هيئة التحرير
مع تصاعد معدلات الجريمة في سوريا خلال الآونة الأخيرة، تنامت صدمة المجتمع السوري من طبيعة تلك الجرائم المرتكبة، غير المألوفة بالنسبة للسوريين، والتي حولت البلاد إلى شيكاغو الشرق، وفقاً لوصف مصدر أمني مقرب من نظام “بشار الأسد”.
وكان الأسبوع الماضي، قد شهد عدة جرائم بالقرب من العاصمة دمشق، هزت المجتمع السوري عموماً، بعد إقدام شابين على قتل عائلة كاملة واغتصاب الأم في منطقة بيت سحم، بريف دمشق، بالإضافة إلى قتل رجل لشقيقته بعد اغتصابها بالاتفاق مع والده، بتهمة أنها سيئة السمعة.
جريمة منظمة ودوافع خبيثة
بروز تلك النوعية من الجرائم في وقتٍ متزامن على الإعلام وبهذا الزخم، يربطه المصدر الأمني، الذي يرفض الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، برغبة النظام السوري بصرف نظر الشعب عن الأزمة الحقيقية في البلاد، مع تصاعد الجوع والفقر والعوز، موضحاً: “مثل هذه الجرائم ببشاعتها؛ كفيلة بأن يتحدث عنها الناس لأشهر قادمة لتطغى على المشهد السوري، مقابل تراجع الحديث عن أزمة الليرة والغلاء والجوع، خاصةً وأنها ستمنح النظام فرصة الظهور كحامي للأخلاق المجتمعية والمنتقم للضحايا من خلال إيقاع أقصى العقوبات بهم وإعدامهم، ما يساعد على تخفيف الاحتقان في الشارع”.
وتعاني سوريا من أزمة معيشية خانقة، حيث تجاوزت نسبة الفقر فيها نسبة 80 في المئة، بالتزامن مع انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار إلى 2500 ليرة، في أخر أسعار صرف مسجلة، اليوم، الخميس.
كما خرجت عدة مظاهرات خلال الأسابيع الماضية، في مناطق سيطرة النظام، للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية والفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية عموماً، لا سيما في محافظتي درعا والسويداء، بالإضافة إلى ريف دمشق.
بعد سنوات مثل فيها عنصر الأمن رعباً وهلعاً للمواطن السوري، يسعى النظام إلى إعادة بناء صورة ذلك العنصر كمصدر للأمن والأمان من الذئاب البشرية المحيطة بالسوريين، يقول المصدر، مشيراً إلى أن سرعة إلقاء القبض على المتهمين ومعاقبتهم ونشر تلك الأخبار على نطاق واسع عبر السوشال ميديا، سيساهم من وجهة نظر مخططي النظام إلى مواجهة تلك الصورة المرعبة، التي كان يظهر فيها عناصر الأمن خلال سنوات الثورة عبر الفيديوهات، التي بثها ناشطو الثورة السورية، أثناء ارتكابهم لأشبع أنواع التعذيب والجرائم بحق السوريين.
وكانت بيانات موقع “نمبيو” الخاص بالجريمة، قد صنفت سوريا عام 2019، كأكثر الدول العربية ارتفاعاً في معدلات الجريمة، وفي المرتبة 16 على مستوى العالم من أصل 118 دولة.
خلال حديثه عن الأزمة الاقتصادية والفقر، يذهب المصدر إلى التذكير بأن الحرب والخلافات بين رئيس النظام، “بشار الأسد” وذراعه الاقتصادية وابن خاله، “رامي مخلوف”، أثرت خلال أشهر قليلة على الاقتصاد السوري أكثر من تأثير سنوات الحرب، لافتاً إلى أن الدولار وفي أحلك فترات الحرب لم يتجاوز 800 إلى 900 ليرة سورية، في حين أن حرب “مخلوف-الأسد” رفعته إلى أكثر من 3500 ليرة خلال أيام قليلة، في إشارة إلى أن الشعب السوري يدفع ثمن خلافات العائلة وليس فقط سياسات النظام.
