أحيت قضية الإمام المغربي حسن إيكويسن من جديد الجدل حول جماعة الإخوان المسلمين ودورها في فرنسا وأوروبا عامة، حيث تعكف الحكومة الفرنسية حاليًا على تشكيل مشروع إصلاح لقانون الهجرة واللجوء وعملية ترحيل الأجانب الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية أو إجرامية، ويأتي على رأس هؤلاء المتشددون والناشطون في تنظيم الإخوان.
وتشير التقارير الفرنسية إلى أن البرلمان الفرنسي يستعد في شهر أكتوبر القادم للتنسيق فى هذه المسألة مع دول الاتحاد الأوروبي، لمنع عودة هذه العناصر المتطرفة إلى أيّ من دول القارة الأوروبية لاحقًا.
ووضعت باريس منذ أواخر العام 2020 جماعات الإسلام السياسي تحت المجهر على خلفية انكشاف دور عدد من أذرعها في تبرير العنف الإسلاموي، وخاصة عقب مقتل المدرس صامويل باتي بقطع الرأس على يد متطرف، وأيضاً محاولة المحور الإخواني تحويل المناوشات السياسية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي آنذاك، إلى معركة على أرض فرنسا القومية، لإسقاط دورها في الشرق الأوسط لصالح أنقرة.
الوضع الراهن للجماعة
يعود تاريخ تواجد الإخوان في فرنسا إلى ستينيات القرن الماضي، حيث توافد أعضاء ومناصرون للجماعة من مصر ودول المغرب العربي وسرعان ما تغلغلوا ضمن الجاليات المسلمة في البلاد، كما هو الحال في معظم الدول الأوروبية.
وتضمّ فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أنّ الغالبية الساحقة من مسلمي فرنسا هم من دول المغرب العربي ونسبتهم (82%) من مجمل مسلمي فرنسا (43.2%) من الجزائر، و(27.5%) من المغرب و(11.4%) من تونس، و(9.3%) من أفريقيا جنوب الصحراء، و(8.6%) من تركيا، و(0.1%) فرنسيون تحوّلوا إلى الإسلام، نحو (70,000) متحولاً، وفق دراسة نشرها مركز الدراسات الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وتكرس التغلغل الإخواني في فرنسا مع تأسيس “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”، خلال عهد وزير الداخلية السابق والرئيس لاحقًا، نيكولا ساركوزي، عام 2003، ؛ حيث تمّ إدماج ممثلين عن الجماعة في المؤسسة، تحت شعار إدماج ممثلي الجالية المسلمة في المؤسسات الرسمية الناطقة باسم الجالية أمام السلطات الفرنسية.
وتهيمن الجماعة اليوم على العديد من المؤسسات الفكرية والمنظمات الخيرية والعقائدية التي تمتد إلى دول الجوار، وخاصة بلجيكا وألمانيا وإيطاليا. وأبرز الأذرع الإخوانية هي؛ “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” (UOIF) أو “مسلمو فرنسا” (MF) حاليا الذي تأسس في إقليم مورت وموزيل في يونيو 1983، من قبل تجمع أربع جمعيات لشمال وشرق فرنسا كان معظم أعضائها من التونسيين المحسوبين على حركة النهضة وبعض اللاجئين من الشرق الأوسط (سوريا ولبنان والعراق) والجمعيات الإسلامية المحلية. تتكون المنظمة، وفق بعض التقارير، من أكثر من 250 جمعية إسلامية على كامل أراضي فرنسا تنتمي إليها مباشرة، كما تُشرف كذلك على عدة مساجد في المدن الكبرى في البلاد.
في عام 1990، ساهم اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا في تأسيس هيئة أوروبية يغلب عليها الطابع الإخواني، هي ” اتحاد المنظمات الإسلامية الأوروبية” الذي لديه فروع متخصصة، مثل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (CEFR) أو المنتدى الأوروبي للشباب الإسلامي والمنظمات الطلابية (FEMYSO). كما أنّ العديد من كوادر “مسلمو فرنسا” هم أعضاء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (UISM) ومقره قطر. وفي عام 2015، أعلنت مجلس “مسلمو فرنسا” عن إنشاء المجلس الإسلامي في فرنسا (CTMF) المسؤول عن إصدار الفتاوى للمسلمين الفرنسيين.
