بعد انتهاء الجلسة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، مطلع الشهر الماضي، عادت حكومة “مصطفى الكاظمي” وأعلنت مجددا أن القوات الأمريكية ستنسحب من البلد وتغلق جميع قواعدها وفق جدول زمني محدد، بالرغم من أن البيان المشترك الصادر عن الحكومتين الأمريكية والعراقية، لم يتضمن جدول انسحاب للقوات الأجنبية، ما أثار الشكوك برواية الحكومة، فيما رجح محللون أن يكون قد تم ترحيل الملف الى الجولة القادمة.
لكن الإعلان الأمريكي الجديد عن عدم وجود أيّ خطط لواشنطن في الوقت الحالي لسحب أو تخفيض عدد قواتها في العراق، فتح الباب مجدداً أمام احتمالات تصعيد أمني جديد من قبل الفصائل العراقية المسلحة الرافضة للوجود الأميركي في البلاد، وأمام أزمة ثقة أخرى بين تلك الأطراف وحكومة “مصطفى الكاظمي”، خاصة أن الإعلان الأميركي أظهر تضارباً كبيراً مع حديث حكومة الكاظمي.
ضبابية الروايتين، أثار تساؤلات ملحة لدى خبراء ومحللون مفادها، هل بالفعل تسعى حكومة “الكاظمي” من خلال الحوار الاستراتيجي إلى إخراج القوات الأمريكية؟ أم إن الولايات المتحدة ماضية بما بدأته في آذار/ مارس الماضي، من تقليص لوجودها بالعراق دون انسحاب كامل من العراق؟ وما هي خيارات الميليشيات المطالبة بخروج تلك القوات في أسرع وقت ممكن؟
تردد وتضارب تصريحات.. خشية العواقب
بعد انتهاء الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، في السابع من شهر نيسان\ إبريل الماضي، أعلنت الحكومة العراقية على لسان مستشار الأمن الوطني العراقي، “قاسم الأعرجي”، أن “الولايات المتحدة تعهدت بسحب المزيد من قواتها من البلاد، وبعدم وجود أي قواعد عسكرية أميركية داخل العراق”، موضحا أنّ “عملية انسحاب القوات القتالية الأميركية ستجري عبر لجنة مشتركة تتولى تحديد التوقيتات الزمنية”.
بعد ذلك بأيام، أعلن مكتب “الكاظمي” عن تشكيل لجنة فنية برئاسة رئيس أركان الجيش الفريق الأول الركن “عبد الأمير يار الله”، لتولي مهمة إقرار التوقيت والآليات المتعلقة بنتائج الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بما في ذلك انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
ومساء الخميس الماضي، قال قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال “كينيث ماكينزي”، خلال مؤتمر صحافي، إن بلاده لن تخفض عديد قواتها المتواجدة في العراق، معللاً القرار بأنه يأتي “بناءً على رغبة بغداد”، ومؤكدا أن العراق يريد بقاء القوات الأمريكية، ولن يتم تخفيّضها، وأضاف خاتماً بتعليق على الوضع العراقي، بقوله إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة “على حافة الانخراط بحربٍ في الشرق الأوسط”.
المحلل السياسي والمختص في الشأن العراقي، “عبدالله السنور” أشار إلى أن الإعلان الأمريكي يظهر تضارباً كبيراً مع حديث حكومة الكاظمي، التي تحاول كسب الوقت وضمان عدم إثارة غضب الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، خشية من عواقب انسحاب القوات وخوفا من فقدان السيطرة على البلاد.
ويشير السنور إلى أن القوات الأمريكية دخلت بطلب من الحكومة العراقية لمواجهة تنظيم “داعش” في العراق وإن وجودها يخلق توازنا ما بين السنة والشيعة، معتبرا أن خروجها سيعمق النفوذ الإيراني على جميع الأصعدة ما قد يعيد الفوضى الى عموم البلاد، وهو ما لا تريده حكومة الكاظمي التي اضطرت لمواجهة الميليشيات أكثر من مرة ولا ترغب بمواجهات جديدة.
ويضيف “السنور”، “رغم تواجد قوات واشنطن والتحالف داخل القواعد العسكرية فقط، إلا أنها عامل أساسي لعدم تمكن الفصائل الموالية لإيران بالوصول إلى عدد من مناطق المكون السُني، وفي حال انسحبت هذه القوات، فتترك فراغا كبيرا يولد مشاكل مستقبلية، خصوصا وأن الفصائل تزداد قوة وعدد يوم بعد الآخر.
