على الرغم من تزايد الأصوات المطالبة بحماية الشرائح الضعيفة في المجتمع العراقي، من خلال إقرار قانون العنف الأسري لحماية المرأة والطفل، إلا أن العراق لم يتمكن بعد من تمرير القانون في مجلس النواب نتيجة رفض أحزاب سياسية لإقراره، وفي الوقت الذي تتزايد فيه جرائم العنف داخل العائلات، ما شكل تهديدا لكيان العائلة التي هي أساس المجتمع، تجددت دعوات سياسية وشعبية ونداءات من منظمات المجتمع المدني ومنظمات دولية، للبرلمان والحكومة من أجل الإسراع بتشريع القانون.
مجلس القضاء الأعلى في العراق، كان أعلن، في وقت سابق من الشهر الماضي، وقوع نحو 17 ألف حالة عنف أسري خلال عام واحد، لافتاً إلى أن الحالات التي لم تحول إلى المحاكم وبالتالي لم يتم تسجيلها رسمياً أعلى بكثير.
نداءات أممية وحكومية
ازاء تزايد حجم الجرائم العائلية، ناشدت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” مجلس النواب العراقي، الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري، مشيرة إلى “تقارير مثيرة للقلق تفيد بارتفاع حالات العنف القائم داخل الأسر، نتيجة للحجر المنزلي بسبب فيروس كورونا”. وطالبت “يونامي” بإبقاء أبواب الملاذات الآمنة مفتوحة للنساء الهاربات من العنف ومعاقبة مرتكبي أي نوع من أنواع العنف الأسري.
وفي السياق، أصدرت ممثلات المرأة في البرلمان والحكومة العراقيتين، في وقت سابق بيانا أوصى بالإسراع في تشريع قانون الحماية من العنف الأسري وجعله من أولويات عمل مجلس النواب، ويوضح البيان أن “المجتمعات ناشدن السلطة القضائية لإيلاء جرائم العنف الأسري أهمية قصوى، والعمل على عدم إفلات مرتكبيها من القصاص العادل”.
في محاولة لتسليط الضوء على معاناة النساء اللواتي تعرضن للعنف، اقدمت الفنانة والناشطة العراقية “تارا عبد الله” على جمع ملابس قرابة مئة ألف سيدة عراقية تعرضت للعنف بينهن نساء متوفيات بسبب العنف، وعلقتها في إحدى شوارع مدينة السليمانية على طول 4800 متر ضمن عمل فني، وتقول “تارا” إنها أقدمت على هذه المبادرة “بغرض التوعية بشأن العنف الأسري والحالات البشعة التي تعيشها البنت والزوجة والأخت”، مشيرة الى أنها القت الضوء على قضية آنية، حدثت ومازالت تحدث ضحاياها مئات النساء احياء أو أموات .
يشار الى أن وزارة الداخلية العراقية وثقت 5 آلاف و292 حالة عنف أسري في البلاد، خلال النصف الأول من عام 2020، بينها 3 آلاف و637 حالة اعتداء من الزوج على زوجته، و 453 حالة اعتداء من الزوجة على زوجها.
رفض أحزاب الإسلام السياسي
رغم مرور سنوات على وجود مشروع “قانون العنف العائلي” في أدراج مجلس النواب دون إقراره، حتى بعد إجراء سلسلة تعديلات على بنوده، فإن القانون لم يرَ النور حتى الآن بسبب معارضة أحزاب الإسلام السياسي المتحكمة بالعملية السياسية في العراق، بحجة ان بعض بنوده تتعارض مع الشريعة الإسلامية والأعراف الاجتماعية.
ويعتبر زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، “قيس الخزعلي”، “أن القانون ليس من أولويات الشعب العراقي واصافاً إياه بـ”المشروع الذي سيفكك الأسرة العراقية وأنه محاولة لدس السم بالعسل من خلال ذكر عبارات فضفاضة ممكن أن تستخدم لضرب وتفكيك الأسرة العراقية والمجتمع العراقي” زاعما أن “بعض المواد والفقرات في قانون العنف الأسري تعتبر جريمة”.
من جانبه، يقول النائب والقيادي في الكتلة الشيعية “عمار طعمة”، إن مشروع قانون العنف الأسري يعارض ثوابت الإسلام والدستور العراقي، مدعيا ان “مشروع القانون يتضمن مضامين خطيرة تنذر بعواقب تخريبية تستهدف استقرار العائلة والمجتمع العراقي”.
ويرفض “طعمة” فقرة في القانون تتيح “للزوجة في حال سوء تفاهم وخلاف عائلي مع زوجها أن تذهب للشكوى والاستقرار في مركز الإيواء تحت رحمة الغرباء وابتزازهم، وعلى الزوج أن يبعث لها نفقتها وهي تعيش في مركز الإيواء بعيداً عن أولادها وأطفالها” قائلا “إنهم يريدون تمزيق الأسرة وتفكيك العائلة بهذه الأساليب والوسائل”.
لكن الخبيرة القانونية خنساء الشمري تقول إن قانون العنف الأسري يمثل حماية للأسرة لأنه “يمنح خيارات للصلح والتراضي كما إنه يضمن حصول الطرف المعتدي على التقويم النفسي” لعدم تكرار الاعتداء.
حق تربية الأطفال
الناشط الحقوقي “رباح السلمان” يبين أن “القانون يمثل تطورا كبيرا في الفكر الاجتماعي العراقي لأنه التفت إلى كون الصلح يجري بين أطفال قصر لا يمتلكون إمكانية تمثيل أنفسهم قانونيا وأهلهم المعتدين عليهم”، يرى “طعمة”، أن “مشروع القانون يسلب حق تربية وتأديب الوالدين لأولادهم ويعتبره جريمة عنف أسري، ويجعل كل خلاف عائلي قابلا لتدخل القضاء”، منتقدا فكرة إيجاد مراكز إيواء لضحايا العنف الأسري، لأنهم سيكونون في أيدي غرباء لا يؤمن عليهم من مخاطر الإفساد والتوريط بمختلف سلوك الشذوذ والانحراف الأخلاقي.
ويمنح مشروع القانون المحكمة حق تمثيل الأطفال ورعاية مصالحهم، كما يلزم الشهود على الاعتداء الجسدي بإخبار الجهات المختصة تحت طائلة العقوبة، ويتوسع بتعريف العنف الأسري إلى التعنيف اللفظي وليس الجسدي فقط، كما يمنح مدراء دور الرعاية صلاحية استضافة المعنفين لثلاثة أيام قبل صدور أمر قضائي باستضافتهم لضمان عدم بقائهم بدون مأوى في فترة التقاضي.
ويرى مراقبون أن المشكلة في العراق ليست في إصدار قوانين لحفظ حريات المجتمع وأفراده، إنما في محاولة قوى سياسية ودينية، فرض نمط من الأفكار والممارسات والعادات الدينية والاجتماعية، عبر فرض وجهة نظرها حول نمط الحياة المطلوب تطبيقه ورفض أية محاولات للتخلص من هذه الهيمنة، سواء عبر “قانون العنف الأسري” أو غيره.