من الأمور اللافتة أنّ الرئيس الفرنسي ماكرون وفي إطار خطته ضد الانفصال الإسلامي في الأحياء الفرنسية، أعلن في يناير/ كانون الثاني 2019، تأسيس “الجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا” (Association musulmane pour l’islam de France)، المعروفة اختصارا باسم (AMIF)، وكان هدفها المعلن تدريب واستقدام الأئمة، إضافة إلى مراقبة جمع التبرعات وجمع مداخيل ضريبة المنتجات الحلال، إلا أنه تبين بعد نحو عام أنها مخترقة من الجماعة، عبر طارق أوبرو ومحمد باجرافيل.
وتضم قائمة المنظمات المرتبطة بالجماعة أيضاً؛ منظمة الشباب الإسلامي في أوروبا (FEMYSO)وجمعية “الإيمان والممارسة”، ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة، وجمعية ” لالاب” النسوية المناهضة للعنصرية، وجمعية “بركة”، وجمعية ”أتيك”، وجمعية “كو-إكزيست”، ولجنة التنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا، وشباب فرنسا المسلم، وطلاب مسلمون من فرنسا، والجمعية الفرنسية للنساء المسلمات، والتجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا الذي جرى حله أواخر العام 2020، ومؤسسة الشيخ ياسين وحركة ميللي جوروش اللتين تم حلهما أيضاً، إضافة إلى مكاتب لأحزاب النهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي وغيرها.
إجراءات حكومية لتقييد الجماعة
دخلت فرنسا منذ نهاية عام 2020 حلقة صراع مع منظومة الإخوان المسلمين التي رسخت وجودها في البلاد على مدار العقود الفائتة. وأعلنت السلطات الفرنسية عقب مقتل المدرس صامويل باتي، الذي قتل ذبحاً في 16 من أكتوبر 2020، حل العديد من الجمعيات الإخوانية، أهمها “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” إحدى المنظمات التابعة لتجمع مسلمي فرنسا، الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان. كما حلت في الفترة ذاتها جمعية “بركة سيتي”، المقربة من التيار السلفي، وقامت وبإغلاق جامع مدينة بانتان، شمال باريس، المقرب من جماعة الإخوان، بسبب التحريض على المدرس صامويل باتي قبل مقتله. وقررت وزارة الداخلية الفرنسية في ذلك الوقت حلّ حركة الذئاب الرمادية التركية القومية، على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي.
وفي 24 يوليو 2021 أعلنت السلطات الفرنسية تنظيم مجموعة من ورش العمل للتصدي لتغلغل أفكار الإسلام السياسي عبر إقامة دورات تدريبية لمدرسي المدارس الإعدادية والثانوية الفرنسية يتولاها (1000) مُدرّب مُختص على أن تتوسع لاحقاً لتتوجّه لكافة العاملين في قطاع التعليم الإضافة إلى كل مؤسسات الدولة الفرنسية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
وأطلقت وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية العام الماضي تحقيقات واسعة حول مصادر تمويل الجمعيات الدينية والفكرية والمساجد التي تدعو إلى “إسلام انفصالي” على الأراضي الفرنسية، لا سيما داخل المؤسسات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وذلك بهدف محاربة الدوائر المالية السرية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مُعتبرة أنّ المال هو عصب خطاب الكراهية والحرب الأيديولوجية التي تشنّها المنظمات الإسلامية.
وفي أغسطس الفائت، أنشأت وزارتا الداخلية والاقتصاد الفرنسيتان مجموعة عمل مُشتركة للتحكّم بشكل أفضل في الدوائر المالية المرتبطة بوكالات السفر المتخصصة في بيع تذاكر السفر والباقات الخاصة بموسم الحج السنوي إلى مكة المكرمة لعشرات الآلاف من المُسلمين في فرنسا.
وفُسّر القرار في إطار مساعي الحكومة الفرنسية حرمان جماعة الإخوان من الدخل المالي الكبير الذي يحصلون عليه بسبب سيطرتهم على معظم وكالات السفر الخاصة التي تُنظّم مناسك الحج لمُسلمي فرنسا، ووضع الآليات التي تضبط ذلك عبر شركات خاصة لا تتبع للإخوان، وبإشراف السلطات الفرنسية المعنية.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.