يتساءل عدد من التونسيين عن سر الغياب التام للجمعيات الخيرية في ظل انتشار الكورونا في البلاد (باستثناء بعض التدخلات المحتشمة من عدد من الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي على غرار جمعية ناس الليل والهلال الأحمر …). جمعيات كانت قد انتشرت في الفترة التي تلت الثورة وتكاثر بعشرات الالاف.. غياب تام اثار موجة من الانتقادات الموجهة للعمل الخيري وخاصة تلك الجمعيات التابعة للاخوان في تونس، واعتباره موسمي ويبرز للعيان في الانتخابات من اجل جمع الأصوات، كما يمثل في كثير من الأحيان وعبر العديد من الاعمال غطاء لتمويل الإرهاب وتاجيج الصراعات السياسية والقيام بأنشطة مشبوهة.
ديكور انتخابي
وعديدة هي الجمعيات الخيرية في تونس.. فهذه جمعية “الإسلام والحياة” وتلك جمعية “صفاقس الخيرية” وأخرى تسمى “رابطة العمل الخيري ” ورابعة تحمل اسم “الانصاف والعدالة ” وما الى ذلك من تسميات تجعلك تعتقد ان النشاط الخيري في البلاد يمتد الى أقصاه. لكن في اول اختبار مع ازمة كورونا التي تضررت منها العديد من العائلات والمرضى، تكتشف ان ما كان يروج له من تدخلات وصور توثق المساعدات المقدمة للمرضى والمحتاجين مجرد دعاية لغاية في نفس يعقوب وكفى بالله وكيلا.. ولعلك تكتشف أيضا ان عددا منها هدفها العمل تحت ستار العمل الخيري سعيا منها لاختراق النسيج الاجتماعي بتقديم نفسها للمواطنين، وسرعان ما أفرزت أزمة فيروس كورونا الدور المشبوه لتلك الجمعيات.
فبعض الجمعيات المعروفة في البلاد، تم استخدامها خلال الحملات الانتخابية كديكور انتخابيٍّ لشراء الأصوات، فضلًا عن توظيف بعض الدوائر المشبوهة للجمعيات في دعم الإرهاب، ونشر الفكر المتطرف.
ولم يسجل حضور العديد من الجمعيات الخيرية، في أزمة فيروس كورونا من ناحية مساعدة الفقراء، كما كانت تفعل في الحملات الانتخابية، وأيضًا لم تشترك في المساهمة المجتمعية لدعم جهود الدولة في مواجهة الفيروس.
وقال سفيان الكراي، عضو لجنة جمع التبرعات لصندوق 1818 الذي انشأ لمواجهة كورونا، إنه لم يتم تسجيل أي مساهمة من الجمعيات الخيرية الإسلامية في دعم جهود الدولة لمواجهة الفيروس.
واكد أن حملة التبرعات بلغت نحو 75 مليون دينار، من الشركات الخاصة، و11 مليون دينار من البنوك والبقية مساهمات وتبرعات من العديد من الفنانين والرياضيين ولاعبي كرة القدم، مؤكدًا الغياب الكامل للجمعيات الخيرية التي كانت ناشطة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة في الحملات الانتخابية.
واتضح انه، حين يتعلق الأمر بحالة طوارئ صحية، أو بتقديم المساعدة تختفي بشكل كامل بانتظار مرور العاصفة واستعادة أنشطتها المشبوهة.
تمدد جمعياتي خطير
وعموما يعتبر الرهان على الجمعيات الخيرية، جزء مفصلي في استراتيجيات حركات الإسلام السياسي للتمكين والاستقطاب، ليس في تونس فحسب وانما في منطقة الشرق الأوسط أيضا وأوروبا وشرق اسيا. وأزمة كورونا كشفت عن أن وظيفة تلك الجمعيات لم تكن إعانة الناس وإنما التموقع بينهم لاستقطاب الشباب وأداء الأدوار السياسية المشبوهة وتمويل الجماعات المسلحة مثلما أكدت ذلك جهات قضائية سنة 2018. حيث وجه القضاء سنة 2018، تهمة الارتباط بالإرهاب لجمعية “قطر الخيرية” الناشطة في تونس.
والجمعيات الخيرية الإسلامية لا تشارك ولا تتحرك إلا في الأهداف التي تخدم التنظيم وفصائله السياسية والدينية.. اما قضية مكافحة كورونا فلا تنتمي إلى قاموسهم.
وفي السنوات الماضية أطلق ناشطون في المجتمع المدني التونسي صيحات تحذير بشأن تمدد الجمعيات الخيرية الإسلامية وخطورتها على الأمن القومي، واعتبروا إن إيقاف هذه الجمعيات عن النشاط ضرورة مجتمعية لحماية الدولة والأفراد من سموم الإرهاب، فضلًا عن حماية النسيج المجتمعي من الأفكار التكفيرية.
وقد تواترت المطالب بإيقاف تلك الجمعيات، خاصة سنة 2019، على اثر تورط رئيس جمعية “إخوانية” بمنطقة “الرقاب” من ولاية سيدي بوزيد، في اغتصاب أكثر من طفل، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إغلاق مؤسسته ووصفه “بالمحتشد الإرهابي”.
