تصاعد نفوذ وزير المالية، وصهر الرئيس التركي، “بيرات ألبيرق”، في مؤسسات الحكم، يسلط الضوء على تقلبات وشيكة في نظام الحكم، قد تؤسس إلى نظام جديد في البلاد قوامه، عائلة الرئيس، وفقاً لما يراه الخبير في الشأن التركي، “نوزات أقطاي”، لافتاً إلى أن نظام الحكم التركي شهد خلال الـ 20 عاماً الماضية، تقلبات سياسية برعاية “أردوغان”، مثلت نقاط تحول جذرية انتقلت خلالها تركية من حكم العلمانية والحزبية إلى حكم الحزب الأوحد وصولاً إلى فرض نظرية الزعيم الأوحد.
وشهدت تركيا عام 2016، تعديلات جذرية في الدستور التركي، تم خلالها تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وذلك تزامناً مع تولي الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” منصب رئاسة الجمهورية، ما أثار خلافات حادة داخل الحزب الحاكم قادت إلى انشقاقات كبيرة بينها، رئيس الوزراء الأسبق، “أحمد داوود أوغلو” ووزير الاقتصاد الأسبق، “علي باباجان”.
أردوغان وأولى مراحل الإمبراطورية السياسية
تطرقاً لتاريخ تركيا الحديث، يشير “أقطاي” إلى أن تولي “أردوغان” منصب رئاسة الحكومة عام 2002، مثل بداية تغير في شكل الحكم التركي، موضحاً: “أردوغان تمكن من القضاء على خصومه العلمانيين وقاد البلاد خلال 15 عاماً للتحول من حكم علماني بحت إلى نظام ديني، كما جمد الأدوار الحزبية في تشكيل الحكومات، وحصرها بحزب العدالة والتنمية، من خلال إذكاء النزعتين القومية والدينية داخل تركيا، ليستفيد من حالة النهضة الاقتصادية المحققة خلال الأعوام الأولى من حكمه، والتي ارتبطت بشكل وثيق باسم خليفه السابق، أحمد داوود أوغلو”.
وكانت تركيا حتى عام 2003، تعاني من انخفاض كبير في سعر الليرة أمام العملات الأجنبية، وصل إلى حد إصدار ورقة نقدية من فئة مليون ليرة، قبل أن تتبنى حكومة العدالة والتنمية قرار حذف ست أصفار من العملة، عام 2004، ما أسهم في قيام الاقتصاد التركي وظهور تحسينات واضحة في الحياة العيشية والتجارية، وتقوية الليرة التركية مجدداً.
في هذا السياق، يوضح “أقطاي” أن “أردوغان” اعتمد على سياسة النفس الطويل لتثبيت نفسه كقائد وزعيم أوحد في تركيا، لافتاً إلى أنه سعى للاستفادة من خبرة رفاق دربه السابقين، لترسيخ صورة المصلح، والشروع في شن حرب ضد خصومه السياسيين خارج تياره الحزبي، وهي المرحلة التي عمل خلالها على تثبيت حكم حزب العدالة والتنمية كمقدمة لتثبيت نفسه رئيساً بدرجة زعيم.
تعقيباً على حديث “أقطاي”، يؤكد الباحث السياسي، “أسعد كاتبي”، أن المرحلة الأولى من ترسيخ حكم الحزب، قامت على مزيج من النظرية الدينية والنظرية القومية والنظرية الشيوعية في الحكم، موضحاً: “أدورغان أحسن قراءة المشهد السياسي في تلك المرحلة وأدرك أنه غير قادر على مواجهة كافة الجبهات منفرداً في وقتٍ واحد، وهو ما دفعه إلى زج الحزب بكامل قوته في حربه مع العلمانيين والخصوم السياسيين داخل البرلمان والقادة العسكريين، كمرحلة أولى من مراحل بناء إمبراطوريته العائلية”.
أعداء الداخل وحملة الإقصاءات
المرحلة الثانية من مراحل الإمبراطورية السياسية لعائلة “أردوغان”، يربطها الباحث “أقطاي” بحملة إقصاءات داخل الحزب والحكومة، لإفراغه من القيادات ذات الصوت العالي، والتي قد تمثل حجرة عثرة أمام طريق السلطة العائلية، وفي مقدمتهم، رئيس الحزب ورئيس الوزراء، “أوغلو”، ونائبه “باباجان”، بالإضافة إلى صديقه والرئيس السابق، “عبد الله غل”، مشيراً إلى ان تلك المرحلة بدأت مع تولي “أردوغان” منصب رئاسة الجمهورية، عام 2014، وتركيز السلطات التنفيذية بيد مؤسسة الرئاسة وتجريد رئيس الوزراء من كافة صلاحياته بموجب تعديلات العام 2016.
