يوماً يعد يوم، ومع كل معتقلة جديدة يكتب لها الخروج مجدداً إلى الحياة، تتكشف المزيد من الممارسات العنيفة، التي تقوم بها سلطات السجون الإيرانية بحق المعتقلات الموقوفات لديها على خلفيات قضايا سياسية وأنشطة معارضة للنظام.
تقول “مريم” إحدى المعتقلات المفرج عنهن مؤخراً، في حديثها مع مرصد مينا: “ينظرون لنا على أننا كافرات وفاسقات، ولك أن تتخيل كيف يتعامل المتشددون مع هذه التوصيفات، وكم الحقد الذي يخرج منهم تجاهنا”، لافتةً إلى أن الكثير من السجانيين كانوا يشعرون بأنهم يقومون بواجب وطني وديني من خلال تعذيب المعتقلات، وكأنهم يصلون أو يتعبدون، على حد قولها.
الصناديق السوداء.. حيث تتلاشى الإنسانية
جدران السجون الإيرانية تتعدى كونها مجرد جدران لاحتجاز من يراهم النظام خطر عليه، وإنما هي أسوار يمنع على الإنسانية أن تتجاوزها وترى ما خلفها، كما تشير “مريم”، لافتةً إلى وجود عقوبة تتمثل بوضع المعتقلة في صندوف خشبي أسود أشبه بالتابوت الصغير، حيث تترك لأيام وكأنها مدفونة في الحياة بشكل فعلي، لتخرج بعدها وتخضع لعمليات التحقيق، والتي تترافق معها غالباً شتى أنواع التعذيب.
“مريم” توضح أن تلك الصناديق دائما تكون أقصر من طول المعتقلة ما يجبرها على البقاء طوال الوقت ثانيةً قدميها إلى صدرها، الأمر الذي يصيبها بعوارض صحية تهددها ببتر قدميها لاحقاً، بسبب عدم وصول الدم إليهما، بالإضافة إلى إمكانية الإصابة بالعديد من الأمراض من بينها الفشل الكلوي، لا سيما وأنها توضع في أماكن باردة.
إلى جانب ذلك، تؤكد مريم أن كثير من المعتقلات، اللاتي يصنفهن النظام كخطيرات، يخضعن في بداية الأمر إلى هذا النوع من التعذيب والذي قد يستمر لأسابيع، حيث تعاد المعتقلة إلى الصندوق في كل مرة يحقق معها وترفض الاعتراف بالتهم الموجهة لها أثناء التحقيق، مشيرةً إلى أن معظم المعتقلات اللاتي تعرضن لهذا التعذيب أصبن بنوبات انهيار عصبي شديد.
وتضيف “مريم”: “تخيل نفسك في قبر وعيناك مفتوحتان، تخيل نفسك في هذا الموقف وكافة عوامل الموت البطيء محيطة بك من كل جهة، من جوع وبرد وتعذيب وأعراض مرضية”، مشددةً على أن السلطات الإيرانية تطبق تلك العقوبة بشكل مدروس جداً، بحيث تخرج المعتقلة من الصندوق بأوقات محددة، أي قبل موتها بدقائق.
وكانت منظمات حقوقية قد أعلنت مطلع العام الجاري، عدم تمكنها من إحصاء عدد رسمي للمعتقلات الإيرانيات في السجون، بسبب تشديد السلطات الأمنية على تلك المعتقلات والسجلات الخاصة بهن، لافتةً إلى أن معظم السجينات الإيرانيات موقوفات على خلفية قضايا سياسية وقضايا تتعلق بالحجاب.
كافرات فاسقات.. اغتصابهن عبادة
الثابت لدى معظم السجانيين والمشرفين على سجون النساء في إيران، أن كافة الموقوفات هن فاسقات وكافرات ويدعن للفجور والرذيلة، تقول المعتقلة السابقة، “نازيلا”، مشددةً على أن تلك النظرة دفعت القائمين على السجن لاعتبار المعتقلات مشاع لهن، وأن بإمكانهم التعامل معهن كما يشاؤون دون رادع خلقي أو قانوني.
تلفت “نازيلا” إلى أن اغتصاب المعتقلات هو من أكثر العقوبات المنتشرة في المعتقلات الإيرانية، خاصة وأن معظم التهم الموجهة للمعتقلات تتعلف بالفجور والرذيلة، مضيفةً: “معظم السجانيين المشرفين على المعتقلات هم من الجهلة المتشربين لفكر خميني وخامئني المتشدد، تحديداً حيال المرأة، وهم يطبقون ما تعلموه من المرشد بشكل حرفي، يرونا ساقطات وبالتالي قناعاتهم الدينية الخمينية وغرائزهم الذكوية تسمح لهم باعتصاب فتاة مكبلة وتعذيبها ومعاملتها بشكل غير آدمي، كثيرات وصلن إلى مرحلة الانتحار، خاصةً وانهن يرين مغتصبهن كل يوم وتجبرن على إطاعته”.
