تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تصاعدًا جديدًا في التوترات بعد إعلان وزارة الزراعة الفرنسية حظر دخول شوكولاتة “المرجان” الجزائرية الشهيرة إلى الأسواق الأوروبية. وأوضحت الوزارة أن هذا المنتج، الذي اكتسب شهرة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي في فرنسا، لا يفي بالمعايير الأوروبية المتعلقة بمنتجات الألبان، مما أدى إلى فرض حظر على استيراده. وأشارت إلى أن الجزائر “لا تستوفي جميع الشروط الصحية” اللازمة لتصدير المنتجات التي تحتوي على مشتقات الألبان للاستهلاك البشري إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من هذا الحظر، فإن التحقيقات جارية لتحديد كيف تمكن المنتج من الوصول إلى السوق الفرنسية.
وتتزامن هذه الخطوة مع إعلان سلسلة متاجر فرنسية كبرى عن خطط لتوزيع منتجات “المرجان” التي تُنتجها شركة “سيبون” الجزائرية في غضون أسابيع قليلة. وتعمل السلطات الفرنسية على التحقيق فيما وصفته بـ”آليات التهرب” التي ربما سمحت بدخول هذه المنتجات إلى فرنسا، ما يزيد من حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.
لم تقتصر أزمة “شوكولاتة المرجان” على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تجاوزته لتلامس حساسيات دبلوماسية أعمق. فهذه الواقعة تأتي في وقت حساس للعلاقات الفرنسية الجزائرية، التي شهدت توترات متعددة في السنوات الأخيرة. فقبل نحو شهر فقط، أثار إعلان الحكومة الفرنسية دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية ردود فعل غاضبة في الجزائر، ما تسبب في تدهور جديد بالعلاقات الدبلوماسية.
ورغم أن العلاقات بين البلدين شهدت نوعًا من الاستقرار في الأشهر الماضية، بعد أزمة تهريب أحد المطلوبين من الجزائر بمساعدة المخابرات الفرنسية في فبراير 2023، فإن هذا الاستقرار يبدو هشًا. وكانت الجزائر وفرنسا قد اتفقتا على تعزيز التعاون التاريخي والذاكرة المشتركة خلال اجتماعات اللجنة الفرنسية الجزائرية في مايو الماضي، والتي جاءت بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس 2022. وبحسب تقرير رسمي للخزانة الفرنسية، حققت التجارة بين البلدين نموًا بنسبة 5.3٪ في عام 2023، ما يعكس تحسنًا في العلاقات الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن قرار فرنسا الأخير بشأن الصحراء الغربية أعاد العلاقات الثنائية إلى نقطة حرجة، ما يجعل من “فضيحة الشوكولاتة” شرارة إضافية قد تؤدي إلى تعقيد العلاقات المتوترة أصلًا.
عبّرت الجزائر عن “إدانة قوية” لقرار الحكومة الفرنسية دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، محذّرةً من أن هذا القرار يتعارض مع “المصلحة العليا” للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة. وأوضحت وزارة الخارجية الجزائرية أنها تلقت بإحباط القرار الفرنسي الذي جاء بعد إبلاغ باريس للجزائر بدعمها لخطة المغرب، التي تسعى جبهة البوليساريو من خلالها إلى تحقيق استقلال الصحراء الغربية، حيث تُعد الجزائر من أبرز الداعمين لهذه الحركة وتستضيف بعض قادتها.
في بيان رسمي، عبّرت وزارة الخارجية الجزائرية عن أسفها الشديد إزاء “القرار غير المتوقع وغير المدروس” من الحكومة الفرنسية. وأكد البيان أن “قرار فرنسا يعكس حسابات سياسية مشبوهة وافتراضات غير أخلاقية، ويعتمد على تفسيرات قانونية تفتقر إلى أي أساس سليم”.
كما انتقدت الجزائر هذا القرار، مشيرةً إلى أنه “لا يسهم في خلق الظروف اللازمة” لتحقيق حل سلمي لقضية الصحراء الغربية، بل يُسهم في “تعميق حالة الجمود والركود” الناجمة عن خطة الحكم الذاتي المغربية، التي مرّ على تنفيذها أكثر من 17 عامًا. واتهمت وزارة الخارجية الجزائرية فرنسا بـ”تناقض وتقويض” جهود الأمم المتحدة الرامية لإحياء البحث عن حل سياسي لهذا النزاع.
في سياق متصل، أطلعت الجزائر فرنسا في مايو الماضي على قائمة بالممتلكات التي تحتفظ بها باريس منذ العهد الاستعماري، وذلك كجزء من جهود استرداد هذه الممتلكات ضمن اللجنة المشتركة للذاكرة. وتهدف هذه اللجنة إلى معالجة تلك الفترة التاريخية. وأشار البيان الجزائري إلى أن “اللجنة الجزائرية قدمت قائمة مفتوحة بالممتلكات ذات الأهمية التاريخية، المقترحة لاسترداد رمزي إلى الجزائر”. ودعت الجزائر نظيرتها الفرنسية إلى تصعيد هذه المطالب إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، ساعيةً لاستعادة القطع الثقافية والأرشيفات وغيرها من العناصر المدرجة.
وقد وافقت اللجنة الفرنسية بالإجماع على هذا الطلب، ملتزمةً بتقديمه للرئيس الفرنسي من أجل استعادة هذه الممتلكات في أقرب وقت ممكن. كما اتفقت اللجنة المشتركة، خلال اجتماعها في فبراير الماضي في باريس، على استرداد جميع الممتلكات التي ترمز إلى سيادة الدولة المتعلقة بالأمير عبد القادر ابن محي الدين (1808-1883)، الذي يُعتبره الجزائريون مؤسس الدولة الحديثة وبطل المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي الذكرى السنوية لمجازر 8 مايو 1945، شدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أن ملف الذاكرة بين الجزائر ومستعمرتها السابقة، فرنسا، “لا يمكن التفاوض عليه أو المساومة بشأنه”، مؤكدًا على ضرورة معالجته بشجاعة لاستعادة الثقة بين البلدين.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا قد أعادت في وقت سابق رفات 24 مقاتلًا من المقاومة الذين قُتلوا في بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي استمر 132 عامًا، من 1830 إلى 1962. ومع ذلك، لا تزال الجزائر تطالب بإعادة “الهياكل العظمية المحتفظ بها في المتاحف” لإعادة دفنها. وفي مارس الماضي، وافق البرلمان الفرنسي على قرار يدين مجزرة 17 أكتوبر 1961 في باريس، حيث قُتل فيها متظاهرون جزائريون على يد الشرطة، وهو ما اعتبره الرئيس الجزائري تبون “خطوة إيجابية”.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.