هيئة التحرير
“إعلان حرب”، يصف مصدر سوري خاص لمرصد “مينا”، قرب تطبيق الولايات المتحدة قانون قيصر، الخاص بجرائم الحرب بحق المعتقلين في سوريا، لافتاً إلى أن وجود تكتيك أمريكي خاص بالتعامل مع الملف السوري نظراً لخصوصيته وتشابك العلاقات والمصالح الدولية فيه.
ومن المقرر أن تبدأ الولايات المتحدة مطلع الشهر القادم، تطبيق القانون، الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أشهر، والذي يفرض عقوبات اقتصادية قاسية على النظام ومجموعة داعميه، سواء أكانوا أفراد أو شركات أو هيئات حكومية.
حرب بلا دماء
النظرة على طبيعة ما يفرضه القانون من عقوبات ومواد، تشير بحسب المصدر، إلى أن الولايات المتحدة تشن حرباً من نوعٍ خاص وغير تقليدية على النظام السوري، ستؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاطه بالتقادم دون إراقة دماء أو الدخول في دوامة العمل العسكري، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة استفادت من درس العراق وأخطائها هناك، ولا نية لتكرار سيناريو “صدام حسين” مع “بشار الأسد”.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد أقر القانون، بناءاً على شهادة المصور السابق في الأمن السوري، المعروف بـ “قيصر”، والذي سرب نحو 54 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب في السجون السورية.
أهمية القانون والعقوبات المرتبطة بقانون قيصر، يشرحها المصدر في حديثه مع مرصد مينا، من كونها تختلف عن سابقاتها، لجهة أنها تشمل للمرة الأولى كيانات رسمية في الدولة السورية ولن يقتصر فقط شخصيات وقيادات في النظام كما كان الحال سابقاً، موضحاً: “العقوبات ستشمل البنك المركزي، والذي يعتبر العصب الاقتصادي الأقوى للنظام ومصدر مهم للعملة الأجنبية وغسيل الأموال، وهنا تظهر أهمية تلك العقوبات، كونها اعتراف أمريكي رسمي بأن النظام كبنية كاملة هو المسؤول بشكل كامل عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، وليس أفراد فيه أو أشخاص أو جماعات”.
في السياق ذاته، يشير المصدر إلى أن توسيع حلقة العقوبات لتشمل المزيد من خلفاء النظام على المستوى الحكومي الرسمي والفردي والمؤسساتي، يعني أن الإدارة الأمريكية تبنت سياسة قطع الهواء والماء بشكل تام عن النظام، مضيفاً: “يمكن تشبيه الأمر بالحصار الذي كان يفرضه النظام على مناطق سيطرة المعارضة، والتي مكنته بشكل عام من دخول تلك المناطق دون قتال، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة حالياً مع بشار الأسد”.
وبحسب القانون المذكور، فإن كل شخص أو مؤسسة أو شركة أياً كانت جنسيتها أو انتمائها ستخضع لجملة من العقوبات الاقتصادية القاسية جداً، بما فيها تجميد الأرصدة والمنع من دخول الأسواق العالمية، في حال ثبوت تورطها بتقديم أي خدمات سياسية أو اقتصادية أو تقنية أو عسكرية، لتشمل العقوبات بذلك الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران وروسيا، ما سيجعل النظام كمريض الكوليرا بالنسبة للأطراف الأخرى وحتى داعميه، على حد وصف المصدر.
من جهته، يعتبر رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، “أسامة القاضي” أن استهداف المصرف المركزي ضمن قانون عقوبات قيصر، واحداً من أهم الخطوات كونها ستصيبه بالشلل التام، مضيفاً في تصريحات صحافية: “تلك العقوبات تعني أن النظام لن يعد قاداً عل التعامل بالدولار أو اليورو وبات عليه التعامل بأي عملة أخرى، هذا الأمر سيسبب إرباكاً كبيراً له ولآلته المالية”.
كما يذهب “القاضي” في تناوله لأهمية القانون، إلى مسألة تجميد الأصول والأرصدة للشركات، التي ستتعامل مع النظام، لافتاً إلى أن التهديد بذلك الإجراء سيدفع الشركات إلى التفكير عدة مرات قبل الدخول إلى السوق السورية، ما سيعرضها حتماً للعقوبات وخسارة الأسواق الأوروبية والأميركية.
فصل للمصالح
دعم روسيا وإيران للنظام، يختبئ خلفه مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن تلاشي تلك المصالح، يقود حتماً لتلاشي ذلك الدعم، الذي يعتبر شريان أساسي لبقاء النظام طيلة تلك السنوات، يقول المصدر في تناوله لهدف من إصدار القانون، لافتاً إلى أن واشنطن تسعى لتطبيق سياسة فصل المصالح بين “الأسد” وداعميه، وتحديداً موسكو، ما يجعلها أكثر قبولاً للتفاوض على مصير رأس نظام وأقل تصلباً في موقفها.
