مع ما تتحدث عنه مصادر أمريكية حول أول اجتماعٍ مباشر لمسؤولين أمريكيين في إدارة الرئيس “جو بايدن” مع ممثلين من ميليشيات الحوثي، في سلطنة عمان قبل نحو أسبوعين، تصف مجموعة من المحللين السياسيين عملية السلام اليمنية بأنها صعبة التحقيق، ما يثير الكثير من التكهنات حول نجاح سياسية الرئيس الأمريكي في إنهاء الأزمة اليمنية.
يشار إلى أن المصادر الأمريكية بينت أن الاجتماع ضم كلاً من المبعوث الأمريكي إلى اليمن “تيموثي ليندركينغ” وكبير المفاوضين الحوثيين “محمد عبد السلام”، وذلك بعد جولة قام بها المبعوث الأمريكي في المنطقة، زار خلالها السعودية وقطر والإمارات ودولاً أخرى.
دبلوماسية مختلطة بالحزم
يعتقد المحلل السياسي، “عبد الجبار صالح” أن الإدارة الأمريكية لديها شعور بانها قادرة على مسك العصا من المنتصف فيما يتعلق بالشأن اليمني، واتباع سياسة العصا والجزرة مع ميليشيات الحوثي، لافتاً إلى أن ذلك كان واضحاً من خلال دعوات “بايدن” لحل الأزمة اليمنية سياسياً وما تبع ذلك من عقوبات فرضتها واشنطن على قياديين حوثيين اثنين، بتهمة مساهمتهما في ترسيخ الحرب في البلاد.
كما يذهب “صالح” في توقعاته إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى لحلحلة الازمة اليمنية بأقل التكاليف الممكنة، مع إظهار جانباً من استعدادها لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد الميليشيات، معتبراً أن “بايدن” يولي أهمية كبيرة لليمن ضمن أجنداته.
يشار إلى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية ومالية على “منصور السعدي” رئيس أركان القوات البحرية لدى الحوثيين، و”أحمد علي حسن الحمزي”، قائد القوات الجوية، في الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، لدورهما في إطالة عمر الحرب اليمنية وترسيخ حالة اللا استقرار في البلاد، على حد قولها، متهمةً إياهما بالتخطيط لهجمات ضد مدنيين ودول مجاورة واستهداف سفن تجارية.
في ذات السياق، يكشف “صالح” عن وجود قلق لدى الإدارة الأمريكية من إمكانية أن تكرر الميليشيات الحوثية لسيناريو الميليشيات العراقية في استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، خاصةً في ظل شن الميليشيات لهجمات صاروخية خارج الحدود، لافتاً إلى أن ذلك القلق يدفع “بايدن” لإظهار جانبٍ من الحزم في اليمن ويزيد من رغبته في حل قضيتها.
مصالح متشابكة
على الرغم من حالة الاهتمام النسبي للإدارة الأمريكية بالملف اليمني، إلا أن الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “سعيد الهلالي” يرى بأن سياسة “بايدن” تغفل مدى ارتباط الميليشيات الحوثية بالقرار الإيراني، ما يعني أن السياسة والدبلوماسية قد لا يمكن تحقيقهما بعيداً عن ضغوطات فعلية من ناحية ضرورة تجفيف مصادر التمويل وتوجيه ضربات قاسية للميليشيات، بالإضافة إلى إعادة العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب” على الحوثيين، مشيراً إلى أن “بايدن” قد يكون أخطأ في إظهار حسن النية تجاه الميليشيات في اليمن في وقتٍ مبكر.
كما يستشهد “الهلالي” في رأيه بالهجوم الأخير، الذي تشنه الميليشيات ضد مدينة مأرب منذ ما يزيد على أسبوعين، معتبراً أن ذلك الهجوم جاء نتيجة الإسراع باتخاذ خطوات حسن النية من قبل الولايات المتحدة، ما جعلها تأمن العقاب وتسعى لتوسيع دائرة سيطرتها على الأرض اليمنية وأكثر مناطقها مخزوناً نفطياً.
يذكر أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، سبق وأن طالبا بوقف الهجوم، الذي يعتبر الأكبر من نوعه ضد مدينة مأرب، لا سيما وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية تهدد المدنيين هناك.
ويشير “الهلالي” إلى أن الأمريكيين يتعاملون مع الحوثيين دون أن يلتفتوا لحقيقة أن مشروعهم في اليمن قائم على السيطرة المطلقة وليس الدخول في حل سياسي أو مفاوضات حكم مشترك، خاصةً وان الميليشيات تحمل أجندات معينة ومشروع مستورد من خارج الحدود، مشدداً على أن السلام في اليمن لا يمكن ان يتحقق في ظل استمرار الوجود والسلاح الحوثي أياً كان شكله أو مكانه.
من جهته، يعتبر وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أن تجارب اليمنيين مع جماعة الحوثي منذ نشأتها تؤكد أنها ميليشيات لا تفهم سوى لغة القوة، داعياً الأمم المتحدة إلى عدم إضاعة المزيد من الوقت والجهد في محاولات لإقناع قيادات الحوثيين بالجنوح للسلم.
كما وصف “الإرياني” الجهود الخاصة بإقامة حوار سياسي مع الميليشيات بأنها “عبثية” على اعتبار ان الميليشيات لن تنصاع لدعوات وجهود التهدئة والانخراط في مسار لبناء السلام على قاعدة المرجعيات الثلاث، إلا تحت ضغط عسكري وسياسي.
ضرورات إنسانية
إصرار “بايدن” على إيجاد حل لليمن، يربط “الهلالي” بتفاقم الأزمة اليمنية من الناحية الإنسانية والمعيشية، خاصةً وأن الدول المانحة لم تعد قادرة على دفع المساعدات كما في السابق، نتيجة تضررها من انتشار وباء كورونا المستجد، كوفيد 19، بالإضافة إلى أن تازم الوضع في اليمن يؤثر بشكل كبير على حركة الملاحة في خليج عدن ومضيق باب المندب.
يذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قد أعلن الأسبوع الماضي، أن اليمن يتجه لأن يكون دولة غير قابلة للحياة، في ظل ما يعانيه من استمرار المعارك والحرب للعام السادس على التوالي، كاشفاً عن صعوبة الأوضاع الإنسانية هناك، مشيراً إلى استحالة إعادة بناء البلاد في ظل الظروف الراهنة، لا سيما مع ارتفاع معدلات الفقر والجوع والدمار.