وطالب الناشطون، رفع دعوى قضائية حال الانتهاء من أزمة “كورونا” ضد 4 جمعيات تنشط على الحدود التونسية الجزائرية لوجود شبهات التورط في دعم الجماعات المسلحة في جبال الشعانبي حيث تتكثف العمليات الإرهابية.
كما تتهم الجمعيات الخيرية بالضلوع في “تبييض الأموال”، وتهدد كيان الدولة.
وحسب المدير العام المسؤول عن العلاقة مع المجتمع المدني بوزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية، إن الوزارة قامت بحل 42 جمعية فيما تجري مقاضاة 435. وتشمل عمليات التقصي أيضا الأحزاب السياسية الناشطة في البلاد، تحدثت السلطات مؤخرا عن حل 8 أحزاب لم تكشف عن تقاريرها المالية. وقد تم ارسال تنبيهات لـ174 حزبا. حيث انه يوجد في تونس 222 حزبا لكن تبين أن هناك 40 حزبا فقط ينشط فعليا..
حل عدد من الجمعيات المشبوهة
وبحسب إحصائيات وزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية، يوجد بتونس أكثر من 23 ألف جمعية. واضطرت تونس لتعديل تشريعاتها للحد من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وكانت السلطات التونسية قد قامت منذ السنوات الفارطة، بمحاكمة العديد من القائمين على جمعيات خيرية بتهمة “تمويل الإرهاب أو الارتباط بجمعيات أجنبية تساهم في تمويل الإرهاب”. إذ ينص الفصل 35 من قانون الجمعيات التونسي على أنّه “يحظّر على الجمعيات قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح تلك الدول وسياساتها”. وقررت خلية الأزمة المكلفة بمتابعة الوضع الأمني في 2014 ، وقف نشاط 157 جمعية ثبت تورطها في تمويل نشاطات إرهابية مشبوهة. اما في 2015 فتم تعليق نشاط 80 جمعية، وإصدار التنبيه لـ83 جمعية أخرى بتسوية وضعيتها القانونية إضافة إلى حلّ عدد آخر من الجمعيات بقرار قضائي. كما تم إحصاء العديد من الجمعيات التي تحوم حولها شبهة الإرهاب والعلاقة بجماعات تكفيرية. وفي 2016 تم تسجيل 24 قضية عدلية تم نشرها بالمحكمة الابتدائية بتونس من اجل حل 19 جمعية وهي ..
- جمعية الجنة الخيرية
- جمعية الهداية
- جمعية البركة الخيرية
- جمعية الشبان المسلمين
- جمعية النماء الخيري
- جمعية علم وتنمية
- جمعية علم الاسلام
- جمعية تونس الخيرية
- جمعية البركة للاصلاح وللتكافل الاجتماعي
- جمعية البر الخيرية
- جمعية الفرقان لتعليم القرآن والعلوم الشرعية
- جمعية الحياة الخيرية
- جمعية شباب الخير بجرزونة
- جمعية أم الخير
- جمعية شباب الصحوة ببني خيار
- جمعية العبادلة الخيرية
- جمعية قطر الندى
- جمعية الخير الاسلامية
- جمعية البر والاحسان
وتم الحديث في وقت سابق عن لجوء “كتيبة عقبة بن نافع”، التي يتمركز عناصرها في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر، إلى إحدى الجمعيات الخيرية لتهريب أسلحة إلى عدد من العناصر الإرهابية، من بينهم كمال القضقاضي المتهم الأول باغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.. واضافة الى دورها المشبوه في مساندة الإرهاب وتقديم الدعم المالي واللوجستي لجماعاته، فان عددا اخر من الجمعيات الخيرية في تونس، يواجه تُهماً أخرى بدعم الأحزاب السياسية مالياً غير التمتع بما يسمح به لها القانون التونسي من إمكانية تلقي التمويل من جهات أجنبية، فقد وُجهت إليها العديد من الاتهامات بتدوير الأموال الأجنبية ومنحها لأحزاب سياسية أو شخصيات سياسية، منها ما أثاره تقرير دائرة المحاسبات الحكومية حول مراقبة الحملة الانتخابية الرئاسية في تونس، من جدل بعد كشفه عن تلقي أحد مرشحي الرئاسة لتمويل أجنبي مشبوه من الخارج، عبر جمعية مُقربة منه.
وعموما، فان الخلاف المجتمعي حول ماهية عدد من الجمعيات الخيرية في تونس التي تلعب أدوارا في ظاهرها خدماتية اجتماعية وفي باطنها سياسية موجهة، لا يمكن ان يتم غض الطرف عنه بسبب الانشغال بمكافحة فيروس كورونا المنتشر في البلاد. بل انه الوقت المناسب لفتح هذا الملف والتمييز حقا بين الجمعيات التي تمارس أهدافها الخيرية المعلنة بحق وبين غيرها التي تمارس أدوارا مشبوهة، اكدها الظرف الحالي وعمق حولها الشكوك بالنزر الى عدم مبادرتها في القيام بدور فعال للمساهمة في التصدي للجائحة.