تعود تبعات الأزمة السودانية إلى واجهة الأحداث مجدداً، لا سيما بعد التصريحات المثيرة التي أطلقها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالسودان “فولكر بيرتس” حول الاتفاق المعقود بين قائد الجيش السوداني، “عبد الفتاح البرهان” ورئيس الحكومة “عبد الله حمدوك”، معتبراً أن ذلك الاتفاق ليس مثاليا وتعارضه فئات كبيرة من الشعب السوداني، على حد قوله.
يشار إلى ان السوادن شهد قبل أسبوعين الإعلان عن التوصل لاتفاق جديد، عاد بموجبه “حمدوك” إلى منصبه في رئاسة الحكومة بعد فترة قصيرة من إعلان قائد الجيش السوداني، “عبد الفتاح البرهان” حل مجلس السيادة والحكومة السودانية وإقالة رئيس الوزراء وتشكيل مجلس سيادي جديد.
في السياق، يرى “بيرتس” أن الأحداث التي سبقت الاتفاق وانقلاب السلطة العسكرية على التفاهمات مع الشريك المدني واعتقال رئيس الوزراء ومسؤولين بارزين وناشطين قاد إلى تعميق انعدام الثقة بين مكونات الحكم في السودان، مضيفاً: “الاتفاق يواجه معارضة فئة كبيرة من السودانيين بما في ذلك منظمات وأحزاب مختلفة وجماعات نسائية، ويتفق بعضهم على أن هذا الانقلاب كان خيانة ويرفضون التفاوض أو الشراكة مع الجيش، ولجنة المقاومة مستمرة في التظاهرات والمطالبة بحكم مدني”.
وكانت منظمات مدنية سودانية قد دعت الأسبوع الماضي إلى تسيير تظاهرات لا مركزية في بداية ما سمّته “جدول التصعيد الثوري” لشهر ديسمبر، وذلك للتعبير عن رفض الاتفاق السياسي الموقع في 21 نوفمبر الفائت، وكذلك رفض قرارات الجيش الصادرة في 25 أكتوبر الماضي.
كما واجهت الأمم المتحدة سلسلة انتقادات واسعة من قبل قوى مدنية سودانية بسبب موقفها الداعم لاتفاق “حمدوك والبرهان”، خاصة وأنها ترى في الموقف الأممي تشريعاً للاتفاق المرفوض من قبلها، مشككةً في إمكانية أن يخدم الاتفاق انتقال البلاد من الانتقال السلمي نحو ديمقراطية حقيقية، على حد وصفها.
اتفاق انقلابي وشراكة مرفوضة
موقف القوى المدنية الرافضة لاتفاق “حمدوك – البرهان” ترجعه مصادر سودانية مطلعة إلى حالة القلق المتصاعدة داخل الأوساط المدنية من وجود توجهات لدى القادة العسكريين للبقاء في السلطة، وان الاتفاق المذكور قد يمنحهم فرصة إضافية لتحقيق ذلك الغرض، لافتةً إلى أن طيف من القوى المدنية يصر على ضرورة أن يتم التعامل مع ما جرى في 21 نوفمبر على أنه انقلاب صريح فاشل وإقصاء القائمين عليه من أي منصب أو سلطة.
وتشدد المصادر على أن حالة التوتر الحاصلة بين القوى المدنية ورئيس الحكومة “حمدوك” تأتي من نظرة تلك القوى إلى أن رئيس الحكومة تحرك منفرداً دون العودة إليها، مشيراً إلى أن القوى المدنية تعتبر أنها هي من جاءت “بحمدوك” وهي من ساعدته في مواجهة الانقلاب، الأمر الذي شكل لديها إحساس بالخيبة نتيجة الاتفاق الحاصل.
المسألة الأكثر الأهمية في موقف القوى المدنية من اتفاق “حمدوك والبرهان”، تربطها المصادر بإصرار تلك القوى على أن الانقلاب لا يزال قائماً على اعتبار أن من قاموا به لا يزالوا على رأس السلطة وشركاء في الاتفاق، موضحة: “في الدوائر الخاصة، ترى مجموعات المجتمع المدني أن الاتفاق رسخ الانقلاب ولم يفشله، وأن حمدوك بتحركه المنفرد بات بظهر مكشوف أمام العسكر، وهو ما يحد من قدرته على مواجهة إملاءاتهم”.
يذكر أن تجمع المهنيين السودانيين، الذي يعتبر أحد أقوى الكتل المدنية الرافضة لاتفاق “حمدوك والبرهان” كان قد أرجع موقفه من الاتفاق إلى كونه يعارض حالة الشراكة بين التيارات المدنية والعسكرية في إدارة البلاد، واصفاً القوى العسكرية بأنها قوة إنقلابية راغبة بالسيطرة على الحكم في السودان من خلال الخروج عن اتفاقات المرحلة الانتقالية، التي تم التوقيع عليها عام 2019 برعاية أممية ودولية.
