انتقال السلطة في الولايات المتحدة، ومنذ 20 كانون الثاني الماضي، يطرح سلسلة من التساؤلات حول موقف الرئيس الأمريكي الجديد، “جو بايدن” من سياسة سلفه، “دونالد ترامب” الخاصة بالعقوبات على سوريا، لا سيما في ظل التباين الكبير في سياستهما على المستتويين الخارجي والداخلي، والتي دفعت “بايدن” إلى إلغاء عشرات القرارات المتخذة من قبل إدارة سلفه، خلال الساعات الـ 24 الأولى له في الحكم.
يشار إلى أن الولايات المتحدة أقرت العام 2020، عقوبات قيصر على النظام السوري، والتي تعتبر أشد موجة عقوبات تفرض على نظام الأسد منذ اندلاع الثوة السورية عام 2011، وذلك على خلفية تسريب أحد المنشقين عن قوات النظام، كثر من 50 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد، خلال العامين 2011 و 2012.
مصادر تحسم الجدل وتحدد مصير “قيصر“
وسط الجدال الدائر، تكشف مصادر في البيت الأبيض، أن الإدارة الجديدة تتفق مع سابقتها في بضعة قضايا من بينها قانون قيصر، والذي أكدت أن إدارة “بايدن” مستمرة في تنفيذه كجزءٍ من سياستها في الملف السوري، مشيرةً إلى أن تلك السياسة قد تشهد بعض التحولات في بعض النواحي، ولكن العقوبات ستبقى مستمرة.
وكان المتحدث الرسمي باسم الوزارة، “نيد برايس”، قد لفت إلى أن بلاده مستمرة في جهودها لدفع العملية السياسية في سوريا من خلال التشارو مع حلفائها ومنظمة الأمم المتحدة، دون أن تفغل الأسباب، التي أدت إلى الحرب الدائرة هناك منذ ما يقارب 10 أعوام متواصلة، مشدداً على أن السياسية الأمريكية ستتواصل بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
يذكر أن مجلس الأمن الدولي اتخذ القرار رقم 2254 بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، حيث يطالب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، يتم على أساسه التحول السياسي بقيادة سوريا.
في ذات السياق، تشدد المصادر الأمريكية، على أن فرض العقوبات على النظام السوري لا يرتبط بالإدارة الموجودة حالياً بقدر ارتباطه بتوجه دولي قائم على الضغط الاقتصادي لمنع النظام السوري من توفير أموال تساعده على تمويل آلته الحربية واندلاع الحرب مجدداً بعد حالة الهدوء النسبي المستمرة منذ أشهر، مشيرةً إلى أن العقوبات هي جزء من الإجراءات الساعية لإجبار النظام على قبول مفاوضات الحل السياسي بعيداً عن العسكرة.
ليس أولوية وتبدلات في الاستراتيجية
التبدلات في السياسة الأمريكية بما يخص الملف السوري، ووفقاً لما يراه المحلل السياسي، “حسام يوسف”، تنحصر في تبدلات استراتيجية مرتبطة بالتدخل الدولي في سوريا، وليس في الموقف من النظام السوري، موضحاً أن “التغير خلال إدارة بايدن سيظهر بشكل أكبر في إعادة توزيع الأدوار الدولية في سوريا، على سبيل المثال التدخل التركي، والذي يعتبر من أهم النقاط بالنسبة للحزب الديمقراطي، الذي يرى أن تدخل تركيا في سوريا يضر بالمصلحة القومية الأمريكية، سواء من ناحية استمرار التوتر في سوريا وفي محيط حقول النفط، أو من ناحية تزايد النفوذ التركي في المنطقة، وهنا ما يجب الانتباه إليه إلى نقطة الاتفاق بين بايدن وترامب هي مصير بشار الأسد، أما الخلاف فيتعلق بطريقة التعاطي مع القضايا المتفرعة عن الثورة السورية”.
كما يلفت “يوسف” إلى أن القضية السورية وحتى الآن لا تحمل أولوية بالنسبة للرئيس “بايدن” مقابل ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، مثل وباء كورونا والملف النووي الإيراني وملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي والملف العراقي وقضية إعادة الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، بالإضافة إلى ملف الاقتصاد والهيمنة الصينية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تدور فيما يخص القضية السورية في فلك التوجهات الدولية.
أما النقطة الأهم في محددات السياسة الأمريكية في سوريا، بحسب ما يذكره “يوسف” فإنه تولي روسيا لدفة الحل في سوريا، خاصة وأن تدخلها في الملف السوري جاء بمباركة إسرائيلية، وفي أواخر ولاية إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، “باراك أوباما”، والتي كان يشغل فيها “بايدن”، منصب الرجل الثاني بعد الرئيس، ما يعني أن الملف السوري لن يشهد اختلافات كثيرة في ظل إدارة “بايدن”، خاصة بالنسبة للعقوبات، على حد قوله.
يشار إلى أن التدخل الروسي المباشر في الملف السوري، بدأ صيف العام 2015، خلال الأشهر الأخيرة من عهد “أوباما”، حيث ساهمت روسيا في إعادة رسم المشهد الميداني من خلال إعادة الكثير من المناطق لسيطرة النظام، إلى جانب تبنيها الكثير من الاجتماعات السياسية التي شاركت بها المعارضة السورية.
بقرارات من الكونغرس.. ثوابت لا تتغير
على الرغم من حالة الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، إبان حكم الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، إلا أن مسألتين محددتين كانتا من بين المسائل التي جمعت بينهما بشكل واضح، وفقاً لما يقوله المحلل السياسي، “محمد الحاج علي”، لافتاً إلى ان تلك القضيتين هما، العقوبات على النظام السوري وضرورة إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
كما يذكر “الحاج علي” بأن قانون قيصر أقر في الكونغرس بدعم كافة النواب من الحزبين وأنه قانون تم إصداره بشكل تشريعي برلماني، ما يعني أنه يمثل توجه عام وليس توجه إدارة، موضحاً أن في السياسة الامريكية تجاه أي ملف في العالم، يوجد ثوابت لا تتغير بتغير الإدارات وتعاقب الرؤساء.
يشار إلى أن الاقتصاد السوري تعرض لخسائر كبيرة بعد إقرار قانون قيصر، حيث سجلت الليرة السورية انهيارات تاريخية، وصل خلالها سعر صرف الدولار الواحد إلى نحو 3 آلاف ليرة سورية.
أما اللافت في نظرة “الحاج علي” فهو ترجيحه أن تشهد ولاية الرئيس الأمريكي الحالي حلاً للقضية السورية، ما يعني برأييه أن الولايات المتحدة قد لا تلتزم فقط بقانون قيصر وإنما ببذل المزيد من الضغوط على النظام السوري.