مرصد مينا
نشر موقع “درج” تحقيقًا بالغ الاهمية يحكي الأيام الإيرانية الأخيرة، حيث انفجر الشارع الإيراني مجدداً في وجه النظام، فانطلقت شرارة الاحتجاجات من مدينة “بهبهان” وسرعان ما وصلت إلى طهران، شيراز، تبريز، مشهد، رشت، أرومية وغيرها، وقد طغت المطالب المعيشية على هتافات المحتجين.
يصف التحقيق هذا الانفجار وعلى لسان شخصية إيرانية بأنه أشبه بأهوال يوم القيامة، مستشهداً بجزء من آية: “…وترى الناس سكارى وما هم بسكارى…” ليصف بها هلع النظام والشعب معاً، مما يحدث.
ويمكن تقسيم أهوال إيران، إلى قسمين: قديم، ثابت، بدأ مع انتصار الثورة (1979)، وجديد، برز مع عودة العقوبات الدولية (2018)..
أما عن القسم الأول، فهو عبارة إما عن سلوكيات قام عليها النظام منذ لحظة تأسيسه، وإما عن قصوره في معالجة العديد من الملفات، ويشمل: الهدر والفساد وسوء الإدارة في مؤسسات الدولة، ثروات رجال الدين ومسؤولي النظام وقادة الحرس الثوري، صرف أموال الشعب على الحلفاء، أحوال السجون والسجناء، أحكام الإعدام بالجملة والمفرق، حرائق الغابات المتنقلة، جفاف الأنهر والبحيرات المتواصل منذ سنوات، ارتفاع معدلات الجريمة الاجتماعية والإدمان والعنف الأسري والبطالة، التمييز الجندري، اضطهاد الأقليات، وقد أصبح هذا القسم من الأهوال، من الأمور الاعتيادية في حياة الفرد الإيراني اليومية.
فيما يشتمل القسم الثاني وحسب التحقيق، على أربعة أهوال “وجودية”، يتخبط في غيابها النظام، من دون أن يهتدي إلى منفذ للخروج منها، وهي: انهيار العملة الوطنية (التومان) أمام الدولار، جائحة كورونا، الاحتجاجات الشعبية المتجددة والانفجارات المجهولة الفاعل، هذا القسم من الأهوال، يبدو أنه بدأ يخلخل أركان النظام اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا، وأصابه بالصدمة والذهول والإرباك، بينما أطبق على أنفاس الشعب الإيراني.
أزمة الدولار
ويتابع التحقيق وصف الأحداث الايرانية بالقول أنه ومع شروق شمس الاثنين الماضي، تبخرت وعود حاكم البنك المركزي عبد الناصر همتي، بضبط سوق صرف العملات الأجنبية، وواصلت العملة الوطنية هبوطها التراجيدي، أمام الدولار الأميركي، فتجاوز عتبة 26 ألف تومان، بارتفاع تدريجي، وصل إلى عشرة آلاف تومان، منذ بداية السنة الإيرانية الحالية (21 آذار/مارس)، وبذلك تكون العملة الوطنية، قد فقدت أكثر من 55% من قيمتها.
وفي حين، استمر ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والذهب في السوق السوداء، بوتيرة سريعة، قابله انخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي 73 مليار دولار، وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي (كانون الأول/يناير الماضي).
وبرأي الصديق، أن النظام الإيراني، بات منذ خروج الولايات المتحدة الآحادي، من الاتفاق النووي، في العام 2018، وفرضها “تصفير” صادراته النفطية، هدفا لأقسى موجة من العقوبات الاقتصادية في تاريخه.
جائحة كورونا
يعود تحقيق الموقع إلى آخر التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الإيرانية، والمتضمن أن حوالي 16 ألف مواطن إيراني لقوا حتفهم، جراء الإصابة بفايروس كورونا، فيما ناهز عدد المصابين، حدود 277 ألف شخص، حتى الآن، وفي حين أعلنت الوزارة، تجاوز 9 محافظات مستوى الخط الأحمر، رفعت مستوى الإجراءات الوقائية في 9 محافظات أخرى من بينها طهران.
علما أن رئيس الجمهورية حسن روحاني، كان قد أعلن، استناداً إلى تقارير طبية، أن “حوالي 25 مليون إيراني، أصيب حتى الآن، بفايروس كورونا، ومن المرجح إصابة 30 إلى 35 مليون مواطن في المستقبل، ومن الممكن أن يحتاج أكثر من مئة مصاب من كل ألف مصاب، إلى عناية سريرية، لذلك علينا أن نتحضر جيداً لهذا الأمر”.
عودة الاستنفار الطبي، في مواجهة كورونا، يستوجب استنفاراً ماليا (برأي صديقي)، وهذا ما تفتقده إيران في الوقت الحالي، فبسبب العقوبات أيضاً، وندرة العملة الصعبة، يصعب على إيران استيراد ما تحتاجه من أدوية وأدوات وتجهيزات طبية، لمواجهة الجائحة، إذ إن الإنتاج المحلي لم يعد كافياً، قياساً على حجم انتشار الفايروس، وعدد السكان، ورغم هذا، لم يوفر الفساد هذا الملف، فقد أشارت مصادر طبية إلى أن منظمة الصحة العالمية أرسلت حوالي 15 ألف بدلة واقية للجهاز الطبي والتمريضي، مع بداية الأزمة، إلا أنها ضاعت على الطريق، وقِس على ذلك.
