق مع ضباط في جيش النظام السوري، يقومون بتشكيل ورشات مؤلفة من حوالي 100 شخص مع آليات مخصصة مهمتها الحفر والتنقيب، باستخدام أدوات الحفر البدائية وأجهزة الكشف عن المعادن، إضافة إلى الحفارات والجرافات الصغيرة، وذلك بعد تطويق المنطقة التي تجري فيها هذه العمليات، حيث يُمنع الاقتراب منها حتى من عناصر المليشيات غير المشاركين في عمليات الحفر.
ويضيف “أبو خالد” أن عمال من أبناء المنطقة يعملون في هذه المناطق بورديتين، كل فريق يعمل بوردية لمدة ثلاث ساعات صباحاً ومساء، مؤكدا أن كل عامل يحصل على مبلغ 3000 ليرة سورية عن كل وردية يقوم بها، شرط أن يوقع على تعهد بعدم الإفصاح عن طبيعة عمله لأي جهة تحت طائلة المسؤولية.
ضباط سوريون يتولون مهمة نقل الآثار
يؤكد “خليل الفراتي” وهو أحد العاملين في التنقيب، اختار اسما بديلا خوفا من الملاحقة، أنه تم العثور على عدد من القطع الأثرية القديمة في موقع “ماري”، وتعرضت لضرر كبير بسبب استخدام الحفارات في أعمال التنقيب، كاشفا أن كل القطع الاثرية التي يُعثر عليها يتم نقلها عبر ضابط في جيش النظام يدعى “أبو الصافي” حيث يقوم بنقلها لدمشق بحماية عناصر من “حزب الله” وهم يتكفلون بتصريفها هناك.
كلام “الفراتي” أكدته مصادر متطابقة في القلمون، أوضحت لمينا أن الضابط المتقاعد “عاطف” يعمل بالتنسيق مع ميليشيا حزب الله اللبناني، على تنفّيذ عمليات التنقيب ونقل الآثار لدمشق أو تهريبها بشكل مباشر الى لبنان.
وتعد بيروت الوجهة الرئيسة للقطع الأثرية المهربة من قبل الميليشيات، وذلك عن طريق النقاط الحدودية التي تسيطر عليها، مثل تلكلخ والقصير.
وكانت مصادر لبنانية مطلعة، أكدت انه خلال العامين المنصرمين، تراكمت دلائل عديدة بعضها من الشرطة الدولية “الانتربول” ومن اليونيسكو، تشير كلها الى اتساع ظاهرة قيام كوادر من “حزب الله” بتهريب وتجارة الاثار السورية التي ينهبها عناصر الحزب الناشطين في سوريا، مقدرة المبالغ التي استطاع الحزب الله جنيها من الاتجار بالآثار المسروقة من سورية منذ ان دخلتها عناصر الحزب لدعم النظام بعشرات ملايين الدولارات التي ذهب القسم الاكبر منها الى جيوب المتنفذين في الحزب.
وقالت المصادر ان مديرية الاثار والمتاحف توجهت “بشكل ودي” الى “حزب الله” لاستعادة بعض القطع الاثرية المنهوبة، واستطاعت استعادة 78 قطعة اثرية و20 لوحة فسيفساء تمت سرقتها من بعض الكنائس في بلدة معلولا السورية، ولكن ذلك لم يتم الا بعد قيام مديرية الاثار بدفع مبلغ لم تكشف عن قيمته لكادر بارز في “حزب الله” قام بالوساطة في الموضوع.
ضياع القيمة الأثرية
تهريب الآثار وبيعها خارج البلاد يساهم في ضياع القيمة الأثرية والحضارات القديمة، حسبما يقول المهتم بشؤون الآثار “أبو ابراهيم”، الذي يؤكد أن صفة القدم انتفت عن نسبة كبيرة من المناطق الأثرية في سوريا نتيجة عمليات القصف و بعدها التنقيب عن الآثار، حيث يشير الى سرقة كميات كبيرة من الحجارة التي كانت تشكل جزءا من التصميم المعماري للمناطق الأثرية بسبب أهميتها.
ويعتبر “أبو ابراهيم” أن هذا الأمر انتهاك كبير بحق الإرث الحضاري الذي تحتل سوريا المراتب الأولى في العالم من حيث التراث، ويضف: “المؤسف أنه ما من سبيل لعمل أي شيء في ظل الظروف الراهنة، ولا شيء يمنع هذه الانتهاكات أو يوقفها على أقل تقدير، في ظل غياب السلطات التي تهتم بهذا الأمر، وتستطيع وضع حد لكل هذه الانتهاكات”.
يشار الى أن معظم المواقع الأثرية في سوريا تعرضت للتخريب والنهب وهُربت مئات القطع الأثرية لخارج البلاد، ففي دير الزور تحديداً تعرضت المواقع الأثرية لدمار كبير يُصعب ترميمه.
وتقول مصادر مطلعة إن مواقع مملكة ماري، ودورا اوروبوس، والرحبة، وحلبيهوزلبيه، ودور كاتليمو وآثار بقرص، وتل الداودية، وغيرها الكثير من التلال الأثرية تعرضت لعمليات تخريب ممنهجة جراء القصف الذي نفذته قوات النظام السوري، فيما يتواصل التخريب والتدمير لآثار المنطقة على يد الميليشيات نتيجة عمليات التنقيب عن الآثار.
يشار الى أن “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة” اليونسكو، كانت قامت بإطلاق مشاريع لحماية التراث السوري الذي يتم تدميره وسرقته بشكل مستمر، كان أهمها مشروع يقضي بالتحرّك لحماية الآثار السورية بشكل طارئ، مع وضع آليات عديدة وعملية من أجل تفعيل عملية الحفاظ على ما تبقى من آثار، والمساعدة في الكشف عما تمّت سرقته أو تدميره، وملاحقة مرتكبي جريمة الاتجار بالآثار بطرق غير مشروعة، ومحاسبتهم أمام القانون الدولي.
وأكدت “اليونسكو” في بيان لها أن الموروث الحضاري السوري محمي من قوانين محلية ودولية عديدة، مستعرضة نصوص هذه القوانين بشكل تفصيلي.
حماية الآثار في القانون السوري
صدرت في سوريا العديد من القوانين الخاصة بحماية الآثار، وتنظيم استعمالها أو البناء حولها، بداية بالمرسوم التشريعي رقم (222) لعام 1963، وما لحقه من قوانين معدلة له كان آخرها القانون رقم (1) لعام 1999، وقد عرفت هذه القوانين الآثار بأنها الممتلكات الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو كتبها أو رسمها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية أو مئتين وست سنوات هجرية، كما أعطت الحق للسلطات الأثرية أن تعتبر من الآثار أيضًا الممتلكات الثابتة أو المنقولة التي ترجع إلى عهد أحدث إذا رأت أن لها خصائص تاريخية أو فنية أو قومية، ويصدر بذلك قرار وزاري.
وتتولى السلطات الأثرية في الجمهورية العربية السورية المحافظة على الآثار، كما تتولى وحدها تقرير أثرية الأشياء والمباني التاريخية والمواقع الأثرية، وما يجب تسجيله من آثار، ويعني تسجيل أثر ما إقرار الدولة بما يمثله من أهمية تاريخية أو فنية أو قومية، وعملها على صيانته وحمايته ودراسته والانتفاع به وفقًا لأحكام هذا القانون.