حوادث الاغتصاب، وبحسب “نازيلا” -اسم مستعار-، غالباً ما تترافق بتهديدات مباشرة للمعتقلات باعتقال بناتهن أو أبنائهن واغتصابهم أمامهن أو اعتصابهم بشكل جماعي، موضحة: “سجون إيران حيث تفقد الإنسانية ويغيب الخوف من الله، الذي يقولون إنهم يفعلون ذلك باسمه، الله لا يقبل بذلك، لا أدري كيف تمكن خميني من زرع تلك الأفكار بداخل هؤلاء الوحوش”.
في السياق ذاته، تؤكد المعتقلة السابقة “فاطمة”، المنحدرة من إقليم الأحواز، ذو الأغلبية العربية، أن النظام الإيراني يعتبر كل من يعارضه عدواً له أياً كان انتماءه الديني أو العرقي، لافتةً إلى أنه يرى جميع معارضيه كفار ويحق لسجانيه تعذيبهم وضربهم واغتصابهم واغتصاب أبنائهم وبناتهم، وأن كل شيء في تلك الأقبية متاح للسجانين بما في ذلك قتل المعتقلين.
يشار إلى أن منظمة العفو الدولية قد كشفت عن توثيقها لعدة حالات اغتصاب وقعت في السجون الإيرانية، خلال العام الماضي، أثناء التحقيقات الخاصة بالمظاهرات، التي اندلعت في العديد من المدن الإيرانية، في تشرين الثاني 2019.
نقاط معتمة صعبة الوصول
عدم وجود بيانات أو إحصائيات أو حالات توثيق لما تعانيه المعتقلات الإيرانيات، ترجعه الناشطة الحقوقية الإيرانية، “نفيسة فيرساني” إلى التشديد الأمني، الذي تفرضه سلطات النظام الإيراني على تلك المعتقلات، لافتةً إلى أن النظام يختار القائمين على تلك السجون بعناية شديدة، سواء بالنسبة لمديريها أو ضباطها أو سجانيها.
كما تؤكد “فيرساني” على أن المعتقلات تعتبر من أكثر مؤسسات النظام سريةً وأهمية وغموض، كونها تعتبر من وجهة نظره، خط الدفاع الأول عن استمراريته، وفيها تمارس كافة الانتهاكات، التي من شأنها منع المعتقلين عموماً من العودة إلى التظاهر، لا سيما وأن العقوبات المفروضة بحق المعتقلين والمعتقلات تمتد لسنوات طويلة جداً.
إلى جانب ذلك، توضح “فيرساني” أن عنف المعتقلات وإرهابها ليس موجه ضد من هم بداخلها فقط، وإنما موجه بشكل أكبر إلى من هم خارجها، في محاولة لإرهابهم وتهديهم بمصائر مشابهة في حال معارضة النظام، مضيفة: “في كل فترة يتعمد النظام الكشف عن جانب من وحشية سجونه، فهو يستخدمها كعصاً غليظة لردع معارضيه وأبناء الشعب من قول كلمتهم”.
أما عن أوضاع المعتقلات النساء في السجون، تشير “فيرساني” كان هناك عدة جهود من مؤسسات حقوقية إيرانية ودولية، للتواصل مع المعتقلات والوصول إلى بيانتهن وشهادتهن لتوثيق إحصائيات ولو بشكل تقريبي، إلا أن الكثير منهن لم يتمكن من المشاركة لعدة أسباب أهمها الخوف من الاعتقال مجدداً، لا سيما وأنهن بعد خروجهن يحضعن للمراقبة، بالإضافة إلى طبيعة المجتمع الذي يرفض التعاطف مع المغتصبات، والخشية على بقية أفراد العائلة من تبعات أمنية واجتماعية.
وتختم المعتقلة “نازيلا” بالتأكيد على أن كل ما ذكر هو غيض من فيض وأن الكثير من الممارسات، التي تعرضن لها خلال فترة الاعتقال لا يمكن الإعلان عنها، في مجتمع كالمجتمع الإيراني، خاصة بما يتعلق بالاعتداءات الجنسية، مشددة على أنها تتمنى لو أنها قادرة على مسح تلك الفترة من مخيلتها.
على عكس ذلك، تشير “مريم” إلى أنها لن تنسى ما حصل معها وأنها لن تسمح أي مسؤول في النظام الحالي، خاصةً وأنها تعتبر كل من يقبل تولي منصب في هذا النظام، موافق وشريك في ممارساته، مضيفةً: “لا أدري كيف لأولائك السجانيين أن يكون لديهم عوائل وأبناء، وأن يتناسوا في بقية يوميهم ما قاموا به من جرائم، كيف لهم أن ينسوا بأنهم كانوا جزءاً رئيسياً من تدمير حياة الناس”.
كما يؤكد “مريم” على ثقتها بأنها يوماً ما ستواجه سجانيها أمام محكمة عادلة، وتطالب بالقصاص منهم لما ارتكبوه من جرائم وحشية، مشيرة إلى أنها لا تزال مصرة على متابعة أنشطتها ضد النظام الحاكم.