كما تبين المصادر أن التحركات الامريكية خلال الساعات الماضية، والتي شملت إقرار لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس بإجماع كل أعضائها، فرض عقوبات على من وصفتهم بـ “المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في السودان”، قد يزيد من تحركات المنظومة المدنية في الشارع السوداني ويرفع من سقف مطالبها.
وكانت اللجنة الأمريكية قد صوتت على إقرار مشروعين لفرض العقوبات؛ الأول يُدين الانقلاب العسكري في البلاد ويدعم الشعب السوداني، والآخر بعنوان قانون ديمقراطية السودان ويشمل عقوبات ملزمة على المسؤولين عن زعزعة العملية الانتقالية بقيادة مدنية في البلاد.
ويفرض القانون عقوبات ضد معرقلي التحول الديمقراطي في السودان، أو من يهددون استقراره، أو يقيدون حرية التعبير أو الوصول إلى وسائل الإعلام، أو الضالعين في الاعتقالات التعسفية أو التعذيب، أو يسيئون استخدام أموال الدولة السودانية.
شروط ترشح تثير القلق وعقبات إضافية
تعليقاً على موقف القوى المدنية من الاتفاق الأخير، يشير المحلل السياسي، “سوار الدين النوبي” إلى أن القوى المدنية تفقد الثقة بشكل كامل بالقوى العسكرية، لافتاً إلى ان تصريحات “البرهان” الأخيرة زادت من شكوك رغبة العسكر بالاستمرار في الحكم خلال الانتخابات القادمة التي من المقرر أن تجرى في العام 2023.
يشار إلى ان “البرهان” كان قد أكد في وقتٍ سابق، على أن جميع القوى السياسيّة وبينهم العسكر سيتمكّنون من الترشح في انتخابات 2023، التي وصفها بأنها الانتخابات الحرّة الأولى في بلاد والتي ستنهي ثلاثين عاما من الديكتاتوريّة العسكريّة والإسلاميّة، على حد تعبيره، لافتاً إلى انها ستكون مفتوحة لجميع القوى التي شاركت في المرحلة الانتقاليّة، بما يشمل العسكريّين وقوّات الدعم السريع بقيادة الفريق أوّل محمد حمدان دقلو”.
حديث “البرهان” عن وجود مراقبة دولية وإفريقية للتطورات في المشهد السوداني وتشكيل الحكومة المدنيّة، وفقاً لما يراه “النوبي” لم يكن كافياً لتبديد مخاوف القوى المدنية حيال لإمكانية قيام نظام حكم عسكري في البلاد، لافتاً إلى أن القوى المدنية تسعى لإقصاء كامل للمنظومة العسكرية من الحكم وانحسار عمل القادة العسكريين في مجال الجيش بعيداً عن السياسة.
إلى جانب ذلك، يعتبر “النوبي” أن المحرك الأول لقلق المنظومة المدنية هو الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري قبل أكثر أسبوعين وحل مجلس السيادة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن البلاد لن تتمكن من حلحلة مشكلاتها في ظل مناخ انعدام الثقة المسيطر على المشهد وأن حالة التوتر المسلح لجارية في بعض مناطق السودان هي نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد عموماً.
يذكر أن منطقة ” كرينك” بولاية غرب دارفور شهدت خلال الأيام الماضية صدامات قبلية مسلحة، أدت إلى سقوط 88 قتيلا و 84 جريحا حسبما أعلنت لجنة أطباء الولاية.
موقف القوى المدنية من الاتفاق، لا يعتبر وفقاً للمحلل السياسي، “موفق أحمد”، العائق الوحيد أمام تطبيق تفاهمات “حمدوك و”البرهان”، لافتاً إلى وجود عقبات إضافية في مقدمتها موقف العديد من الحركات المسلحة السودانية، التي تصر على ضرورة خروج العسكر من المشهد السياسي، لاتمام اتفاقات السلام الموقعة بينها وبين الحكومة السودانية.
ويشير “أحمد” إلى أن تلك الحركات وبموجب اتفاقات السلام سيكون لها حصة من الحكومة السودانية ومن الحكم في البلاد، وفي ذات الوقت لن تقبل بأن تشمل تلك الشراكة الطرف العسكري، معتبراً ان التهديدات لا تطال فقط الفترة الانتقالية وبحسب وإنما تهدد السلام الأهلي في البلاد، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقات أكثر شمولية.
كما يعتقد “أحمد” أن الأزمة السودانية وصلت إلى مفترق طرق، إما التفاهم على صيغة لإدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات، أو الانزلاق باتجاه الفوضى الكبيرة، مشدداً على استحالة أن تبقى الأمور مراوحة في محلها، خاصة مع إصرار كل طرف على طروحاته مع التوليح بزيادة التصعيد والضغط على الأطراف الأخرى.
يذكر أن كلاً من حمدوك والبرهان ونائبه قائد وحدات التدخل السريع، محمد حمدان دقلو ، قد أعلنوا في وقت سابق عن توافقهم على إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتتلاءم مع الاتفاق السياسي الأخير، الموقع بينهم.