تصعيد محتمل وواشنطن تتحضر
يفتح الإعلان الأميركي عن عدم وجود أيّ خطط لواشنطن في الوقت الحالي لتخفيض عدد قواتها، الباب مجدداً أمام احتمالات تصعيد أمني جديد من قبل الفصائل العراقية المسلحة الرافضة للوجود الأميركي في البلاد، وأمام أزمة ثقة أخرى بين تلك الأطراف وحكومة “مصطفى الكاظمي”، حسبما يرى الصحفي “عمران اللبداوي”، الذي يؤكد لمرصد “مينا” أن الميليشيات الموالية لإيران تسعى لتحقيق انتصار سياسي من خلال فرض لغة القوة واستهداف المصالح الأمريكية، ما يعني بحسب “اللبداوي” أن العراق مقبل على المزيد من التصعيد.
ويضيف “اللبداوي” أن واشنطن وبغداد تدركان عواقب ذلك، لكنها تقدران أن عواقب ستكون أكبر وقد تضطر الولايات المتحدة لإعادة قواتها في المستقبل القريب بناء على طلبات حكومية عراقية.
يشار إلى أن العاصمة بغداد، شهدت ليل الخميس- الجمعة، وبعد أقل من ساعتين على الإعلان الأميركي بشأن عدم وجود خطط لانسحاب من العراق، قصفاً صاروخياً استهدف قاعدة فيكتوريا العسكرية الملاصقة لمطار بغداد الدولي، حيث تتواجد وحدة مهام أميركية ضمن جهود “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم “داعش” تبلغ قوامها نحو 200 جندي، أغلبهم من مشاة البحرية “المارينز”، وأسفرت عن خسائر مادية طفيفة، جميعها خارج القاعدة، كما أصيب حارس أمن عراقي بجروح، أعقب ذلك ثلاث هجمات جديدة استهدفت أرتالا مدنية تحمل مساعدات لقوات “التحالف” وتسبّبت في خسائر مادية.
ويشير “اللبداوي” إلى أن واشنطن بدأت تتحضر لأي ردة فعل من قبل الميليشيات مؤكدا أن القوات الأميركية اختبرت، صباح الجمعة الماضية، منظومة جديدة للدفاع الجوي في معسكر فيكتوريا، كما أعادت تجربة منظومة الإنذار المبكر في سفارة بلادها داخل المنطقة الخضراء، حيث سمعت صافرات الإنذار في محيط السفارة.
خيارات الميليشيات
يلفت المحلل السياسي “مرهف السلوم” إلى وجود “خلافات سياسية داخل العراق في مسألة توقيت وآلية انسحاب القوات الأميركية من العراق، إذ ترفض حكومة إقليم كردستان العراق انسحاب هذه القوات، وتعتبر وجودها ضماناً لأمن الإقليم واستقرار العراق.
وفي الوقت ذاته، تعتقد القوى السياسية العربية السنّية أن انسحاب القوات الأميركية في هذه المرحلة الانتقالية يعني إحكام إيران التام قبضتها على العراق، ما يعني تهميشاً وربما إقصاءً كاملاً لكل من يعارض سياسات إيران في العراق والمنطقة، وبالتالي عودة مناطقهم إلى الاحتجاج وربما المواجهات العنيفة مع الحكومة والمليشيات الموالية لإيران.
وفي حديثه حول خيارات الميليشيات الإيرانية حال عدم خروج القوات الأمريكية، يرى السلوم أن الأحزاب الموالية لطهران ستعمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز تواجدها السياسي، مشيرا إلى أن “العراق مقبل على مرحلة مهمة، وهي الانتخابات والتحولات التي ستترتب عليها، مؤكدا أن تلك الأحزاب ستحاول حسم الخلافات السياسية داخل البرلمان.
وكان القيادي في حزب الدعوة وعضو لجنة الامن والدفاع النيابية، “كاطع الركابي”، أعلن يوم أمس السبت، عن تقديم طلب استضافة للقائد العام للقوات المسلحة، “مصطفى الكاظمي”، لاستجوابه داخل البرلمان ومعرفة جدولة خروج القوات الأميركية والتحالف الدولي، لكن الكاظمي لم يرد على الطلب.
وقال “كاطع الركابي”، في حديث صحفي، ان “الشيء المناقض بموضوع خروج القوات الاميركية هو الجانب الاميركي الذي لم يذكر في بيانه بعد الجولة الثالثة من الحوار، اي خروج للقوات”.
وتساءل الركابي: “هل حقا الحوارات لم تتطرق لخروج تلك القوات.
يشار إلى أن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، “مسرور بارزاني”، شدد أمس السبت، على ضرورة بقاء قوات التحالف الدولي في العراق لمحاربة تنظيم “داعش” الذي ما زال يشكل خطرا حقيقيا على العراق.
وقال في بيان صحفي أن “تنظيم داعش يستغل الفراغ الأمني في الحدود الإدارية لتلك المناطق، وعليه نجدد التأكيد على أهمية تفعيل التعاون الأمني المشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة”، مشددا على “ضرورة أن يواصل التحالف الدولي تدريب ومساعدة قوات البيشمركة والجيش العراقي، والبقاء في العراق للتصدي إلى تنظيم داعش وإنهاء التهديدات الإرهابية المستمرة على إقليم كوردستان والعراق عموما”.