خلال المرحلة الثانية، يعتبر المحلل السياسي، “أحمد عبد المعطي”، أن خطوة التحول إلى النظام الرئاسي كان لابد منها بالنسبة “لأردوغان” للوصول إلى المرحلة الثالثة من مشروعه السياسي بخلق طبقة الحكم العائلي، لافتاً إلى أن نظام الحكم البرلماني، يحول دون تحقيق المرحلة الثالثة وطموحات الرئيس بسلطة مطردة، على اعتبار أن منصب رئيس الحكومة لا يمنح “أردوغان” السلطة المطلقة، في ظل وجود سلطة أعلى تتمثل برئيس الجمهورية، حتى وإن كانت سلطة فخرية، على حد قوله.
في السياق ذاته، يلفت “عبد المعطي” إلى أن تلك المرحلة دعمتها محاولة الانقلاب الفاشلة، صيف العام 2016، والتي استغلها الرئيس التركي لتنفيذ اعتقالات واسعة في صفوف الجيش ومجالات الأمن والقضاء والسياسة والإعلام، معتبراً أن مشروع الحكم العائلي كان المستفيد الأكبر من محاولة الانقلاب تلك، والتي مثلت فعلياً مدخل المرحلة الثالثة من مراحل الحكم العائلي.
وكانت السلطات التركية، قد اعتقلت خلال السنتين اللتي تبعتا محاولة الانقلاب، عشرات الآلاف بتهمة الانتماء إلى التنظيم الموازي، أو تنظيم “فتح الله غولن”، بينهم ضباط وعسكريين وأستاذة جامعات وحقوقين وقضاة وموظفين حكوميين، ما أثار انتقادات دولية واسعة وتحذيرات من سياسات قمعية وتكميم للأفواه في البلاد.
توزير الصهر وفرضيات التوريث
صعود “بيرات ألبيرق” زوج ابنة الرئيس، إعلامياً وحكومياً، يمثل وفقاً للمحللين الثلاثة السابقيين، الإعلان الفعلي عن قيام الحكم العائلي في تركيا، ليسدل الستار على الحياة الحزبية بشكل تام، وتصبح تركيا بشكل رسمي إقطاعية تابعة للرئيس وعائلته، وانحسار كافة الأسماء الأخرى من عالم السياسة ومواقع اتخاذ القرارات، حتى القيادية منها في حزب العدالة والتنمية.
وكان الرئيس التركي، قد أصدر قراراً عام 2018، بتعيين صهره “آلبيرق” وزيراً للمالية، في حكومة العدالة والتنمية، وسط انتقادات واسعة من قبل المعارضة، التي اعتبرت أن “أردوغان” بدأ بوأد الحياة السياسية في تركيا على حد وصفها.
إلى جانب ذلك، تجاوز الباحث “أقطاي” مسألة توزير الصهر، إلى مرحلة توريث الحكم، لافتاً إلى أن العقلية السائدة حالياً في حكم تركيا من غير المستبعد عنه أن تتبنى نظرية التوريث في مراحل متقدمة، خاصة وأن الرئيس لديه ولدين، قد يلعب أحدهما دوراً سياسياً بعد الانتخابات القادمة عام 2023، في حال نجاح حزب العدالة والتنمية.
كما رجح “أقطاي” أن تشهد الساحة التركية المزيد من الإقصاءات السياسية والعسكرية في النظام التركي خلال الأعوام القادمة، لصالح تثبيت سلطة عائلة الرئيس داخل مؤسسات الدولة التركية، وهو ما أيده المحلل السياسي “عبد المعطي”.
يشار إلى ان المعارضة التركية طلبت عدة مرات بمقاضاة وزير المالية، متهمةً إياه بالمسؤولية عن انهيار سعر صرف الليرة، التي سجلت خلال الأشهر الماضية، أدنى مستويات لها منذ 20 عاماً، بالإضافة إلى اتهامه برعاية صفقات فساد لدعم شركات تابعة للرئيس ولأفراد عائلته.