أضف إليه، نقص الكادر البشري، حيث يتوفر 3 ممرضين لكل ألف مريض، أي بنقص حوالي 290 ألف ممرض، ذلك أن قطاع التمريض كان من أكثر القطاعات الخدمية التي تآكلت حقوقها في السنوات الأخيرة، وقد نفذت النقابة العديد من الاحتجاجات والتظاهرات، للمطالبة بحقوق مشروعة، إلا أن المعنيين لم يستجيبوا، مما جعله من القطاعات المهملة، عدا الإنهاك التام الذي ضرب الكادر الطبي، مترافقا مع تراجع قدرة المستشفيات على استيعاب أعداد الإصابات المتفاقمة.
إشارة إلى الجسم الطبي والتمريضي، فقد حتى الآن 130 كادرا، أولهم الممرضة الشابة نرجس خانعلي (25 عاما) بينما بلغ عدد الإصابات 10 آلاف إصابة.
مسلسل الانفجارات
أما عن انعكاسات مسلسل التفجيرات في طهران فمنذ ليل 25 حزيران/ يونيو، تتعرض إيران لسلسلة من الانفجارات والحرائق الغامضة، التي طالت منشآت نووية وصاروخية وقواعد عسكرية ومصانع أدوية وبتروكيماويات ومحطات إنتاج الطاقة الكهربائية والمائية وأنابيب الغاز وسفن التجارة في مناطق طهران، كرج، أصفهان، تبريز، مشهد، بوشهر، الأهواز وغيرها، وتمددت إلى خارج الحدود، حيث طاولت قواعد للحرس الثوري قرب دمشق.
حتى الساعة، لم تخرج ردة فعل إيران اتجاه هذه الهجمات، من إطار توزيع الاتهامات والتهديدات العشوائية، ومحاولة إحصاء الخسائر المادية والمعنوية، بعيدا عن الإعلام، وفي الحالين ماتزال الكفة تميل نحو المكابرة.
لا تنوي إيران الاعتراف بخسائرها، أمام الرأي العام، لا المحلي ولا العالمي، وستظل تكابر وتقلل من شأن الأضرار التي ألحقها الانفجار بمنشأة نطنز، وتصر على أن الانفجار الذي استهدف خجير، التي أخفتها عن مفتشي وكالة الطاقة العالمية، وقع في منشأة بارتشين، أما الانفجارات والحرائق الأخرى، التي لم يعد بالإمكان إحصاءها، فلا تعدو كونها ناتجة عن انفجار قارورة غاز أو أنبوب نفط من هنا أو محول كهرباء من هناك.
أغلب الظن، أن أقصى ما يمكن أن تقوم به إيران، ثأرا لكرامتها الوطنية المنتهكة، أن تتهم إسرائيل والولايات المتحدة بما يحدث، لكنها، بلا شك، ستعود وتتراجع في اليوم التالي، لئلا تجد نفسها مجبرة على الرد، وقد تلجأ إلى تلفيق بطولات وهمية وتبني حوادث أمنية، مثل انفجار المدمرة الأميركية في سان دييغو، حفظا لماء وجهها أمام الحلفاء قبل الخصوم.
عودة الاحتجاجات
مع مجموعة الأسباب السابقة، انفجر الشارع الإيراني مجدداً في وجه النظام، فانطلقت شرارة الاحتجاجات من مدينة بهبهان في محافظة خوزستان الحدودية، التي تحوي مدنا ذات غالبية عربية، وسرعان ما وصلت إلى طهران، شيراز، تبريز، مشهد، رشت، أرومية وغيرها، وقد طغت المطالب المعيشية على هتافات المحتجين، إضافة إلى الاعتراض على هدر ثروات إيران على تجنيد المرتزقة وتسليح المليشيات في المنطقة، بدل صرفها على الشعب، وعادت الحناجر، تردد شعار “نه غزة نه لبنان جانم فداى ايران” أي “لا غزة لا لبنان روحي فدا إيران”.
تأتي هذه الاحتجاجات بعد مرور ثمانية أشهر، على أحداث العنف التي حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أو ما بات يعرف بانتفاضة “آبان”.
وعلى غرار ما يحصل دائما، واجهت القوى الأمنية المعترضين بالحديد والنار، رصاص حي وقتل وسحل في الشوارع واعتقالات عشوائية، خصوصا لدى فئة الشباب، إضافة إلى قطع الإنترنت عن المدن التي شهدت تظاهرات.
استطاعت القوى الأمنية قمع موجة الاحتجاجات الجديدة في أقل من 24 ساعة، ومنع تمددها إلى مدن ومناطق إضافية، لكن الجوع الذي بدأ يتحول إلى تهديد مباشر بالموت لحوالي 60% من الشعب الإيراني، يبدو أنه آخذ بالتمدد في كل الاتجاهات، وقد أخفقت كل أجهزة الدولة في محاصرته وقمعه.
وفي هذا الإطار، اختصر نائب زاهدان حسين علي شهرياري، في جلسة مجلس النواب الأخيرة، الأوضاع المعيشية المزرية التي يعاني منها الشعب الإيراني، بقوله: “الفقر والجوع والضغوطات الاقتصادية، سوف تدفع بالشعب إلى إخراجنا من المجلس ومن الحكومة، ولست أرى هذا اليوم بعيدا”، وعن فقراء المناطق الحدودية، قال: “هناك مواطنون في المناطق القصية من البلاد، لم يذوقوا طعم اللحم منذ ستة أشهر، يبدو أن رئيس الجمهورية (روحاني) لم ينم جائعا ولا ليلة، ليعرف ما معنى الجوع”.
روحاني نفسه، كان قد حذر سابقا، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من مغبة تحدي إيران في أي مجال، بعبارته الشعبوية الشهيرة: “لا تلعب بذيل الأسد”.
يختم التحقيق بالاستناد إلى كلام شخصية ايرانية: “بعد مرور سنتين على هذه العبارة، أرى أن ترامب لم يعبث بذيل الأسد فقط، بل يكاد يقطعه، كما أن الأسد أثبت أنه ليس سوى مجموعة من الحملان”.