فتش عن الفقر والمخدرات وحزب الله
بحسب ما نشرته صفحات التواصل الاجتماعي المقربة من نظام “بشار الأسد”، فإن دوافع أغلب الجرائم المرتكبة؛ مرتبطة بالفقر والحاجة المادية، بالإضافة إلى تعاطي المواد المخدرة، وهو ما يعتبره المصدر مادة إدانة جديدة للنظام، متسائلاً: “من سبب إصدار قانون قيصر، من سبب انهيار الاقتصاد السوري وعزلته، ما هي أسباب الحرب منذ 2011، ما هي أسباب تشريد المواطن السوري وفقدان مصادر رزقه، والأهم ما هو المصدر الأول لتهريب تلك المواد المخدرة إلى سوريا، كلها أسئلة تدين النظام السوري، الذي أبى أن يسمع صوت الشعب وتمسك بالسلطة”.
وكان ابن عم رئيس النظام السوري، “دريد الأسد” قد اعترف قبل أيام على صفحته في موقع فيسبوك، بأن شحنة المخدرات، التي ضبطتها الشرطة الإيطالية قادمة من سوريا مؤخرا، ليس “داعش” من يقف وراءها، بل النظام، مضيفاً: “إذا بدنا نصنّع ورق لنقول تحيا الصناعات الوطنية، وهي بلشت عجلة الاقتصاد الوطني بالدوران من جديد! وبعدها نقوم ندحش جوّات الرولات تبع هاد الورق حبوب الكبتاغون والمخدرات”.
كما يتهم حزب الله اللبناني، حليف النظام السوري، والمسيطر الأول على زراعة الحشيش في لبنان، بتهريب المخدرات إلى سوريا من خلال المعابر غير الشرعية التي يديرها بين البلدين، والتي سبق للمجتمع الدولي أن طالب لبنان بالعمل على إغلاقها.
في الدعاية السوداء: إدلب المفر وموطن الإجرام
أكثر ما كان لافتاً في معظم الجرائم المرتكبة، بحسب ما يرويه المصدر لمرصد مينا، هو تركيز سلطات أمن النظام على أن عمليات اعتقال المجرمين تمت أثناء محاولتهم الفرار إلى مدينة إدلب، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، لافتاً إلى أن النظام من خلال تلك الدعايات يحاول تصوير مدينة إدلب على أنها موطن آمن لأولئك المجرمين للفرار من عدالته، وأنها باتت موئلاً للإرهاب والمجرمين والفارين من وجه العدالة، لتبرير عملياته العسكرية ضدها.
وشهد الساحل السوري، الذي يعتبر خزان النظام البشري ومعقله الأساسي، قبل أربع أيام جريمة هزت المجتمع بكامله، بعد تعرض طفلة لم تتجاوز 13 عاماً للاغتصاب والقتل، من قبل شخصين من أفراد أسرتها.
كما نقلت جريدة الوطن المقربة من النظام؛ عن مصدر جنائي في محافظة اللاذقية تأكيده وقوع 11 جريمة قتل و51 جريمة سرقة و156 ضبط جريمة معلوماتية خلال النصف الأول من العام الجاري.
ويختم المصدر حديثه لمرصد مينا بالتأكيد على أن النظام يتعامل على مبدأ خلق المشكلة ومن ثم حلها، لدعم موقفه في ظل ما تشهده البلاد من انهيار، كان هو ذاته المسبب الأول له، على حد وصفه، مشيراً إلى أن النظام الذي فتك بالسوريين وعفش ممتلكاتهم وأعدمهم جهاراً نهاراً لن يهتز لحدوث جريمة هنا أو هناك، فضلاً عن انه كان أول من أفرج عن المجرمين والموقوفين على ذمة قضايا جرمية، واحتفظ بالمعارضين السياسيين، مع بداية الثورة السورية.