ومن المقرر أن تشمل العقوبات الاقتصادية المشددة المقرة في قانون قيصر، كافة الجهات التي تقدم أي نوع من الدعم للنظام، بما يشمل توفير حسابات إئتمانية للتصدير، أو أي تسهيلات مالية أخرى.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الروسي، “محمود حمزة”، أن الجانب الروسي سيتخلى في نهاية المطاف عن دعم “الأسد”، مشيراً إلى أن وبموجب الظروف الحالية؛ بات النظام ورأسه يمثلان تهديداً صريحاً للمصالح الروسية في سوريا، بحسب ما نقله موقع العربي الجديد.
وتسيطر روسيا على جانب كبير من عقود النفط والغاز في سوريا بالإضافة إلى سيطرتها على موانئ اللاذقية وطرطوس، وهي ما تمثل الفرصة الحقيقية أمام موسكو لاستعادت الأموال، التي دفعتها في ظل تدخلها العسكري المباشر؛ دعماً للأسد، والتي وصلت بحسب المعهد البريطاني للدفاع ما بين 2.3 مليون دولار و4 ملايين دولار بشكل يومي.
مسألة تخلي الروس عن النظام، ترتبط بالتوقيت، وفقاً لما يؤكده “حمزة”، الذي يؤكد على أن الروس لا يتمسكون بالأشخاص وإنما بالمصالح، موضحاً: “هم تمسكوا بالأسد خلال الفترة الماضية والحالية، كون مصالحهم مرتبطة به، لكن في المستقبل فإن من الواضح أن الأسد سيشكل خطراً على المصالح الروسية، لإن بقاءه يعني عدم الاستقرار في سورية، وبالتالي يمكن القول بأن الروس والأميركيين يحضّرون البدائل، وسيكشف عام 2021 ذلك، فمن المتوقع أن تخرج واشنطن بمبادرة في هذا الإطار”.
وتضع الولايات المتحدة إسقاط نظام “بشار الأسد”، وإخراج الميليشيات الإيرانية، كشرط أساسي لتلبية المطلب الروسي بالشروع في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، وهو ما تضمنه أيضاً جملة عقوبات قانون قيصر، التي تفرض عقوبات مشددة على أي شركة تساهم في عملية إعادة الإعمار في سوريا في ظل استمرار لنظام الحالي في الحكم.
العملية السياسية
حسابات الاقتصاد يخلطها المصدر الخاص، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، بالغايات السياسية، حيث يرى أن تضييق الخناق الاقتصادي على النظام وبنيته، ستجبره على الانصياع أكثر للعملية السياسية المطلوبة دولياً في سوريا، خاصة مع تضرر الحلفاء من تنعت النظام، وهنا يمكن الحكم بأن الدور الأمريكي يصعد خلال الفترة الحالية إلى أعلى درجات التأثير في الملف السوري، على حد وصف المصدر.
إلى جانب ذلك، يضيف المصدر: “شروط وقف تنفيذ قانون قيصر، يشمل البدء في العملية السياسية وعودة اللاجئين الطوعية والإفراج عن كافة المعتقلين ووقف العمليات العسكرية، إلى جانب تقيم بيانات دقيقة عن السلاح الكيماوي، وهو الأمور التي تعني بشكل مباشر إسقاط النظام”، مشيراً إلى أن واشنطن من خلال قانون قيصر تضع النظام أمام اختيار الطريقة التي يرغب بالسقوط عبرها، إما من خلال الإذعان للقرارات الدولية، أو عبر التآكل وانهيار بنيته بشكل ذاتي جراء العقوبات.
ووفقاً لخبراء الاقتصاد، فإن قانون قيصر، سيدفع باتجاه المزيد من انهيار الليرة السورية أمام الدولار، وتقليص الكتلة المالية من القطع الأجنبي لدى النظام، بما يحد من قدرته على تمويل عملياته العسكرية والحصول على الدعم السياسي والعسكري مقابل المصالح الاقتصادية للحلفاء.
أين المعارضة السورية في معادلة قيصر
انعكاسات القانون السلبية على النظام، يضع المصدر الخاص، مقابلها منعكسات إيجابية بالنسبة للمعارضة السورية، خاصةً وانه سيزيد من عزلة النظام ويمنع الكثير من الدول من إعادة تطبيع علاقتها معه، كما أنه يعني بشكل مباشر عدم عودة مقعد سوريا في المحافل الإقليمية والعربية إلى النظام، كما كانت تدعو بعض الحكومات، مشدداً على ان القانون بما يتضمنه من مواد وبنود، يشكل المسمار الفعلي الأول في تابوت حقبة آل الأسد السياسية.
ولا يتوقف قانون قيصر عند حد العقوبات الاقتصادية على النظام وعزله، وإنما يشمل أيضاً في شقه الآخر، إعادة تنظيم آلية تقديم المساعدات الإنسانية ومراقبتها بشكل كبير، إلى جانب تحضير جلسات استماع في الكونغرس لتقييم سير تلك المساعدات، ومنع تعرضها لعمليات سرقة في مناطق النظام.
كما ينص القانون على مشاركة المنظمات السورية غير الحكومية في جلسات مناقشة آلية تطبيق القانون، ما يشكل بحسب المصدر، فرصة ذهبية لتفعيل عمل تلك المنظمات ومنحها مساحة أكبر لتناول الأوضاع الإنسانية في سوريا، خاصةً وأنها ستحصل على مقعد ضمن جلسات لجان الكونغرس المخصّصة لهذا الغرض.