يعاني القطاع الصحي في العراق من أزمات عدة، تمثلت بنقص حاد في الدواء وأعداد العاملين القائمين على الرعاية الطبية، إذ يعمد الأطباء للهروب إلى الخارج نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد التي تعيش أزمة اقتصادية ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة.
وما زاد الطين بلة، تفشي فيروس كورونا في البلاد، تزامنا مع أزمة مالية خانقة غير مسبوقة، لتكشف الجائحة عن هشاشة القطاع الصحي نتيجة الفساد وضعف المخصصات المالية الحكومية للمستشفيات والمراكز الصحية، كما يقول اقتصاديون ومختصون.
وعلى الرغم من إمكانيات العراق المالية الهائلة كونه بلد نفطي ويمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم، إلا أن قطاعه الصحي في وضعٍ مزرٍ للغاية، إذ أن أكثر من 90% من المستشفيات الحالية في العراق أنشئت في عهد الحكومات العراقية التي سبقت العام 2003، أي أن حكومات ما بعد الاحتلال لم تتمكن من تأسيس نظام رعاية صحي قوي.
الأولوية ليست للصحة
وزير الصحة العراقي السابق “علاء علوان”، الذي استقال من منصبه الوزاري بعد أن أمضى عاما واحدا فقط في منصبه، معللا ذلك بفساد لا يمكن التغلب عليه وتهديدات من معارضين لجهوده الإصلاحية، قال في وقت سابق إن الوضع الصحي في العراق تراجع بشكل كبير جدا خلال السنوات الماضية. موضحا أن أحد أسباب هذا التراجع، هو عدم إعطاء أولوية من قبل الحكومات المتعاقبة للصحة في العراق.
كلام علوان يتطابق مع ما قاله الطبيب “مناف العبدالله”، الذي أكد لمرصد “مينا”، أن إدارات المستشفيات في العاصمة بغداد قدمت لوزارة الصحة متطلباتها من البنية التحتية للقطاع الصحي ووضع برنامج لتحديد حجم الاحتياج الدوائي والأجهزة والمعدات الطبية وآليات الاستيراد والخزن والتوزيع والإشراف والمراقبة، لكن الوزارة لم تتجاوب مع مطالبات المستشفيات، مشيرا الى أنها تمنح الأولوية للقطاعات الأمنية والعسكرية على حساب المرضى.
ويضيف “العبدالله”، أنه رغم الوعود المتكررة من وزارة الصحة والحكومة بمنح القطاع الصحي اهتماما خاصا، إلا أن معظم مشافي بغداد ما زالت تفتقر للأدوية والجرعات الخاصة بمرضى الفشل الكلوي والسرطان، حيث يتم الطلب من ذوي المرضي شراء الادوية من الخارج، بأسعار تتراوح بين 200 و 400 دولار للجرعة الخاصة بمرض السرطان.
في العام 2019، خصصت الحكومة العراقية 2.5 بالمئة فقط من موازنة الدولة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة، وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بما يتم إنفاقه في دول أخرى بالشرق الأوسط، وفي المقابل حصلت قوى الأمن على 18 بالمئة ووزارة النفط على 13.5 بالمئة.
وكانت بيانات نشرتها منظمة الصحة العالمية، كشفت أن الحكومة العراقية أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان.
السبب في الفساد
في الحديث حول أزمة قطاع الصحة العراقي، يشدد الباحث “خالد العمري” على ضرورة الحديث وتسليط الضوء على الفساد، لأن فساد القطاع الصحي في العراق كشف مدى ضعف الإمكانيات في مواجهة أي طارئ او ازمة فعلية، بالأخص في ظل أزمة كورونا وعجز المستشفيات عن استقبال المصابين بالفيروس.
ويضيف العمري أن العراق قادر على توفير جميع ما يحتاجه من مواد طبية وتعقيمية لو استخدم الصناعة المحلية، كما أنه يعد من البلدان المصدرة للمواد الخام لهذه الصناعات، فالمواد البتروكيمياوية متوفرة، إلا أن الفساد والسرقات والسعي للحصول على الرشاوى من الشركات الأجنبية، تسبب بجعل العراق يتأخر سنوات ضوئية عن دول العالم.
وكان النائب السابق في البرلمان العراقي “حامد المطلك”، قد انتقد الحكومة العراقية، قائلا إن المبالغ التي تخصص لوزارة الصحة لو أنفقت بالشكل الصحيح لكانت المستشفيات العراقية وما يُقدم فيها من خدمات من أفضل مستشفيات المنطقة لكنها مع شديد الأسف تذهب إلى جيوب الفاسدين بطرق مختلفة.
كما اعتبر “المطلك ” أنه من الطبيعي أن يتأثر العراق مثل مختلف دول العالم إذا ما حصلت أزمة اقتصادية أو صحية، لكن ما يُزيد الوضع سوء في العراق هو استشراء الفساد في مختلف مفاصل الدولة من بينها وزارة الصحة، ما أدى إلى تدهور الوضع الصحي وانعدام الخدمات المقدمة للمواطنين.
كورونا يكشف هشاشة نظام الرعاية الصحي
انعكس تفشي فيروس كورونا بشكل واضح على القطاع الصحي الذي سرعان ما انهارت أغلب مستشفياته بفعل نقص الأوكسجين والأدوية وقلة المستلزمات الخاصة بعناية المرضى، ما دفع منظمات حقوقية وصحية لإطلاق تحذيرات من انهيار القطاع الصحي العراقي.
لكن مسؤولون عراقيون أكدوا أن الوضع تحت السيطرة، وعلى جاهزيتهم في مكافحة موجات الإصابة القادمة، على الرغم من أن المستلزمات الطبية المتوفرة تشي بأزمة قد تؤدي بالجهاز الصحي إلى الانهيار وعدم القدرة على مواجهة الضغط الكبير.
وتعتبر الأسرة وأجهزة التنفس الاصطناعي من أهم المستلزمات الطبية المخصصة لعلاج مصابي كورونا، الذين يتعرضون لضيق شديد في التنفس بفعل الالتهاب الرئوي، الذي يسببه الفيروس.
وكان الطبيب العراقي الأخصائي في الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية، “عدنان نوار”، قال إن عدد الأسرة المتوفرة للعلاج، هي ١٤ سريرا لكل ١٠ آلاف نسمة أي بواقع سرير واحد لكل 700 عراقي.
وأوضح “نوار” أن هناك 5500 سرير، هي عدد الأسرة المهيأة لعزل وعلاج المصابين بالأمراض الانتقالية ومن بينها كورونا، في جميع أنحاء العراق الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة.
يذكر أن فيروس كورونا تمكن من إنهاك النظام الصحي لدول متقدمة مثل فرنسا التي تملك سريرا لكل 60 شخصا.